لن يستقر العراق نهائيا دون حل الحشد الشعبي الإيراني الإرهابي
آخر تحديث:
بغداد/شبكة أخبار العراق- تحلّ في منتصف الشهر المقبل حزيران، الذكرى التاسعة لإطلاق علي السيستاني في النجف فتوى ما عرف لاحقاً بالجهاد الكفائي ، والتي دعا فيها أبناء الشعب العراقي إلى الانخراط في القوات المسلحة، من أجل التصدّي لتنظيم (داعش) الذي سيطر حينها على ثلاث محافظات في غرب العراق وشمال غربه وهدد العاصمة بغداد في عهد حكومة نوري المالكي . وقبل فتوى المرجع الشيعي علي السيستاني بثلاثة أيام، كان المالكي، ومن خلال اللجنة الوزارية التي شكلها لإدارة أزمة مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، قد أعلن عن تشكيل أفواج من المتطوعين تحت اسم “الحشد الشعبي” لدعم الأجهزة الأمنية، كما أعلنت تلك اللجنة آنذاك عن تشكيل مديرية الحشد الشعبي التي تحوّلت لاحقاً إلى هيئة مستقلة.
يتبيّن من هذا السياق الزمني أن الحشد الشعبي لم يتشكّل بفعل دعوة السيستاني، فقد كانت موجهة إلى انخراط المتطوّعين في صفوف الجيش والأجهزة الأمنية لمواجهة “داعش”، بينما يعدّ نوري المالكي المؤسس الفعلي للحشد الشعبي، وهو من استغلّ فتوى السيستاني لترويجها على أنها فتوى تشكيل الحشد الشعبي، الأمر الذي جعل قادة “الحشد” اليوم يطالبون بفتوى من السيستاني لحلّه، كونه من أفتى بتشكيله، وذلك في ردّهم على المعترضين على وجود قوة مسلحة غير الجيش والشرطة.
واستكمالاً للعرض الزمني لتطوّر قوة الحشد الشعبي، فإن نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2016 شهد مصادقة مجلس النواب العراقي على قانون رقم 40، أو ما عرف بقانون هيئة الحشد الشعبي، والذي أضفى على تلك المليشيات صفة قانونية، باعتبارها قوة رسمية مساندة للجيش، من دون أن تنخرط به، حيث ضمن لها هذا القانون الاحتفاظ بهويتها وخصوصيتها، لتتحوّل تلك الفصائل المليشياوية المنضوية تحت هيئة الحشد الشعبي إلى كيان عسكري منفصل عن الجيش والقوات الأمنية، وتتبع القائد العام للقوات المسلحة في العراق، وهو رئيس الوزراء.وفي الواقع عكس ذلك فهي أصلا لاتحترم اوامر القائد العام وارتباطها مباشرة بالحرس الثوري ، الارتباط بالعراق فقط من ناحية الرواتب والتجهيزات لصالح المشروع الإيراني التدميري. وتنتمي غالبية فصائل الحشد الشعبي في العراق إلى قوى سياسية ومليشيات مسلّحة كانت موجودة على أرض الواقع حتى قبل وجود “داعش”
وفقاً لتصريحات رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، في لقاء متلفز إبريل/ نيسان الماضي، فإنّ عدد مقاتلي الحشد الشعبي تجاوز مائتي ألف مقاتل، معترفاً في اللقاء نفسه بأنّ الفساد مستشرٍ في كلّ مفاصل الدولة العراقية، بما فيها الحشد الشعبي، حيث تفيد معلومات من داخل هيئة الحشد الشعبي بأنّ نصف هذا الرقم ربما يكون أعداداً لمقاتلين فضائيين يجري استلام رواتبهم ومخصّصاتهم المالية وحتى التجهيزات الأخرى من قادة “الحشد”، ناهيك عن استخدام كثيرين منهم في أعمال تجارة تابعة لقادة “الحشد”.
اليوم وفي غياب التهديد الذي استدعى تشكيل قوة الحشد الشعبي، وهو تنظيم “داعش”، تطرح تساؤلات عديدة عن الأسباب الموجبة لبقاء الحشد الشعبي، خصوصاً أن أعداد وعدد القوات العراقية المختلفة، جيش وشرطة وجهاز مكافحة الإرهاب وغيرها من العناوين العسكرية، بات كبيراً حتى وصل عدد الجيش العراقي فقط إلى أكثر من 330 ألف مقاتل.
وتنتمي غالبية فصائل الحشد الشعبي في العراق إلى قوى سياسية ومليشيات مسلّحة كانت موجودة على أرض الواقع حتى قبل وجود “داعش”، هذه الفصائل المسلحة أو الواجهات السياسية لها، دخلت العملية السياسية من أوسع أبوابها، وصارت تتحكّم بكثير من مفاصل تلك العملية، حتى إنها نجحت في إبطال نتائج انتخابات أكتوبر 2021 والتي فاز بها التيار الصدري بالمركز الأول، بينما خسر التحالف المشكّل من تلك القوى المسلحة والواجهات السياسية الممثلة لها، ولم يتمكّن حتى من تجاوز التحالف الكردي أو السنّي في الانتخابات المشار إليها أعلاه.
نجحت تلك الفصائل وواجهاتها السياسية في إجبار مقتدى الصدر على الانسحاب من العملية السياسية والانتخابات التي جرت آنذاك، لتحتلّ هذه الفصائل ونوابها كل المقاعد التي انسحب منها التيار الصدري وعددها 73 مقعداً، وتحتلّ المركز الأول في النتائج، وتشكل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني.
يحكم الحشد الشعبي اليوم العراق فعلياً، ليس بقوة سلاحه فحسب، وإنما بوجوده السياسي ونجاحه في تشكيل الحكومة الحالية، وبالتالي، أي دعوة إلى حلّ الحشد الشعبي تقابَل بالتخوين من قادة الفصائل الحشدية وساساته، حتى وصل بهم الحال إلى محاولة اقتحام مكتب النائب المستقل سجاد سالم في الكوت جنوب العراق، بعد دعوته العلنية إلى ضرورة حلّ الحشد الشعبي، متهماً تلك الفصائل بأنّها تعوق التطوّر السلمي، وتعوق التنمية وتعوق التداول السلمي للسلطة.
وقبل ذلك، هاجمت قوة تابعة لكتائب حزب الله العراق، قوة أمنية عراقية كانت تحاول الاستيلاء منها على أراض زراعية جنوب العاصمة بغداد، ما أدّى إلى إصابة أفراد من القوة. وكل هذه الحوادث المذكورة آنفاً حديثة، في حين أنّ سجل سيطرة الحشد الشعبي على مختلف فصائل الدولة العراقية ممتدّ، ولا يتسع المجال لذكره هنا. يمكن الإشارة إلى أنّ “الحشد” بات فعلياً الحاكم الرسمي للعراق لخدمة المشروع الإيراني في العراق والمنطقة، فالقوات الأمنية لا يمكن لها أن تقف بوجهه، ليس فقط لاعتبارات عسكرية، وإنما لاعتبارات سياسية، كونه مدعوماً من الفصائل السياسية التي شكّلت الحكومة الحالية.
في المجمل، لا يمكن للعراق أن يتغير من داخل بنية عمليته السياسية الحالية، من دون أن يحلّ الحشد الشعبي ويجرّد الفصائل السياسية من أدواتها العسكرية، فالحشد الشعبي اليوم فضلاً عن قوامه العسكري، هو قوام سياسي وكيان اقتصادي قائم بذاته نسخة ثانية من الحرس الثوري ، بمعنى أنّه تحوّل إلى دولة داخل دولة لم تتشكّل منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003.