يُؤرِّخ لمرحلة كانت حدًّا فاصلًا بَيْنَ مرحلتين، ويفتح مغاليقها الغائبة عن الرأي العام عَبْر شهود عيان أدلوا بشهاداتهم وثَّقوا فيها هذه المرحلة التي وصفت بأنَّها زلزال أصاب المنطقة والعالم من فرط تداعياته المتواصلة منذ عشرين عامًا وحتى الآن.إنَّه كتاب «الهمجيَّة في شهادات غزو العراق واحتلاله في حوارات مع المؤلف الصحفيِّ سلام مسافر» الذي أشهره في العاصمة الأردنيَّة (عمَّان) قَبل أيام بحضور حشد من النخب العراقيَّة والعربيَّة.
وتنبع أهمِّية الكتاب من كونه وثيقة تاريخيَّة سلَّطت الضوء على أبرز محطَّاتها بلسان من عاصروها، دوَّنها ووثَّقها مسافر عبر مقابلات حصريَّة احتوت على وجبة دسمة من المعلومات كانت غائبة عن الجمهور التي أحاطت بقرار الغزو والاحتلال لتنوير الرأي العام بما جرى، وكشف المستور، لا سِيما مواقف بعض القوى العالميَّة والإقليميَّة والعربيَّة.ويحتوي الكتاب على ستة فصول غطَّت الحدث من جميع جوانبه؛ لأنَّه قلب المنطقة وعكس مأساويَّة ومخاطر هيمنة القطب الواحد على النِّظام الدولي.
ومؤلِّف الكتاب سلام مسافر صحفي عراقي معروف، يمارس العمل الصحفي منذ أربعين عامًا منتقلًا بَيْنَ أبرز وسائل الإعلام العراقيَّة والعربيَّة والأجنبيَّة، ومعروف في مهنيَّته وتميُّزه في مَسيرة حياته، وقدَّم هذا الجهد لمناسبة الذكرى العشرين لغزو واحتلال العراق.وجالَ المؤلِّف بحسِّه الصحفي المهني في تضاريس ذاكرة مَن التقاهم؛ ليُوثِّق ويفكَّ شفرات وأسرار مرحلة كانت من أشد فترات الإثارة في تاريخ العراق والمنطقة والعالم، وما حدث، وكيف تعاطى العراق وقيادته مع التهديدات التي سبقت الاحتلال، وأبرز صنَّاع القرار الذين عاشوا تفاصيل ما حدث، وجرى من دون مبالغة، هدفها وضع الحقائق في مسارها الصحيح لخدمة الباحثين والمهتمين بتاريخ العراق، وما شهده من وقائع وأزمات وتحوُّلات تتطلب سَبر أغوارها التي باتت من اهتمام الرأي العالمي.
وتكشف الشهادات التي دوَّنها المؤلِّف في فصلها الأوَّل عن عرض روسي للقيادة العراقيَّة قُبيل الغزو، وهو العرض الذي رفضه العراق (القاضي بتنحِّي الرئيس صدام حسين عن السُّلطة في إطار تسوية شاملة) الذي عدَّته القيادة العراقيَّة أنَّها رسالة أميركيَّة صهيونيَّة.ويروي شاهد حي في فصل آخر تفاصيل زيارة طارق عزيز إلى موسكو قُبيل الغزو، الذي كان يحمل رسالة من صدام إلى بوتين، أنَّ عزيز انتظر لمدَّة يومَيْنِ من دون أن يلتقي بالرئيس الروسي بوتين، الأمْرُ الذي أثار غضب عزيز ومزَّق الرسالة أمام موظَّفي المراسم الروسيَّة.
وخصَّص المؤلِّف حيزًا في تفاصيل لقاء الرئيس صدام مع وزير الدفاع الأميركي رامسفيلد خلال أَسْر صدام في السجن، فضلًا عن اختراق المخابرات العراقيَّة للبنتاجون وتفاصيل معركة المطار. كما أفرد المؤلِّف جانبًا من محاكمة صدام وإعدامه، وكيف واجه لحظات تنفيذ الإعدام عَبْرَ شهادات حيَّة ممَّن كانوا قريبين من ذلك المشهد الذي ما زال عالقًا في الذاكرة.
الشهادات، التي وثَّقها المؤلِّف عَبْرَ عسكريين وقضاة ومحامين وناشطين وسياسيين، هي محاولة لكشف أسرار ما جرى برؤية واضحة المعالم بلسان مَن كانوا في قلب الحدث وتداعياته؛ لكشف المخفي والمستور من كارثة احتلال العراق.ويخلص المؤلِّف إلى القول إنَّ غزو العراق واحتلاله كان من أولويَّات صنَّاع قرار الغزو، هدفه تدمير العراق وإخراجه من معادلة الصراع بالمنطقة، ولا يمكن أن تدخل العصر الأميركي من دون أن تتخلى عن مبادئك ونهجك واستقلال قرارك السيادي، وهذا ما حدث للعراق.الكتاب وثيقة حيَّة تأبى النسيان، جدير بالقراءة والتأمل؛ لأنَّه يجيب على أسئلة مهمَّة كانت غائبة عند الكثيرين من المهتمِّين بالشأن العراقي قَبل وبعد الاحتلال، ليرسم صورة واضحة الألوان لمشهد تداخلت فيه الألوان بات من الصعب التمييز بَيْنها، جاء الكتاب ليوضح الصورة واتجاهاتها في تضاريس ذاكرتهم.