العراق جمهورية موز وإن لم يزرعه

العراق جمهورية موز وإن لم يزرعه
آخر تحديث:

بقلم: فاروق يوسف 

ليس في العودة إلى حقيقة أن العراق بلد مخترق عموديا وأفقيا من جديد إلا على من جهة التذكير بأن الكلام عن السيادة الوطنية في العراق هو نوع من الهزل.تملك منظومة الحكم حرية إدارة الدولة داخليا وذلك من أجل ألاّ تتوقف عجلة الحياة العادية ولكنها لا تملك القدرة على اتخاذ قرارات سياسية أو اقتصادية أو حتى من ذلك النوع الذي يُخرج العراق من العلبة الأميركية.عبر أكثر من عشرين سنة شهد العراق فيها قيام حكومات عديدة لم تخرج حكومة واحدة منها عن دائرة الممنوعات. لا خدمات إلا في الحد الأدنى. لا إعمار حقيقيا للبنية التحتية المنهارة. لا جهد مرئيا في مجال تطوير قطاعي الصحة والتعليم. لا زراعة إلا في الحدود الدنيا ولا صناعة بشكل مطلق.ما دمّرته الحروب سيظل ماثلا كما لو أن الحرب لم تنته بعد. وما الميليشيات التي صارت تمسك بقرني الدولة إلا نوع من التذكير بأن الحرب ممكنة في أيّ لحظة ولأتفه الأسباب. هناك حرب مقيمة في أعماق كل عراقي. ذلك هو المطلوب من أجل أن تحظى المقاومة الإسلامية وهي اختراع إيراني بقبول شعبي.

كل ذلك يمكن تفهمه في ظل الحقائق التي فرضها الاحتلال الأميركي الذي استعان بالخبرة الإيرانية في فرض خرائطه على الأرض. وهنا تنبغي الإشارة إلى أن الأميركان من غير الخبرة الإيرانية ما كانت لهم القدرة على إفراغ الروح العراقية من محتواها المتمرد ولما تحققت لهم صورة العراق الضعيف التي يرغبون في الوصول إليها.عداء أنصار إيران للأميركان هو واحدة من أكبر الأكاذيب التي يتم الترويج لها. المقاومة الإسلامية التي تدعو إلى خروج القوات الأميركية من الأراضي العراقية هي كذبة في ظل وجود أكثر من خمسين شركة أمنية تعمل في العراق وبموافقة الحكومة العراقية.

تعمل تلك الشركات الأمنية بالشروط الأميركية فهي معفية من كل جرائمها. يتذكر العراقيون شركة بلاك ووتر بجرائمها البشعة ولكنهم قد لا يعرفون أن تلك الشركة كانت قد عادت إلى العراق من خلال شركات تحمل أسماء مختلفة.ولكن ما الذي تفعله تلك الشركات في العراق؟ إنها تقوم بحماية كبار الشخصيات والسفارات وشركات النفط. ولكن هل تعجز الدولة العراقية عن القيام بذلك وهي تملك أكثر من مليوني منتسب في القوات المسلحة موزعين بين الجيش والأمن إضافة إلى الميليشيات التي هي عبارة عن شركات أمنية تابعة للحرس الثوري الإيراني؟

سؤال من ذلك النوع لا محل له في الجدل. وليس هناك من طرف في العراق يتوجه بذلك السؤال. كما أنه ليست هناك جهة بإمكانها الإجابة عليه. حقيقة أن العراق تم اختراقه وصار ملعبا لأجهزة المخابرات العالمية هي الخيط الوحيد الذي يمكن الإمساك به من غير أن يؤدي ذلك إلى الاطّلاع على التفاصيل. ولكن ما معنى التفاصيل وقد صار ممكنا لأعضاء في مجلس النواب العراقي زيارة إسرائيل من غير أن يُعاقبوا بموجب القانون. قبل ذلك يمكن القول وبيقين كامل إن كل الأحزاب التي تحكم العراق الآن سبق لها بطريقة أو بأخرى وأن ارتبطت بأجهزة استخبارات عالمية وإقليمية. لقد سبق لأياد علاوي أن اعترف بأن الاستخبارات البريطانية كانت تموّل حركته.

في دولة العراق الجديد صار السؤال الوطني مستبعدا. بل إن هناك من يسخر من “الوطنية” كونها من وجهة نظره تنتمي إلى عالم صدام حسين ويُتهم من ينادي بها بالحنين إلى الماضي. في الوقت نفسه لم يعد زعماء الأحزاب والميليشيات يشعرون أنهم في مأمن من النشاط الاستخباري لتلك الشركات ولكنهم لا يملكون القدرة على الاعتراض فهم مجرد أدوات، يخشون أن تقترب الساعة التي سيكونون فيها غير صالحين للاستعمال.

في بلد تتحرك فيه الشركات الأمنية بكل حرية وبشروط تضمن سلامة أفرادها وعدم تعرضهم للعقاب لا بد أن يتذكر المرء جمهوريات الموز في أميركا اللاتينية. تتوجه المقاومة الإسلامية ببطولاتها إلى القواعد الأميركية في الوقت الذي تملك فيه الشركات الامنية القدرة على الانقلاب على النظام السياسي مثلما حدث سابقا في أفريقيا.بهذا المعنى يمكن القول إن العراق بعد أن فقد سيادته الوطنية وصارت حكوماته مجرد واجهات هو بلد يقع على بركان. وما من حل له لكي يرى مستقبله سوى العودة إلى إرادة شعبه. لن يتحرر العراق إلا بإرادة شعبية مستقلة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *