لا تنتصر شبكات المخدرات في مكان ما حتى تكون قد هيأت نفسها للتمدد خارجه لتتسع خرائطها ومن ثم تكبر أرباحها. وإذا ما كانت السلطات الأمنية في المملكة العربية السعودية قد نجحت في إجهاض الكثير من محاولات تهريب المخدرات إلى الأراضي السعودية غير أن ذلك لا يعني أن الطريقة التي اعتمدت للتهريب وتم اكتشافها هي الطريقة الوحيدة التي اخترعها المهربون من أجل الترويج لبضاعتهم.
ما صار مفضوحا أن المنطقة هي خزان هائل لإنتاج أنواع بعينها من السموم. غير أن إنتاج تلك السموم شيء وتصديرها شيء آخر. قبل احتلال العراق، يوم كان هناك قانون يهب القضاء حق الحكم بالإعدام على المتاجرين بالمخدرات لم يكن العراقيون يعرفون شيئا عنها على الإطلاق. كان العراق نظيفا من المخدرات. الأبعد من ذلك أنه لم يكن في الإمكان تحويله إلى ممر لتهريب المخدرات إلى السعودية ودول الخليج.
تغييب الشباب العراقي عن الوعي غاية بالنسبة إلى أطراف عديدة من ضمنها الطبقة السياسية الحاكمة في العراق. ما يحدث في العراق يؤكد أن الوضع هناك بات خطيرا،لو لم تقم الولايات المتحدة بغزو العراق وتفتح حدوده للميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني لما تحوّل إلى سوق لبيع المخدرات وإلى طريق تمر من خلاله الشاحنات التي تنقلها من لبنان وسوريا وإيران. لقد تكامل اقتصاد البلدان الثلاثة من خلال انضمام العراق إليها. سخرية تنطوي على الحقيقة. لم يكن صادما أن شبكات تهريب المخدرات هي جزء من الجهاز المؤسساتي الإيراني الذي يدير عمل حزب الله في لبنان والميليشيات في العراق وسوريا.
كانت السلطات التشريعية في العراق قد مهّدت لانتشار المخدرات من خلال قانون منع تداول الخمور والمتاجرة بها. وهو قانون وإن لم يطبق بصرامة غير أنه كان جاهزا للاستعمال في حال احتاجت الميليشيات إلى تطبيقه. ذلك ما حدث في الكثير من الحالات وفي مناطق مختلفة. ليست الخبرة التي تحدث عنها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مؤخرا في مؤتمر إقليمي لمكافحة المخدرات إلا خلاصة لتلك التجربة.
دخل العراق بعد احتلاله في الدائرة التي تسمح بتداول المخدرات علنا والترويج لها تجاريا وتهريبها إلى الدول المجاورة. بالتأكيد كانت هناك عصابات تولت مهمة بيع المخدرات داخليا وتصديرها إلى الخارج أو على الأقل تأمين حمايتها داخل الحدود العراقية وليس من المستبعد أن تكون شركات أمنية إيرانية هي التي أمّنت تلك الحماية. فالعراق بلد مخترق وليس من الصادم أن يعثر المرء في طريقه على حواجز لا يتحدث أفرادها العربية.
ما قاله محمد شياع السوداني حقيقي وواقعي. فالعراق يملك خبرة في ما يتعلق بالمخدرات ولكن ليس في مكافحتها والحد من انتشارها بل في نشرها والترويج لها وتصديرها وتيسير عمل شبكاتها. هل كان السوداني يسخر من الآخرين من موقع العارف بحقيقة ما يجري. فلا شيء يحدث في العراق يقع خارج دائرة المخطط الأميركي الذي وجد مصمموه في الرعاية الإيرانية خير وسيلة لتنفيذه.
الحكومة العراقية لم تر في انتشار تناول المخدرات شيئا خطيرا بل إنها لم تفكر في الموضوع أصلا، تغييب الشباب العراقي عن الوعي غاية بالنسبة إلى أطراف عديدة من ضمنها الطبقة السياسية الحاكمة في العراق. ما يحدث في العراق يؤكد أن الوضع هناك بات خطيرا. فالمخدرات تُباع بطريقة علنية وما من أيّ إجراء حكومي للحد من انتشارها إضافة إلى أن المرجعيات الدينية التي صارت سلطة فوق السلطات لا تُحرّم تناولها كما هو حالها مع الخمور. وما دام الأمر يخدم الجمهورية الإسلامية في إيران فإنه مسموح به تأكيدا لمبدأ الدفاع عن المذهب.
ولأن السوداني هو واحد من جنود الولي الفقيه، فكل تصريحاته تقول ذلك وإنه يضع خبرته السلبية في خدمة الإقليم بل وفي خدمة العالم. تلك حكاية إيرانية تعيدنا إلى أيام حسن الصبّاح. أما كان على السوداني أن يدرك أنه يمثل دور البطل السلبي في حكاية سبق للعالم أن تسلى بتفاصيلها؟ ولكن الرجل يجهل وهو يرى في جهله نعمة، ذلك لأن ذلك الجهل هو الذي أوصله إلى منصب رئيس وزراء وهو الذي كان يتمنى أن يعيّن مهندسا زراعيا في ميسان.
ربما اعتقد البعض أن السوداني يشير إلى الحل الأمني وهو اعتقاد خاطئ. فالحكومة العراقية لم تر في انتشار تناول المخدرات شيئا خطيرا بل إنها لم تفكر في الموضوع أصلا. لقد كان الرجل صادقا في ما قال “نحن أصحاب تجربة”. تلك التجربة يعثر عليها المرء في المقاهي وعلى أرصفة الشوارع في المناطق التي تمكّن منها الفقر والحرمان والجهل. لقد وهبت المخدرات العراقيين خبرة جديدة.