قول الخبر الذي نشرته صحيفة “عُكاظ” أن سكان محافظة سعودية حصلوا على تعويضات مادية جراء انقطاع التيار الكهربائي عن منازلهم خلال فترات بين يومي الجمعة والسبت، وتفيد تلك الأخبار إن مواطني محافظة “شرورة” جنوب المملكة تلّقوا رسائل هاتفية تفيد بحصولهم على تعويض مادي مع اعتذار شركة الكهرباء عن الانقطاع يوم الجمعة السادس من محرم الموافق 12 يوليو 2024 وحسب تلك الرسالة النصية فقد حصل المشترك على تعويض يقدر بـ2000 ريال أي ما يعادل 533 دولارا أميركيا.
انتهى الخبر ومعه الأزمة بنهاية سعيدة لشعوب تعيش في جغرافية تحكمها نُخب تحترم شعوبها وتهتم بمصالحها.لا أدري كم من التعويض يحتاج العراقيون جراء انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من عقدين عن منازلهم رغم كل تلك الموازنات الانفجارية والدعم الدولي؟ كم تحتاج الحكومات التي تعاقبت لأكثر من خمس دورات على حكم الشعب العراقي، وهي بالمناسبة نفس الوجوه مع تغيير في العناوين الوظيفية، أن تنفق أو تعوض العراقيين عن ساعات الانقطاع التام للكهرباء في أوقات القيظ الذي تتخطى درجة حرارته الخمسين؟
في عراقنا المنهوب يقف أيّ تفسير أو تحليل وحتى تبرير عاجزاً أمام ما يحدث في العراق، فأزمة الكهرباء مستمرة في بلد يُصنّف من أغنى بلدان العالم.يتندّر العراقيون بنكتة مُبكية حين أعلنت حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي عن اتفاق مع لبنان من أجل إنارة ليالي بيروت الغارقة في الظلام من الوقود العراقي مقابل التفاح اللبناني، اتفاق ظل ساري المفعول رغم انتهاء ولاية الكاظمي، ولغز يصعب فهمه من خلال بواخر تجهيز الوقود العراقي دون أيّ مقابل من لبنان مما يعزز وجود فرضية ضغوط إقليمية لاستمرار الاتفاقية.
تصوّروا أن العراق يحل مشكلة الكهرباء في لبنان في ما يعجز عن حل مشاكله الكهربائية.يسخر العراقيون من واقع يسوده الظلام حين يتذكرون أن نفطهم يُنير ليالي لبنان في ما يستورد بلدهم الغاز من إيران لتشغيل محطاتهم الكهربائية.تبرّر النُخب الحاكمة الفشل الكهربائي بوجود ضغوط أميركية لمنع العراق من بناء منظومة كهربائية مستقرة، هل يقتنع الجمهور بهذه الحجج وهو يعلم أن أميركا تحمي النظام السياسي الذي قد تطيح به شرارة الاحتجاجات من سوء الخدمات التي يشهدها العراق في مدنه المنكوبة؟ وكم من المعيب والمُخجل أن تتحدث السلطة عن فشلها تحت مبررات بعناوين ورقة ضغط سياسية تستغلها أميركا لإخضاع العراق وجرّه إلى محورها؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا يجلسون على كراسي الحكم ويحكمون باسم السيادة الوطنية؟
في عام 2022 نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية مقالاً واصفة الأمر بـ”الحقيقة السخيفة” المتمثلة بأن سادس أكبر منتج للنفط في العالم ما يزال يعاني من نقص الوقود وانقطاع التيار الكهربائي وهو مضطر لدفع “الفواتير الابتزازية” المفروضة من قبل طهران، وأشار المقال إلى أن الحلول متاحة بسهولة لكن الميليشيات التي تجوب البلاد والفساد المستشري يعرقلان سبلها فضلاً عن الصراع السياسي، ما يؤكد واقعاً مراً باستمرار أزمة الكهرباء التي تراوح في فشلها رغم تعاقب الحكومات.الكهرباء في العراق ملف شائك، أو هكذا يُراد له أن يكون، لتعطيل الحياة اليومية في هذا البلد وجعل شعبه مدجّنا لا يرى من مقومات حياته سوى الأكل والنوم، شعب يُراد له من أطراف خارجية وداخلية أن يبقى مستسلماً للأمر الواقع، أو الاقتناع بأن الوضع سيبقى على ما هو عليه دون تغيير، لكن إلى متى؟