لندن: معد فياض :لم يضحِّ سياسي عراقي بارز مثلما قدم الدكتور إياد علاوي الكثير من التضحيات من أجل العراق وقضية شعبه، منذ أن خرج على نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين وهو في أوج جبروته في وقت كان يمكنه فيه أن يتبوأ أرقى المناصب بعد انقلاب 17 يوليو (تموز) 1968، وتعرض لمحاولات اغتيال حقيقية كادت تودي بحياته عندما كان زعيما في المعارضة العراقية باعتباره رئيسا لحركة الوفاق الوطني، وحتى بعد عودته إلى بغداد في 2003؛ فهو لم يتمسك بالحكم عندما كان أول رئيس للوزراء بعد تغيير النظام، ولم يعرف عنه تدخله في نتائج الانتخابات، وتنازل عن استحقاقه الانتخابي عندما فاز ائتلافه «العراقية» في الانتخابات الأخيرة، حيث حرم من تشكيل الحكومة؛ «لأن إيران وضعت خطا أحمر علي وعلى (العراقية)»، مثلما قال. وفيما يلي نص الحوار:
* إلى أين تذهب الأمور في العراق اليوم؟
– لا أعرف أين ستنتهي لكن بالتأكيد المشهد العراقي اليوم لا يسر أحدا.. الوضع الأمني في تردٍّ، ويكاد يبلغ حد الحرب الأهلية، عندما يستشهد أكثر من ألف عراقي خلال شهر واحد، الشهر الماضي، ما عدا الاغتيالات، وأكثر من 3 آلاف جريح، وبينهم سيكون الكثير من المعوقين، فهذا يرقى في الحقيقة إلى مستوى الحرب الأهلية، ناهيك بغياب الخدمات وسوء الأوضاع الاقتصادية والتناقضات السياسية واستشراء الطائفية السياسية وعدم الاكتراث لمطالب الشعب ومطالب المتظاهرين، هذه كلها تشكل أرضية خصبة لقوى التطرف في البلد، وكلما تشتد الأزمة تقوى قوى التطرف التي تسيس الدين من الجانبين؛ الشيعي والسني، للأسف، وما يساعد على اتساع قوى التطرف هو المشهد الديني الذي ما عاد أيضا مفرحا، سواء ما يحصل في سوريا وما يحصل في الدول التي أطلق على أحداثها تسمية «الربيع العربي»، وما يحصل في فلسطين من تراجع في عملية السلام. هذه الأمور كلها لها تأثيرها على الوضع العراقي،
فأين ستنتهي؟ وإلى أين ستصل بنا الأمور؟
لا أعرف، لكن ما أعرفه بالمقابل هو أنه ليس هناك نوايا جدية وصادقة لحل الأزمة في العراق من قبل الحكام في العراق، والدليل على ما أذهب إليه هو الإهمال الواضح للمطالب المشروعة للمتظاهرين، وإهمالهم ومحاولة الضغط عليهم بشتى الوسائل وصولا إلى ما حصل في الحويجة، وقبلهم في الفلوجة من استخدام القوة العسكرية وضرب عشوائي استشهد جراءه مواطنون أبرياء كانوا يمارسون حقوقهم الدستورية، حيث كفل الدستور حقهم في التظاهر والتعبير عن الرأي، إذن إلى أين ستقودنا الأمور؟ لا أعرف في الحقيقة في ظل هذا التعقيد في العراق وفي المنطقة، ولا أعتقد أن الانتخابات ستكون هي الحل للأزمات في البلد؛ كون انتخابات مجالس المحافظات التي حصلت أخيرا لم تكن نزيهة ولا صحيحة، ذلك أن قائمتنا (العراقية الوطنية) تكبدت 18 شهيدا، يضاف إليها تعطيل الانتخابات في محافظتين، الأنبار ونينوى، في توجه لتكريس الشق الطائفي، والتوتر اليوم وصل إلى ذروته، وليست هناك استجابة حقيقية للتوجه لإيجاد حلول حقيقية للأزمة، هناك مظاهر مضحكة بإطلاق تصريحات بأنهم سيحلون الأزمة وسنتصالح، أين هي المصالحة؟ هناك أزمة حقيقية وخانقة، وإذا لم تعالج الأمور بشكل جدي فلا يمكن حل المشاكل في البلد
