وصايا منتحلة باسم السيستاني

آخر تحديث:

بقلم: فاروق يوسف

أما لماذا لم يطلق علي السيستاني من أجل نصرة حزب الله فتوى شبيهة بتلك التي أطلقها عام 2014 من أجل التصدي لزحف داعش والتي حملت عنوان “الجهاد الكفائي” فلأنه يخشى أن تدخل الميليشيات الولائية حربا ضد خصم يتمتع بالقدرات التقنية التي تؤهله للقضاء عليها وهو ما يعني أن إيران ستفقد ذراعها القتالية الحامية لمصالحها في العراق، وهي مصالح ينبغي عدم التضحية بها مهما كان حجم الثمن الذي يدفعه حزب الله في لبنان.طبعا ما يُنسب إلى السيستاني قد يكون من اختراع مكتبه. فالرجل الذي يبلغ الرابعة والتسعين من عمره بكل ما عُرف عنه من ميل للعزلة، حاله في ذلك حال جميع رجال الدين لا يُتوقع أن يكون مطلعا على الأحداث السياسية أولا بأول. وليس مطلوبا منه القيام بذلك. في كل الأحوال فإن السياسة ليست جزءا من عمله كما أن سلطته آخروية وليست دنيوية أو أنها دنيوية بما يجعل الآخرة مريحة. ذلك هو أساس التقليد في المذهب الشيعي.

أما أن تكون للمرجع الديني وجهة نظر في شؤون السياسة ويستعمل سلطته الدينية من أجل فرض وجهة النظر تلك على مقلديه فهو اختراع تم الإعلان عنه بعد الاحتلال الأميركي. سيقال إن السيد محسن الحكيم كان قد أفتى بأن الشيوعية كفر وإلحاد. تلك فتوى لم تغادر إطارها الديني. أما أن يفتي المرجع الديني بلزوم المشاركة في الاستفتاء على الدستور الجديد والانتخابات التشريعية بعد أن كان قد أفتى بتحريم قتال المحتل، كونه جاء محررا فإن ذلك يعني أن السيستاني قد غادر موقعه الديني ليكون جزءا من الحياة الدنيوية التي ينبغي أن يكون قد أعطاها ظهره.

كل شيء يمكن توقع حدوثه في عالمنا الذي يغلب عليه الزيف. عبر العشرين سنة الماضية تم استعمال اسم السيستاني في قضايا أشك في أنه كان على دراية بها. لقد تحول إلى ما يشبه الدمية المقدسة التي تقول كلاما لا يتناسب مع مكانته

لقد تحولت مرجعية السيستاني إلى ما يشبه المزحة الثقيلة بسبب الخداع السياسي الذي صار يُستعمل في مناسبات لم تكن لها علاقة بها. كأن يزوره أحد وزراء الكهرباء من أجل أن يُبارك عمله. تلك كذبة ما كان من الممكن الترويج لها لولا أن المرجع الأعلى قد تم استعماله في مناسبات عديدة بطريقة لا تليق بمكانته. لقد زارته ممثلة الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة من غير أن تؤكد أنه قال كلمة. هل كان مطلوبا منه أن يقول شيئا وهو الذي لا يعرف شيئا عما يدور حوله؟ من المؤكد أن مكتبه تكفل بكل شيء.

ما قيل عن فتوى السيستاني التي تتعلق بحرب لبنان هو مرآة للموقف الإيراني. دعا الرجل الذي لا أظن أن أحدا يقلده في لبنان العراقيين إلى أن يغيثوا إخوتهم بالغذاء والدواء وإيوائهم من غير أن يدعو الحشد الشعبي وهو الجناح العراقي للمقاومة الإسلامية التي تديرها إيران إلى المساهمة في القتال انطلاقا من مبدأ وحدة الساحات الذي تخلت عنه إيران مؤقتا.

لا أعتقد أن الجانب الإنساني الذي تنطوي عليه تلك الدعوة يحتاج إلى فتوى دينية. فبغض النظر عن طائفة الجهة المتضررة من العدوان الإسرائيلي فإن لبنان كونه بلدا صغيرا ويعيش أزمات متلاحقة، بعضها يتعلق بلقمة العيش لا يقوى شعبه على مواجهة تداعيات حرب جديدة. وهو ما يفرض على العرب، كل العرب أن يمدوا يد العون إليه. ذلك لأن مأساته ليست حكرا على طائفة دون سواها.

غير أن من أصدر فتوى السيستاني أراد من خلالها رسم خارطة طائفية لمسألة هي في حقيقتها ذات بعد إنساني. وهي خارطة يمكن اعتبارها امتدادا لمسعى إيران في تشكيل جبهة شيعية في مواجهة العالم الإسلامي. فالسيستاني لم يسبق له مثلا أن أصدر فتوى تحث العراقيين على مد يد العون للسوريين الذين تعتبر مأساة تشردهم وتهجريهم من مدنهم واحدة من أكبر مآسي القرن العشرين. كما أنه لم يقل كلمة في ما يتعلق بالنازحين العراقيين الذين حرمهم الحشد الشعبي من العودة إلى بيوتهم. أما المعتقلون الذين غيبهم نظام الميليشيات الحاكم في العراق في سجونه وهم بعشرات الآلاف بينهم نساء وأطفال فإنهم لم يثقلوا ضميره.

كل شيء يمكن توقع حدوثه في عالمنا الذي يغلب عليه الزيف. عبر العشرين سنة الماضية تم استعمال اسم السيستاني في قضايا أشك في أنه كان على دراية بها. لقد تحول إلى ما يشبه الدمية المقدسة التي تقول كلاما لا يتناسب مع مكانته. في كل الأحوال فإن المليارات التي تحصل عليها مؤسسة المرجعية تستحق أن يُضحى بالرجل الصامت الذاهب إلى الموت.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *