مهدت الأحزاب الموالية لإيران لاستيلائها الطويل على الحكم في العراق بتغيير قانون الانتخابات.عن طريق ذلك التغيير لن يُسمح للأحزاب والكيانات السياسية الصغيرة بالمنافسة النزيهة وستكون اللعبة السياسية كلها حكرا على الأحزاب الكبيرة التي تملك المال والسلطة وتسيطر على الدولة.لقد حسم الولائيون (كما يُسمي العراقيون أتباع إيران) أمرهم في ظل تراجع منافسهم الوحيد مقتدى الصدر الذي أعلن عن تجميد تياره السياسي ردا على الفساد الذي استشرى بين أفراده كما قال الصدر نفسه.
تلك معطيات تدعو إلى التشاؤم. لن يتحرر العراق في المستقبل من صورته الحالية، دولة فاشلة عاجزة عن تصريف شؤون مواطنيها والنهوض بأحوالهم بخطة تنموية تضع ثروات العراق في مكانها الصحيح وبفساد أقل.سيظل العراق يدور في مكانه. تتكرر أزماته وإن تغيرت الوجوه. فعلى سبيل المثال لن يهدأ التطاحن الطائفي الزائف بين زعماء الطوائف لا بسبب خلاف على أسلوب الحكم أو أهدافه أو الخدمات التي يقدمها، بل على الحصص المرتبطة بمفهوم تقاسم الغنيمة الذي هو أساس النظام الطائفي.
بمعنى أن نظام الطوائف بكل ما يعنيه من تكريس للعزلة وتمزيق للنسيج الاجتماعي العراقي سيقوى وسيتم تكريسه وتطبيعه على المستوى الاجتماعي، بحيث تنتقل جرثومة الطائفية من الأحزاب إلى أصغر خلية في المجتمع وهي العائلة. مع الوقت سيكون هناك مجتمع طائفي في العراق كما هو الحال في لبنان وسيكون السياسيون في غنى عن البحث عمن يناصرهم في نزعاتهم الطائفية. هناك دائما مادة للتطاحن والتقاتل من غير سبب.
لن يكون هناك تداول سلمي للسلطة حتى ولو كان صوريا. فلا وجود للآخر المختلف بالنسبة إلى أحزاب الإسلام السياسي الحاكمة في العراق حتى لو كان ذلك الآخر قد قبل بالوقوف على الهامش. فالمتن والهامش يجب أن يكونا من حصتها التي لن يصل منها إلى الشعب إلا النزر القليل الذي لن ينفع في وقف تزايد معدلات الفقر والبطالة.
سيبقى العراق بلدا من غير خدمات أساسية. لن يطرأ أي تغيير إيجابي على قطاعي التعليم والصحة وسيزداد العراقيون جهلا ويتصاعد منسوب الأمية وسيبقى العراقيون ضحية للعصابات التي تسلمهم إلى مستشفيات في الهند وتركيا إن كانوا يملكون مالا أو يستسلمون للأمراض التي ستذهب بهم إلى القبور. فالفساد الذي لم يترك صعيدا إلا وضربه لف الأطباء والصيادلة بجناحيه فصاروا يمارسون أعمالهم كما لو أنهم تجار في السوق السوداء.
وكان من اللافت أن الميليشيات قد خففت من نشاطها بعد أن آلت أمور السلطة إلى تحالف الإطار التنسيقي، وهو تحالف الأحزاب الموالية لإيران. صمت زعماء تلك الميليشيات التي عادت إلى قواعدها ولم تعد مهتمة بمقاومة الوجود العسكري الأميركي أو أعداء المذهب المحيطين بالعراق.
أخرستهم إيران بعد توقيع اتفاق بكين مع المملكة العربية السعودية. ذلك صحيح. والصحيح أيضا أن كل شيء في العراق صار في متناول أيديهم من غير أن يعترض عليهم أحد أو يطالب بنزع سلاحهم أو حتى وضعهم تحت رقابة القائد العام للقوات المسلحة الذي يشكل وجودهم مرجعية له. هم الذين وضعوه في منصبه وفي إمكانهم أن يجردوه من ذلك المنصب. الرجل لا يخفي ذلك ولا يشعر أن فيه ما ينقص من مكانته الرسمية أو كرامته الشخصية.لا يفعل محمد شياع السوداني شيئا إلا بعد استشارة رموز الإطار التنسيقي وبالأخص زعيمه السابق نوري المالكي. إذا هو تابع بدرجة رئيس وزراء. تؤهله وظيفته لحماية مصالح الأحزاب في الدولة غير أنها لا تقربه من وظيفته الحقيقية التي تفرض عليه الإنصات إلى مطالب الشعب.
هناك شعور عميق لدى أفراد الطبقة السياسية في العراق بأن تطبيع الأوضاع الحالية أمر ممكن. فهم وقد قرروا البقاء إلى أطول وقت ممكن كانوا قد وضعوا كل ترسانة الخرافة الملحقة بالدين وهي ليست منه في خدمة مهمتهم في التجهيل، حيث صارت كل الأوضاع السيئة من صنع الله وعلى العبد أن يرضى بها كونها تشكل امتحانا لإيمانه. وليس أمامه غير الدعاء.ذلك ما يعفي الحكومة من القيام بوظيفتها في نشر التعليم وتطوير القطاع الصحي والشروع في إعمار البنية التحتية التي تتضمن مشاريع الكهرباء والماء العذب والصرف الصحي، ناهيك عن الالتفات إلى مشكلات الفقر والبطالة التي يمكن إنهاؤها من خلال العودة إلى مشاريع الزراعة والصناعة التي دُمرت بالكامل.حكومة العراق اليوم هي ليست سوى نموذج لما سيشهده العراقيون من حكومات في المستقبل، هي عبارة عن واجهة لمشروع سياسي تضليلي يتخذ من الدين ستارا لتمرير عمليات فساده.