. * تحدثتم عن 18 ضحية لقائمتكم خلال انتخابات مجالس المحافظات، وأكثر من 60 قتلوا في مظاهرات الحويجة على أيدي القوات المسلحة، وقبلهم 8 في الفلوجة، ولم تتم محاسبة أحد سوى أن لجانا تحقيقية تم تشكيلها.. – ليس هناك لجان تحقيقية.. هذا غير صحيح، وإذا كانت هناك لجان تحقيقية ولم تخرج حتى الآن بنتائج فهذا يعني أن هذه اللجان فاشلة وتضحك على المواطنين، لا أكثر ولا أقل، نعم تم اغتيال 6 مرشحين من قائمتنا و12 ناشطا في انتخابات مجالس المحافظات، وآخرهم كان مسؤول حركة الوفاق الوطني في كركوك الشهيد مازن أبو كلل، هذا غير من ذكرتهم من شهداء مظاهرات الحويجة والفلوجة، الكلام حول اللجان التحقيقية متعب ومزعج ومؤلم، في بلد بعد 10 سنوات من تغيير النظام فيه يفترض أن يعيش في سلام وسلم أهلي، وفي ظل قضاء عادل ونزيه، وفي ظل بحبوحة اقتصادية وخدمية في الأقل، حتى الآن هناك أزمات خانقة بالبلد.
* من يتحمل مسؤولية كل هذا؟ هل هناك شراكة في الحكم؟ هل تتحملون كلكم المسؤولية كونكم شركاء في الحكم؟ – لا.. ليس هناك شراكة وطنية ولا غير وطنية، الشراكة في خبر كان، وجرى التآمر عليها منذ اللحظة الأولى بعد الاتفاق عليها، بداية برفض نتائج الانتخابات التشريعية ورفض الاستحقاق الانتخابي والدستوري، وبعد أن تنازل ائتلاف العراقية بعد أكثر من سبعة أشهر عن استحقاقه الانتخابي مقابل شراكة وطنية كاملة وناجزة ووضعت آليات الشراكة وفقرات الاتفاق السياسي، تم الالتفاف على هذه الشراكة والاتفاقات وإجهاضها، وتحول الأمر إلى تفرد باتخاذ القرارات.
* لماذا تنازلتم أصلا عن استحقاقكم الانتخابي؟
ولماذا شاركتم في الحكومة ولم تتحولوا إلى المعارضة منذ البداية؟ – والله كان هذا قراري.. كنت قد قررت واقترحت الانتقال إلى المعارضة بعد أن تنازلنا عن استحقاقنا الانتخابي والالتفاف على اتفاقية أربيل، وكنت واضحا جدا وقلت إما أن يتم تنفيذ اتفاقية أربيل بالكامل، وإما لا يتم تجزئتها، وحصل هذا الكلام داخل ائتلاف العراقية، وقلت لينفذوا الاتفاقية بالكامل ومن ثم نشترك في الحكومة، والأفضل هو أن نبقى في المعارضة داخل مجلس النواب ولا نشارك في الوزارة حتى لا نفقد جماهيرنا ولا نخسر قيمنا التي أكدنا عليها في برنامجنا الانتخابي، وقلت لإخواني في العراقية بأن ائتلاف دولة القانون لن ينفذوا اتفاقية أربيل بالكامل، حيث بدأوا بتجزئتها ويثيرون المشاكل ويضعون العقبات أمام تنفيذها، ولهذا فليس لنا عمل معهم، لكن للأسف بعض الإخوة في «العراقية» كانوا يعتقدون أنه من خلال اشتراكهم بالحكومة، وليس مشاركتهم كشركاء، سوف يحققون بعض التوازن السياسي، وأثبتوا وبشكل قاطع أنهم كانوا على خطأ، وقسم منهم انتهى به الأمر مطاردا من قبل الحكومة، وقسم منهم اليوم يعترفون بخطئهم ويقولون لي لو أننا مشينا على خطى مقترحاتك لكان الوضع أفضل بالنسبة لنا من مشاركتنا بالحكومة وعدم تمكننا من المشاركة باتخاذ القرار ووصلنا إلى هذا الوضع. * كنتم دائما في «العراقية» تؤكدون أن ائتلافكم قوي وقياداتكم موحدة، لكن الآن ظهر عكس ذلك تماما، حيث تشظت قائمتكم منذ البداية وانشطرت في انتخابات مجالس المحافظات إلى ثلاث قوائم: المتحدون بزعامة أسامة النجيفي، والعراقية العربية بزعامة صالح المطلك، والعراقية الوطنية بزعامتكم، ووزراؤكم الذين انسحبوا من الحكومة عادوا إليها بطريقة يعتبرها ناخبوكم غير لائقة؟ – لا هذا غير صحيح.. «العراقية» بالتأكيد قوية.. قوية بمبادئها وبقفزها على الطائفية السياسية وببرامجها الوطنية، وبمشروعها الواضح ببناء الدولة المدنية، لكن بالتأكيد هناك من يسقط أمام المغريات كما هو الحال بأي قائمة أو ائتلاف أو حزب، وإذا تقارن ما حصل في العراقية وفي التحالف الوطني، وكذلك بالتحالف الكردستاني، فلن نجد أن هناك اختلافات كبيرة. لكن الفرق أن «العراقية» كانت منذ البدء مستهدفة، منذ أن وضعت إيران أصبعها على الزناد ووجهت أسلحتها ضدنا، وقالت لن نسمح لـ«العراقية»، ولن نسمح لإياد علاوي بالتقدم أو تشكيل الحكومة، منذ ذلك الحين هناك خطة مستمرة لتدمير ائتلافنا (العراقية)، ولضربها وقمعها وسلبها لحقوقها، ولم تتعرض أي كتلة أو كيان أو حزب سياسي في العراق ولو لجزء بسيط لما تعرضت له العراقية، وصولا إلى اتهام قادة العراقية بشتى الاتهامات، سواء اتهامهم بأنهم إرهابيون، وغيرها، ولم يسلم أي واحد من قادة العراقية من متابعة السلطة له، ولا من ملاحقة إيران له، والذي حصل للعراقية كان مرتبا من قبل السلطات الإيرانية بشكل واضح، حتى إني قلت بأنه إذا كان هناك اعتراض علي من دول مجاورة، فهذا بعد أن قالت إيران إن هناك خطا أحمر على علاوي لتشكيل الحكومة، وبعد فوزنا في الانتخابات قلت إن هناك 90 عضوا غيري في العراقية يمكن أن يكون أي منهم رئيسا للوزراء، عند ذلك حولت إيران القضية مني إلى العراقية، وقالت لا.. الخط الأحمر على كل العراقية، ما يصير أحد منهم رئيسا للوزراء؛ كونهم يشكلون الخط السني، وهذا ليس صحيحا؛ لأن هناك شيعة وسنة وغير مسلمين من العرب والأكراد والتركمان في ائتلافنا، كما أن توجه العراقية وطني ومعادٍ للطائفية السياسية. هناك تجاوز على الواقع عندما يقال إن «العراقية» ضعفت أو تجزأت، لقد شنت، وما تزال، حرب شرسة علينا، لقد تم اتهام نائب رئيس الجمهورية الأخ طارق الهاشمي بأنه إرهابي وأنه يرعى الإرهاب فجأة ومن دون دلائل أو وضوح، كما تم اتهام الأخ رافع العيساوي وهو وزير المالية بهذه التهمة، واتهام الأخ صالح المطلك بأنه بعثي ويروج للبعث، وهؤلاء هم أبرز رموز العراقية، أما أنا فمن محاولات الاغتيال الكثيرة إلى شتى أنواع الاتهامات التي ما أنزل الله بها من سلطان.. هذا غير اغتيال أعضاء وأنصار قائمتنا، فأي قائمة أو كتلة أو حزب سياسي يمكنه الصمود أمام هذه الحرب الشرسة؟ كيف للعراقية أن تصمد أمام قوى عاتية قادمة من خلف الحدود، مثل إيران، وتحاربنا منذ أن شكلنا ائتلافنا، بينما الولايات المتحدة الأميركية وغيرها تسكت ولا تحرك أي ساكن على سلبنا استحقاقنا الانتخابي، وعلى ما نتعرض له من هجوم كبير وصل حد القتل، إذن من المنصف أن نقول قائمتنا قوية؛ لأنها صمدت أمام كل هذه الهجمات، وقوية لأنها ما تزال لها هيئة قيادية متماسكة حتى اليوم، ناهيك بالاغتيالات والاعتقالات والتضييق على الناشطين، لهذا على المنصفين أن لا يبخسوا حق العراقية. نعم هناك من تساقط من قائمتنا، هذا صحيح، وأنا ألوم من سقط ومن تبنى خط الطائفية السياسية الذي نعاديه، بينما يتبنى النظام الحاكم الحالي هذا الخط الخطير الذي باعتقادي يخدم مصالح إيران بامتياز.
* قلتم ليست هناك شراكة حقيقية تحكم العراق.. إذن من يحكم البلد باعتقادكم؛ مجلس الوزراء أم رئيس المجلس؟
– لا أحد يحكم العراق بشكل فعلي.. الشارع في حالة فوضى وانفلات أمني خطير، فلا مجلس وزراء ولا رئيس مجلس وزراء يحكم البلد، مجلس الوزراء متفرغ لملاحقتنا واتهام الرموز الوطنية بالإرهاب، بينما الإرهاب يضرب ويقتل الأبرياء كل يوم. ليس هناك من يحكم بالمعنى الحقيقي للحكم، ليس هناك سياسة خارجية ولا داخلية ولا اقتصادية ولا أمنية، وليس هناك مؤسسات ولا وجود لدولة ناجزة، ولا هناك عملية سياسية كاملة، والدليل القتل اليومي الذي يحدث في الشوارع، وإلا فكيف تفسر الحكومة مقتل أكثر من ألف عراقي خلال شهر واحد بعد 10 سنوات من سقوط نظام صدام حسين؟ وكيف تفسر خروج نصف الشعب العراقي في مظاهرات ولا أحد يستجيب لمطالبهم الشرعية؟ هذا ليس كلاما سهلا.. الأوضاع تتردى باستمرار في البلد، فالعلاقات بين بغداد والمحافظات سيئة، والعلاقة بين المركز وإقليم كردستان في وضع ليس سليما، فمن المسؤول عن كل هذا؟ العراق اليوم أشبه بسفينة بلا ربان وسط بحر هائج وليس فيها أي بوصلة توجهها نحو نقطة معينة.
* أليس هناك من مسؤول عن سوء الأوضاع الأمنية وهذه الاغتيالات والقتل اليومي وعن حادثتي الحويجة والفلوجة؟ أليس هناك من يحاسبه؟
– من يحاسبه؟
* مجلس النواب، البرلمان هو من يحاسب أليس كذلك؟ – البرلمان لا يستطيع أن يحاسب أحدا، يدعي ويطلب ويطالب بحضور أو استدعاء المسؤولين وليس هناك من يستجيب. لنكن واقعيين، البرلمان اليوم منقسم، هناك تكتلات واضحة داخل مجلس النواب، على سبيل المثال اليوم هناك قصة جديدة اسمها قانون تجريم البعث، وهو بمثابة التجديد لاجتثاث البعث، وكتلة دولة القانون (بزعامة نوري المالكي رئيس الوزراء) يقولون لن نحضر اجتماعات المجلس ما لم يتم إدراج قانون تجريم البعث في جلسات عمل المجلس، فرغم جهود الأخ أسامة النجيفي، رئيس مجلس النواب، فإن البرلمان أصبح عاجزا عن تقديم أي إنجازات أو يحل المشاكل؛ إذ لم يستطع التوصل إلى إقرار قانون النفط والغاز، أو توزيع الموارد المالية بشكل عادل على العراقيين، نحن وبعد 10 سنوات ليس عندنا قانون انتخابات ولا قانون أحزاب، ومجلس الوزراء لم يؤسس لسياسة خارجية أو نفطية أو اقتصادية أو أمنية أو عسكرية، بعد 10 سنوات الحكومة تتهم وزراءها بالإرهاب وبالبعث، مثلما حصل مع المطلك الذي اتهم بأنه بعثي وتم حجب الحراسات عنه وحجب رواتب حراساته، ومن ثم تتم إعادته لمنصبه نائبا لرئيس الوزراء.
* بمناسبة ذكر المطلك، أما يزال قياديا في ائتلافكم العراقية ويجتمع معكم؟ – لا أخفيكم سرا.. أنا طلبت من جميع الإخوان في العراقية الانسحاب تماما من الحكومة، ما عاد يليق بنا أن نكون في وزارة ليس لوزرائها أي صلاحيات، ولا في وزارة لا تستطيع أن توفر الأمن والعيش الكريم لشعبها، فلماذا يبقى الوزير في الحكومة؟ هو يصير وزيرا حتى يخدم شعبه، بعكس ذلك يصبح وجوده في الحكومة غير لائق، لكن بعض الإخوة يقولون نحن نبقى في الوزارة عسى ولعله نستطيع أن نعدل بعض الأمور أو نقدم للناس بعض الشيء، وفي اعتقادي أن الأمور لا تتعدل بهذه الطريقة، هناك أزمة حقيقية في العملية السياسية، أزمة وطنية، وما لم تعالج هذه الأزمة جذريا وبصورة شاملة تبنى وفقها مؤسسات الدولة المدنية فليس هناك من أمل.
* لو طلب منكم تقديم مقترحات لحل الأزمة، باعتبارك سياسيا عراقيا ورئيس وزراء سابقا، فماذا ستكون الحلول؟ – الحل يجب أن يمر بمرحلتين، الأولى يجب العمل من أجل الخروج من الأزمة الراهنة، وحلولها واضحة، وهي إزالة الوجود العسكري والدخول بمفاوضات حقيقية مع المتظاهرين، إلغاء بعض القوانين التي يطالب بإلغائها المتظاهرين وهي شرعية، مثل المخبر السري وقانون الإرهاب، ليس هناك قانون للإرهاب هناك قضاء وإجراءات تحقيق قضائية والمذنب يعاقب وفق القوانين النافذة في المحاكم، سواء الإعدام أو السجن، كذلك إطلاق سراح المعتقلين منذ سنوات من دون حاكمة، تسمية وإلقاء القبض على المجرمين الذين ارتكبوا مجزرة الحويجة والفلوجة، هذه إجراءات فورية للخروج من الأزمة الراهنة وترطيب الأجواء السياسية في البلد، هذا فيما يتعلق بموضوع الخروج من الأزمة الحالية، بعدها ننتقل للحل الأمثل وهو التنفيذ الفوري والفعلي لاتفاقية أربيل تمهيدا لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة وناجحة يقرر الشعب العراقي من خلالها من يحكمه، إضافة إلى إيقاف الملاحقات التي يقال إنها قانونية بحق الناس الأبرياء، مثل الهاشمي والعيساوي وغيرهما، لنترك موضوع مناصبهم في الدولة ونتعامل معهم باعتبارهم مواطنين اعتياديين، هل يعرف العيساوي مثلا ما جريمته؟ أو محمد علاوي، وزير الاتصالات المستقيل، ما جريمته؟ أو سنان الشبيبي، محافظ البنك المركزي، ماذا اقترف؟ ما جرائمهم ليقولوا للشعب العراقي ويقدموا الأدلة؟ فما لم تتم معالجة الحالة الحادة مثلما يسمونها بالطب، وإنعاش المريض من أجل الدخول في مرحلة معالجة المرض، وهي مرحلة تحقيق الشراكة الحقيقية تمهيدا لإجراء انتخابات حقيقية، والشعب العراقي يكون هو الحكم ويفوز من يفوز ويخسر من يخسر.
* تتحدثون عن اتفاقية أربيل التي لم تنفذ طوال هذه السنوات الماضية، ولم يتبق الكثير للانتخابات التشريعية المقبلة، وهناك الكثير من السياسيين يعتقدون أن الأمور ستبقى على ما هي عليه حتى الانتخابات المقبلة، ما رأيكم بهذه الطروحات؟ – لا.. كيف ستجري الانتخابات البرلمانية المقبلة في ظل هذه الظروف؟ لقد عشنا أجواء انتخابات مجالس المحافظات وهي انتخابات محلية وليست برلمانية، ورأينا ما حدث من اغتيالات وإرهاب وتهديد واعتقالات ومنع الناس من الوصول إلى مراكز الاقتراع، وأستطيع أن أعدد الكثير من المشاكل التي حدثت خلالها. الشراكة الوطنية الآن وقتها لأنها هي ما ستضمن نجاح الانتخابات البرلمانية المقبلة والشعب العراقي هو من يقرر، وعندما تتم تسمية وزير دفاع ويقابله وزير داخلية ومستشار الأمن الوطني ورئيس مخابرات قبل الانتخابات، هذا ضمان لنجاح ونزاهة الانتخابات، وعندما يتشكل مجلس سياسات عليا ويتم اختيار عضو من ائتلاف العراقية لرئاسته؛ لأنني لن أكون رئيسا لهذا المجلس، وعندما يوضع نظام داخلي لمجلس الوزراء وتتحقق حالة التوازن فلن يستطيع أحد بعد ذلك التلاعب بنتائج الانتخابات أو سيرها، وإذا حدث تلاعب فسيكون بنسبة ضئيلة لا تتجاوز 5 في المائة. هذا هو الوقت المناسب جدا لتنفيذ اتفاقية أربيل، ليس لتحقيق الشراكة في الحكم، بل من أجل ضمان نجاح الانتخابات المقبلة ونزاهتها، وليست شراكة لاتخاذ القرارات، فهذه مسألة فات وقتها.
* إذن لا توجد شراكة وليس هناك دعم للحكومة، وهناك مظاهرات في المحافظات الغربية والشمالية، إذن ما سر قوة رئيس مجلس الوزراء؟ – لا.. هو ليس قويا، ما هي مظاهر القوة؟ مظاهر القوة بهدوء واطمئنان الشارع أمنيا، وباحترام القوى السياسية الأخرى بتطبيق القوانين وبناء مؤسسات الدولة المدنية، وبوجود مجلس وزراء متماسك ويعمل بروح الفريق الواحد، مظاهر القوة بالاستجابة لمطالب المتظاهرين المشروعة. مظاهر القوة ليست بالذبح والقتل والاعتقالات والتهديد، ولا بالانفلات الأمني الحاصل بالعراق، أي مظاهر قوة هذه والعراقي لا يؤمن على نفسه بالشارع، إذا لم تقتله عبوة ناسفة أو سيارة مفخخة فسوف يقتله القناص، وإذا أفلت من القناص فسيقتل بواسطة كاتم الصوت، وليست من مظاهر القوة وجود الميليشيات المسلحة، وهذا يتم على جميع المستويات، وما حدث أخيرا بالهجوم على السيد حازم الأعرجي في مكتبه بالكاظمية خير دليل، فالأعرجي رجل عانى الكثير في عهد نظام صدام حسين، وهو من عائلة عريقة ورجل فاضل، وله موقع متميز، ويتعرض لمثل هذه الحادثة، وغالبية العراقيين يتعرضون يوميا لمحاولات القتل، مظاهر القوة هي أن تكون الدولة، التي ليست موجودة بل عندنا حكومة، وهذه الحكومة يجب أن تمسك الأمن بشكل متين يطمئن المواطن العراقي ويوفر الاستقرار والتوازن، ما نلمسه في البلد ليس مظاهر قوة بقدر ما هو دلائل ضعف. * وماذا عن اللقاء الأخير الذي جمع خلاله عمار الحكيم، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي، المالكي والنجيفي وبقية القوى السياسية؟ – السيد عمار متفضل بهذه المبادرة التي أتمنى لها النجاح، لكن النجاح مقترن بالفعل وليس بالقول، هذا اللقاء الذي أطلق عليه الاجتماع الرمزي هو لتطمين الشارع العراقي لا أكثر ولا أقل، مع أننا مع كل مبادرة طيبة تصب بالاتجاه الصحيح، ونحن لسنا مع الأقوال بل مع الأفعال، نحن مع اتخاذ قرارات واضحة لتهدئة الأمور والاستجابة لمطالب المتظاهرين وفي تحقيق الشراكة ومعاقبة المجرمين، لسنا بحاجة إلى الجلوس والمعانقة والمصافحة، هذا قمنا به سابقا عشرات المرات منذ كنا في المعارضة وما بعدها، والنتيجة دائما هي العودة إلى الوراء لا أكثر ولا أقل.
* هل تتوقعون نتائج إيجابية بعد معانقة النجيفي مع المالكي؟
– القضية ليست قضية أشخاص، بل قضية شعب ووطن والمنطقة والعالم كله متصل بعضه ببعض، وقضية تحقيق مصالح العراقيين، وليست قضية معانقة بين شخصين، هناك مسار يجب أن يتعدل ومن دونه لا قيمة للمصافحة.
* هل دعيتم لهذا اللقاء؟ – نعم اتصل بي السيد عمار الحكيم ودعاني وقال هذا اجتماع رمزي، وقلت له علينا أن لا نعول على هذا الاجتماع أو نبني عليه أوهاما، وكان الاتصال يوم الخميس بينما الاجتماع حصل يوم السبت، وأبلغت السيد الحكيم بصعوبة وصولي خلال يومين؛ لهذا كلفت الأخ حامد المطلك عضو العراقية للحضور وتمثيل ائتلافنا؛ إذ حضر الأخ النجيفي باعتباره رئيسا لمجلس النواب والأخ صالح المطلك حضر باعتباره نائبا لرئيس الوزراء، وتحدثت مع الأخ حامد المطلك فيما بعد، وقال إن المبادرة طيبة لكنها لن تؤدي إلى نتائج حقيقية، وقال في مؤتمر صحافي ببغداد إننا نريد حلولا حقيقية وليس مجرد مصالحة. الموضوع ليس في الحلول السطحية بل بالحلول الجذرية، مثلما يأتيك مريض وتخدعه بقرص أسبرين وتصرفه، بينما هو يحتاج لمعالجة جراحية. هناك أزمة في البلد تحتاج إلى جلوس المسؤولين الحقيقيين لوضع الحلول الناجعة لها. * هل تعتقدون أن الأزمة الراهنة هي بين السنة والشيعة في العراق، وأن الحل يكمن في إجراء صلاة موحدة بين العراقيين؟ – لا.. لا ليست هناك أي أزمة بين العراقيين الشيعة منهم والسنة، الجميع يعرف هذا. الأزمة سياسية وبين سياسيين، لكنهم يريدون أن يظهروها باعتبارها بين السنة والشيعة، والمشكلة الحقيقية أن العملية السياسية بدأت على أسس الطائفية السياسية، وعلى أسس التهميش والإقصاء، وبدأت العملية السياسية على مبدأ تصفية كل من كان مع النظام السابق، بمن فيهم ضباط الجيش العراقي إلا من باع نفسه واصطف ضد الشعب العراقي، وهذه المشكلة جعلت دولا خارجية تدخل في صلب القضية العراقية وتتدخل في الشأن العراقي، ويصير لها شأن مؤثر بالسياسة العراقية، وفي مقدمتها إيران التي وصل بها الأمر إلى أن تضع خطوطا حُمرا على أشخاص وكيانات سياسية. تصور لو أن العراق اليوم يقول هناك خط أحمر على ترشيح أحمدي نجاد لرئاسة الجمهورية، فماذا سيحدث؟ وهل يجوز ذلك؟ إيران تدخلت واستحوذت على القرار السياسي، والقرار السياسي المهم صار بيد إيران في العراق، وسوف تتدخل دول أخرى إذا استمرت الأوضاع بهذا الشكل. أخيرا صرح نائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني قائلا سنضرب إسرائيل إذا حاولت قصف إيران واستخدمت الأجواء العراقية، وهذا معناه أن إسرائيل أصبحت طرفا بالموضوع العراقي ويتيح لها التدخل في الشأن العراقي. * أخيرا هل ستواصلون مهمتكم السياسية؟ أعني هل سترشحون للانتخابات المقبلة؟ – بالتأكيد نحن جئنا لخدمة شعبنا وليس للبحث عن امتيازات شخصية، لا بد من تصحيح مسار الانتخابات وإقرار قانون الانتخابات والأحزاب، ونصر على أن تكون الانتخابات المقبلة شفافة ونزيهة، ليقول الشعب العراقي كلمته من خلال صناديق الاقتراع.