لو كان للرد الإيراني على اغتيال إسماعيل هنية نفع للقضية الفلسطينية لكنت أول المرحبين به. ولكن إيران إن فعلت وهي لن تفعل فستثأر لنفسها بطريقة ممسرحة.ما الذي يعنيه زعيم حماس بالنسبة إلى إيران؟ لا شيء. لديها الكثيرون منه. هنية كان تابعا وهو أمر مؤسف. وإيران لا تضحي بنفسها من أجل أتباعها.كان قاسم سليماني أهم بكثير من إسماعيل هنية. كان إيرانيا وهو يد الولي الفقيه في المنطقة. لم ترد إيران على مقتله إلا بطريقة متفق عليها مع الولايات المتحدة.يضلل أتباع إيران أنفسهم حين يصدقون أنها ستنتقم لمقتل ضيف لديها. تلك فكرة لا أساس لها في العقل السياسي الإيراني. ليست إيران مستعدة للتضحية بنظامها من أجل أن تثبت أنها دولة ذات سيادة وهي تعرف أن تلك السيادة قابلة للزوال إذا ما تورطت في نزاع هو أكبر منها.إيران تستعمر لبنان مثلما هي تستعمر اليمن والعراق. ومن المؤكد أن الحفاظ على ذلك الاستعمار أهم من الثأر لمقتل الفلسطيني إسماعيل هنية
حين نجحت إيران في تشكيل منظومة عسكرية خارجية تتألف من مجموعة الميليشيات التابعة للحرس الثوري كان دافعها الأساس يكمن في حماية أمنها القومي، فبدلا من أن تقاتل بشكل مباشر تدفع بتلك الميليشيات للقتال نيابة عنها، وبدلا من أن تقع الحرب على أراضيها تجعلها تقع على أراضي الآخرين الذين تخلوا عن أوطانهم وشعوبهم.المقاومة الإسلامية بالمفهوم السياسي الإيراني هي كتلة بشرية تدافع عن أمن الجمهورية الإسلامية وتدفع عنها الضرر. فلا حزب الله يدافع عن لبنان ولا الحشد الشعبي معني بالدفاع عن العراق ولا الحوثيون يعتدون على السفن دفاعا عن اليمن. ومَن يشك في ذلك يمكنه العودة إلى تصريحات زعماء الميليشيات الصريحة والعلنية في انحيازها إلى إيران ضد العرب.
لا تنعم الميليشيات بحرية الموقف والقرار بعيدا عن الرأي الإيراني. مقاتلوها هم جنود الإمام خامنئي. ذلك ما كرره حسن نصرالله مرات ومرات. إذاً لماذا تكلف إيران نفسها مشقة الرد على العدوان الإسرائيلي إذا كانت تملك مثل تلك الحشود البشرية التي تتلقى الأوامر منها من غير أن يكلفها الأمر ما لا تحمد عقباه؟ولكن الانقضاض على إسرائيل انطلاقا من مبدأ وحدة الساحات لا يمكن أن يؤدي إلى نتائج إيجابية إلا على مستوى الدعاية الشعبوية.
في إمكان ميليشيات من الحشد الشعبي أن تزعج الولايات المتحدة من خلال استهداف محيط قواعدها العسكرية في العراق. غير أن تهديدا أميركيا واحدا بالرد كفيل بهروب زعماء الميليشيات إلى إيران. كما أن أجزاء كثيرة من تلك الميليشيات إنما تتألف من العاطلين عن العمل الذين وجدوا في الالتحاق بالميليشيات فرصة لدفع غائلة الفقر عن عوائلهم وهم ليسوا مستعدين للموت بطريقة مجانية.الانقضاض على إسرائيل انطلاقا من مبدأ وحدة الساحات لا يمكن أن يؤدي إلى نتائج إيجابية إلا على مستوى الدعاية الشعبوية
تعرف إيران أن العراقيين سيخذلونها. فهي لا تثق بهم مهما غالى أتباعها في ولائهم لها ومحوا أي أثر وطني عن مواقفهم ولغتهم. لم ينس العراقيون حرب الثماني سنوات ولم ينسوا أنها غدرت بهم عام 1991 بعد حرب تحرير الكويت، ولن ينسوا أن لها اليد الطولى في تدمير بلادهم حين تعاونت مع القوات الأميركية الغازية.وحين يُقال إن إيران تبحث عن ثغرة ليكون ردها قاسيا فذلك معناه البحث عن إمكانية ألاّ يكون ردها من خلال حزب الله سببا في إنهاء وجودها في لبنان. تلك نقطة حرجة ينبغي التفكير فيها قبل اتخاذ أيّ قرار. فحزب الله بكل ما صار يملكه من قدرات عسكرية هي أكبر من لبنان وحاجته هو عبارة عن قاعدة عسكرية إيرانية وليس مجرد ميليشيا. كل ما تملكه إيران من سلاح صار بين أيدي مقاتلي حزب الله. وما أنفقته على حزب الله يفوق ما أنفقته على معسكراتها. حزب الله هو إيران صغيرة على أرض لبنان.
ليس لدى حزب الله مانع في أن يقوم بالدور الذي وُجد من أجله غير أن أشد ما تخشاه إيران أن يكون رد الفعل الإسرائيلي صاعقا بما لا ينفع معه الندم. تخشى إيران على مكتسباتها عبر الأربعين سنة الماضية. تخشى أن تفقد كل شيء نتيجة اندفاعها وراء الثأر. وهي بالرغم من شعورها بالحرج ترى أنها غير مضطرة للقيام بفعل يهدد أمنها الذي يتجاوز حدودها الدولية إلى مستعمراتها.إيران تستعمر لبنان مثلما هي تستعمر اليمن والعراق. ومن المؤكد أن الحفاظ على ذلك الاستعمار أهم من الثأر لمقتل الفلسطيني إسماعيل هنية. لقد قُتل أكثر من مئة ألف فلسطيني في غزة دفاعا عن إيران التي لم تقل إنها ستثأر لهم.وبغض النظر عمّا يأمله أتباع إيران بأن ردها سيكون انتصارا عظيما فإنها لن تُجرّ إلى لعبة الموت التي اخترعتها للآخرين.