شبح البعث الذي لا يزال مخيفا

شبح البعث الذي لا يزال مخيفا
آخر تحديث:

بقلم:فاروق يوسف

للعراقيين مزاج سياسي متقلب ساخر. ذلك صحيح وهو انعكاس لمزاجهم العام في كل نواحيه. ذلك لا يتعلق بالثوابت الوطنية وإن مسها قليلا بعد الاحتلال الأميركي. دائما كان هناك مَن يؤمن بالنفعية إطارا لحياته. ذلك شأنه الشخصي.ما حدث عبر العشرين سنة الماضية أن الجهل قد صعد منسوبه وصار يتحكم بمواقف الكثيرين، بحيث صاروا عبارة عن بيادق تحركها أجهزة الإعلام المسيطر عليها من قبل الأحزاب والميليشيات التابعة لإيران. وإذا ما كانت الحكومة العراقية قد اتخذت إجراءات لمحاربة المحتوى الهابط في وسائل الاتصال الاجتماعي فقد كان حريا بها أن تلتفت إلى المحتوى الأشد هبوطا الذي تنشره وسائلها الإعلامية.

يوما ما كان العراقيون كلهم بعثيين وإن لم ينتموا. تلك مقولة للرئيس الراحل صدام حسين. جزء منها كان حقيقيا. فبسبب اختراق السلطة لكل طبقات الحياة احتاط العراقيون بطريقة حذرة لطريقتهم في الكلام والعيش والصداقة والعمل، بحيث وظفوا مزاجهم كما لو أنه يعمل منسجما مع حركة عقارب الساعة البعثية أو بشكل محدد ساعة النظام السياسي الذي كان بوليسيا على درجة عالية من العنف.

قبل ذلك بسنوات كانوا شيوعيين وكانت حمامة السلام شعارهم ولقد صنع الحزب الشيوعي العراقي مأثرته على أساس المطالبة بممارسة المزيد من العنف في حق خصومه.

في الحالين كان الخوف هو ميزان المزاج العراقي المتقلب الذي تدهورت أحواله بعد الاحتلال الأميركي وصدور قانون اجتثاث البعث الذي مثل خرقا لقيم إنسانية، هي جزء من الثوابت الوطنية التي كان يجب الحفاظ عليها.

البعث هو حزب سياسي عربي يستند إلى منطلقات إنسانية من بينها الاشتراكية وهي دعوة لتوزيع عادل للثروات جرى الانحراف بها بناء على التجربة الشيوعية في الاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية التي كانت تدور في فلكه فكان أن استثمرت الدولة ثروات البلد في عمليات التنمية متجنبة الوقوع في فخ الدولة الريعية التي يتمتع مواطنوها بالثراء من غير أن يملك البلد بنية تحتية إنسانية.

كان الإنسان هو الهدف وهو ما أثبتته سنوات السبعينات في القرن العشرين. تحول العراق يومها إلى ورشة عمل ومختبر علمي انتصرت فيه الثقافة على الأمية. كان البعث يومها يحكم ولم يكن قطا ناعما بل كانت أجهزته الأمنية قد تدربت في ألمانيا الشرقية، التي كانت دولة شيوعية، على استعمال مختلف آلات التعذيب. أما كان المعارضون يختفون؟ غير أن العراقيين كانوا يلهجون مديحا لإنجازات البعث.

وحتى بعد الاحتلال كان هناك مَن يضع مسافة بين البعث والصدّامية فلا يرغب في المزج بين البعثيين والصدّاميين. فالعراقيون كلهم بعثيون وإن لم ينتموا أما المهووسون بصدام فهم فئة قليلة، كانت هناك وثائق كثيرة تدينهم. ولكن قلة منهم ارتكبت جرائم في حق الشعب الذي لم يكن متأكدا من أنه يمشي على طريق العدالة من غير التفكير في الانتقام.

لقد أخطأ العراقيون حين قبلوا بمحاكمة رئيسهم التي كانت عبارة عن مهزلة غلب عليها طابع الانتقام. كانت تلك المحاكمة بداية لاهتزاز الثقة لهم. ألهذا الحد كان مزاجهم متقلبا؟ في صبيحة اليوم الذي أعدم فيه زعيم الحزب الشيوعي يوسف سلمان يوسف، المعروف باسمه الحركي فهد، سأل الشرطي الذي قاده إلى ساحة الإعدام “هل خرج الشعب محتجا؟” أجابه الشرطي بالنفي فقال له “خذني إذاً”.

اليوم تحتج فعاليات رسمية في العراق على ظهور حزب البعث في الأردن بطريقة رسمية. شبح البعث لا يزال يُخيف بالرغم من غيابه منذ عشرين سنة. ولكن بعث الأردن لا علاقة له بالعراق. والأردن لها قراراتها السيادية التي لا تمس الشأن العراقي ولا تفكر فيه. دولة لها أحزابها التي تتنافس للوصول إلى مجلس النواب. أردنيون لهم الحق في التفكير السياسي. إن أحبوا صدام حسين أو لم يحبوه فذلك شأنهم. هل سيكون لزاما عليهم أن يسايروا المزاج العراقي في تقلبه وفي هروبه من حقيقة تاريخه؟

من المؤكد أن بعثيي الأردن يشبهون في منطلقاتهم النظرية بعثيي العراق وبعثيي سوريا. تلك ليست مثلبة. لا يملك بول بريمر قرار الموت في حق البعث. فلطالما أصدرت الأنظمة العربية قرارات بموت معارضيها ولكن الأحزاب التي كان أولئك المعارضون ينتمون إليها لا تزال حية.هناك مفارقة في الحالة العراقية. شبح البعث لا يزال مخيفا لأن الكثير ممَن انقلبوا عليه ما زالوا بعثيين. يعرف العراقيون بعضهم البعض الآخر وهم على يقين من أن البعث لم يمت.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *