حقا إن المكون السني يعيش أزمة حقيقية قد تنذر بنسف كل التحالفات وإعادة التموضع من جديد، لكن المتغير هذه المرة أن الصراع وصل إلى مراحل الضرب تحت الحزام.ربما الجميع متفق أن حكايات “مصلحة المكون” وشعارات الدفاع عن المذهب باتت غير مقنعة في المشهد السياسي العراقي، بل ذهب الكثير إلى اعتبارها أقنعة تختفي وراءها وجوه تتصارع على مصالح وغايات الوصول إلى كراسي الحكم والسلطة.الغريب أن الممارسة السياسية في أغلب الدول ذات الديمقراطيات الحقيقية تأخذ أشكالا في الصراع على البرامج السياسية والاقتصادية وبناء مؤسسات الدولة، إلا في العراق فإنه صراع من نوع آخر قد يتحول إلى تنافس مصلحي ودموي يسقط خلاله الكثير من الضحايا والجثث.
انتقلت العدوى إلى المكون السني الذي يشهد مؤخرا بركانا يهدد بالانفجار في أي لحظة وشرارة تتّقد أكثر كلما اقترب موعد الانتخابات الأقرب لها وهو الاستحقاق الانتخابي المحلي المزمع إجراؤه نهاية هذا العام، وقد يشهد تأجيلا عن موعده بسبب عدم وجود اتفاق سياسي على إجرائه ومشاكل سياسية واقتصادية ومتغيرات قد تعيق تحديد الموعد.
مصيبة من يجلسون على كراسي القرار أنهم يتمنّون لو يبقون في عداد الخالدين، تدفعهم المغانم والثراء الفاحش والسلطة إلى استعمال كل الأدوات حتى وإن كانت محرّمة من أجل البقاء، وذلك هو قانون الأقوى الحاصل في المكون السني كغيره من مكونات المنظومة السياسية العراقية الذي بدأ الصراع فيه مبكرا وقد يستعر من أجل إسقاط زعامات وصعود أخرى بديلة لها.
تحالف السيادة الذي كان يتزعمه قطبا المكون محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان العراقي، وخميس الخنجر يبدو من خواتيم الحكاية، فالعقد المفروض عليهما خارجيا قد انفرط، وكل أصبح في طريق يعاكس الآخر، خصوصا بعد فشل محاولات الصلح القطرية – التركية لجمع شتات الطرفين، والأرجح أن تحالف السيادة قد يعلن عن تأسيسه بحلته الجديدة خلال أيام برئاسة خميس الخنجر بعيدا عن محمد الحلبوسي رئيس البرلمان العراقي، الذي قد يصبح خارج هذا التحالف حسب مصادر سياسية.
بمفهوم آخر إن التمثيل السياسي للمكون ربما بدأ يدار بقيادات وزعامات جديدة قد تطيح بالحرس القديم، هذا ما يراه تحالف الفتح المنضوي تحت الإطار التنسيقي، بوجود تغيير مرتقب في هرم السلطة التشريعية التي هي من حصة المكون السني، حيث لا تخفي بعض الأطراف في الإطار التنسيقي رغبتها المتضامنة مع بعض الإرادات من البيت السني لتغيير الخارطة السياسية في المحافظات السنية.
تحالف السيادة الجديد الذي سيعلن عنه خلال الأيام القادمة والذي يضم محافظات صلاح الدين وكركوك ونينوى والأنبار سيكون خاليا من الحلبوسي، في تأكيد بأن التحالف الجديد سيكون داعما لحكومة السوداني وقراراتها بإشارات تعكس اختلاف التوجهات عن تحالف الحلبوسي الذي اشتد الخلاف داخله مؤخرا بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
قضايا الفساد وكشف المستور هي الأسلحة التي سيتم تصويبها باتجاه الآخرين، لكن الصراع أخذ أشكالا أخرى خصوصا بعد مقتل سعد كمبش رئيس ديوان الوقف السني السابق واتهام جهات حزبية فاعلة بالمشهد السني بتهريبه واغتياله، وقد يفتح التحقيق في مجريات الاغتيال أمورا وملفات قد تطيح بزعامات سنية كانت تتصدر المشهد السياسي.
المكون السني على صفيح ساخن قد ينذر بتداعيات خطيرة، خصوصا إذا كان الفاعل الخارجي حاضرا بقوة ويرغب في عدم استقرار المحافظات المحررة التي تحولت من صفحة داعش إلى الفساد الذي أطاح بركائزها واستقرارها أكثر من غرابيب السود.هي الأيام القليلة التي تفصل لكي تتضح الصورة بشكلها الأوضح، لكن في كل الأحوال لن تكون الصورة بأفضل من صور العراق القاتمة.