حين نربط بين ما يجري في مصر من ردة وتمرد على الشرعية وانقلاب على المبادئ الديمقراطية، على الرغم من حرية التعبير المطلقة التي أتيحت لكل فئات الشعب بعد سقوط نظام مبارك، وعدم وجود تعسف وقهر أو ضغوط سياسية تثير المعارضين، وبين ما يحصل في كل من تونس وليبيا واليمن من مشاهد العنف والتوتر وعدم الاستقرار، وما نراه من مشاهد الاحتجاج في تركيا وتظاهرات أجمعت عليها القوى التي فشلت في الانتخابات ولم يسبق أن اجتمعت أو اتفقت على رؤية موحدة من قبل كما تجتمع اليوم، وكلها تطالب بسقوط حكومات ورؤساء منتخبين، فإن هذا التوافق على التمرد اللاشرعي يثير في النفس الريبة ويبعث على التدبر، ويدعو للبحث عن القواسم المشتركة التي تجمع بين هذه الأطراف وتبرر وجود هذه الظاهرة الغريبة غير المسبوقة؟.
المتظاهرون كما يبدو لا ينشدون لبلادهم الاستقرار بدليل أنهم من يعكر صفوه ويوتر الأجواء بتظاهراتهم ومشاهد احتجاجاتهم التي تتبادلها وسائل الاتصال العالمية بقلق كونها تفسح المجال لحالات عنف وخروج على القانون تسيء إلى سمعة البلد واستقراره. وهم لا يطالبون بالحرية التي كانت مفقودة ووفرتها لهم الثورات بل يستغلون هذه الأجواء أسوأ وأبشع استغلال يسيء إلى الحريات، وهم لا يبحثون عن توفير لقمة العيش كما يعلنون وإنما ينشدون الكرامة كما يزعمون، ولا أعتقد أن دولة استطاعت توفير الرفاهية الاقتصادية لمواطنيها كما وفرتها حكومة أردوغان، فلماذا إذن يشاع هذا الجو من التمرد والردة على نظم كانت حلما ومطلبا شعبيا وتحقق.
إن كل المعطيات التي بين أيدينا توحي بأن الفشل في إدارة دفة البلاد والسياسة الداخلية ليست هي العنصر الحاسم في تفجير الشارع بالتظاهرات المنادية بسقوط رؤساء انتخبهم الشعب بإجراءات نزيهة لم تشوبها شوائب التزوير، فالنجاح الاقتصادي والسياسي الذي حققه اردوغان في تركيا لا يرقى إليه نجاح، وحرية التعبير في مصر لم تكن موجودة حتى في الدول ذات الأنظمة الحرة، فلماذا يطالب المتظاهرون برحيل هذه الأنظمة؟ وعليه يجب البحث عن قاسم مشترك يجمع بين محاولات تمرد المتظاهرين على حكومات شرعية منتخبة بنزاهة باعتراف الأصدقاء والأعداء في الداخل والخارج.
وبالبحث عن الحقيقة المغيبة إن هذه الأنظمة المنتخبة جميعها ذات اتجاه وطابع إسلامي تلبي جزءا من الطموح العربي بإحياء التراث والتمسك بقيم الأمة الأصيلة وثوابتها وهو ما يغيض القوى الكبرى التي لا يروق لها هذا النمط من الحكم الذي يهيئ الأمة لخوض معركة المصير مع إسرائيل مستقبلا، واستعادة شيء من الأمجاد المفقودة، خاصة في مصر وتركيا اللتين تجاوزتا خطوط الغرب الحمر في الوقوف أمام المخططات الإسرائيلية ومقاومتها، فحرضت القوى الكبرى عملاءها من اللبراليين المتثقفين بثقافة التغريب لمقاومة المشروع العربي الإسلامي، تحت أغطية عدة ومدتهم بالمال وفتحت أمامهم أبواق الإعلام المأجور الذي دأب على قلب الحقائق وتشويهها. وهو جزء مكمل ومتمم للمخطط العالمي الذي مرر في العراق ويجري تمريره في سوريا التي تذبح وتستنزف بشريا واجتماعيا وعمرانيا واقتصاديا بكل الأسلحة الخفيفة والثقيلة، التقليدية والكيماوية والمحرمة، على مرأى ومسمع العالم على مدى سنتين ولا بارقة أمل في إيقاف الظلم ومحاسبة القتلة على ما اقترفوا من جرائم بحق الإنسانية.
إن قوى الاستعمار العالمي الجديد الذي أغاضه الإطاحة بالحكام من عملائه التقليدين بثورات الربيع العربي أراد استعادة مواقعه ثانية، صحيح أن رؤوس الأنظمة العميلة تدحرجت ولكن قواعده وفلوله والبدائل جاهزة للضخ بها إلى الساحة ثانية، من يكون البرادعي الذي تصدر مشهد المعارضة في مصر غير الابن الروحي لحسني مبارك وقد ولد وتربى في أحضان الغرب وعلى موائده وهل كان يسمح العالم لعربي أن يرأس اخطر منظمة عالمية للطاقة الذرية لو لم يكن مستعدا لخدمة مصالح أسياده، ألم يمهد البرادعي لاحتلال العراق، هذا الاحتلال الذي بات يهدد الوجود العربي ويمهد لإيران العنصرية الطائفية بالتغلغل في مفاصله وإحكام سيطرته، خدمة لمصالح القوى الكبرى وربيبتهم إسرائيل، ومن يكون عمر وموسى غير الابن البكر لحسني مبارك الذي مهد لحصار العراق سنين طوال تمهيدا لاحتلاله تنفيذا لإستراتيجية الغرب.
باحتلال العراق وإخراجه من دائرة الخندق العربي ورميه في أحضان إيران الصفوية الحاقدة على كل ما هو عربي، والسكوت على جرائم الأسد وعصابات حزب الله وميليشيات فيالق الحرس الثوري الإيراني بتصفية القوى العربية والإسلامية في سوريا خدمة للأطماع الصهيونية والصفوية، هو جزء من المخطط الكبير للقضاء على الوجود العربي والإسلامي ومقدمة لمخطط كبير لتمزيق الأمة وتقسيمها، بدأ بالعراق وسوريا ليمر بمصر القلب الرابط بين جناحي الأمة المحيط والخليج، بثقلها وموقعها وقواها البشرية والعلمية والاقتصادية وينتهي بالجزيرة والخليج، فهل يفطن العرب ويقفوا بوجه الطوفان القادم؟.