لم أسمعْ أحداً، كان وجهي بارداً، لا يستجيبُ لنداء يأتي من البعيد، لكنني هبطتُ وحيداً، أتبعُ الماء النازل من الجبل، وأفتتُ ورقةً كتبت فيها اسمَ جنديٍّ كان هنا، أحكُّ وجهي بحجرٍ كنته ذات يوم، في الوهاد التي بالكاد تعرفتُ على هوائها، ومن كوّةٍ في ما انخسف تحت قدمي رحت اسمع صليل الحجر وهو يراكم موجه، وهو يرتطم بالماء. لم تغم السماء آنئذٍ، ولم يهبط من السفح طائرٌ أزرق، والشجر الذي كان غابة الأمس تراجع في غصون ثلاثة. أمسِ شهدتُ موتَ ذئب، خرج مستسلماً لضجّة الأطفال في الحديقة، رأيتُ الدمَ مرسلاً تحتَ صدره والأطفال الهلعين. الماء يأخذ بالمسرات بعيداً، ما علق بحجارته منها، وما ظلَّ منها مستكيناً الى حيث يضيقُ الحجرُ بالحجر، ويلتئمُ قوسُ الضجر بخاصرة الوقت، ويبهمان في الخريطة. أحدهم، يقضمُ مباهج الرحلةَ عنك، فاستعنْ بما يتسرمدُ في الأفق من الضوء. كانت البيرة تركيةً على الطاولة، والوقت يمرُّ في قطعة الجبن بطيئاً، مع العلب الطافية، لا يوقفها الاطفال بكاميرات هواتفهم، والثلج مضمراً في الموج كان، يطير في العيون الزرق وينأى. من درجات ثلاث هبط الولدُ، يرمّم حكايةً عن سويعات قبل الغروب، كان طبق السمك بالبصل والطماطم آخر ما قاله عن بائعِه، قال: أعدّه على نارٍ في موقدٍ لم نره، على حطب غابة هجرها ذئبها الوحيد، لكنه ظلَّ يضفي على الطبق مهابة صانعه الأول. كانت الطاولة تستقيمُ كلما أبعد أحدُهم علبةَ البيرة، وكلما انتهرَ المغيبُ الحكايةَ. لم أشأ الانتظارَ فقد يتوقف النهرُ في موجة، أو تغيمُ السماءُ في صورة على الجدار. يأتي سائقُ الباص بالوقت من أعلى الجبل، حيث تحثُّ الشمسُ منسرحَها، ويتنزلُ الماءُ من صفحته البعيدة. في السادسة والنصف، من اليوم السابع، من العام الاخير… وقفتُ على حجر البحيرة، كانت النجوم آخرَ من التحف بالسرو من جهة الضَّجر، ومن فضلة في فم الجبل يطلُّ، معتمراً رأسَه نادلُ الغياب، لذا، أسلمتُ الى الماء يدي، والى عشبةٍ في الجوار سميتها -الكرز نائماً- ما تبقّى من شجن البارحة… تأخر سادنُ الوقت، قالوا: يبلّورُ النَّدى على ورقِ الرصيف، فتأملتهُ وهو يقطعُ غصناً من الثلاثة، وهو يهزمُ ضفدعةً.