ما يجري في العراق وسوريا لا مثيل ولا نظير ولا شبيه له، لم يفعله المغول بقيادة هولاكو، ولا تيمورلنك بعده، ولا الصهاينة بفلسطين، ولا نيرون بحريق روما، ولم يفعله الأميركيان بالهنود الحمر سكان أميركيا الأصليون، ولا باليابان حينما ألقوا قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما، وناجازاكي عام 1945مـ، وانتهت الحرب العالمية الثانية باستسلام اليابان بلا قيد ولا شرط لهول الفاجعة، وسقوط 160 ألف قتيل، و80 ألف جريح ومعاق خلال ثلاثة أيام، ودمرت المدينتان، ومضت سنون وستمضي قرون والعالم لن ينسى هذه الجرائم، وستبقى وصمة العار في جبين الإنسانية.
ما سقط في العراق بعد الاحتلال وإبان حكم المالكي، وخلال حكم آل الأسد لسوريا من ضحايا قتلى وجرحى وتدمير يفوق ما وقع في اليابان التي ضربت بقنبلتين ذريتين، وشرد العنف من سكان العراق وسوريا داخلهما وخارجهما أكثر مما شردت الحرب العالمية، ونكب اليابان بتدمير مدينتين أما في سوريا فلم تبق مدينة ولا قرية في الأرياف أو الحواضر لم يصبها ما أصاب هيروشيما وناجازاكي حيا بحي وشارعا بشارع وبيتا ببيت. واستمرت خسائر التدمير في البلدين فترة أطول مما استغرقته الحرب العالمية، وفي ظل الانقسام الدولي وعجزه، وتردي أوضاع العالمين العربي والإسلامي، سيبقي نزف الدم يتدفق بغزارة، ومعدلات الهجرة تتصاعد وسرطان تحطيم قيم المجتمع ومثله الإنسانية والدينية والقومية يستفحل، ومعاول التدمير تطول المرافق الصحية والتعليمية والخدمات والطرق وأسس البنيتين التحتية والفوقية، ولا بارقة أمل ولا ضوء في وسط النفق أو آخره تنبئ بإمكان التوصل إلى حلول تنهي المأساة الكارثية.
لا احد ينكر أن من يحكم العراق منذ عشر سنوات هم الإخوة الشيعة من العرب والأكراد والتركمان، فهم من تعاونوا مع الأميركيان وبنوا معهم صداقة، وقدموا للاحتلال ما بوسعهم من مساعدات بذريعة التخلص من النظام البعثي السابق، وكما يزعمون أنهم أكثر من تضرروا منه، وهم أولى من غيرهم بحكم البلد كونهم سعوا في إسقاط النظام، وأنهم الأغلبية كما يقولون وكما تفرز نتائج الانتخابات، ويحظون بدعم الجارة القوية إيران، وأن السنة حكموا ما يقرب من قرن ولم ينجحوا في حكمهم، ولا نريد الآن مناقشة كل هذه الادعاءات ولنسلم بما يدعون ويزعمون جدلا، فهم على كل حال عراقيون، ولا فرق لدينا أن يحكم العراق هم أم غيرهم بالموازين الوطنية والقومية. لكن من المؤكد أن حكومة العراق حكومة شيعية يقودها حزب الدعوة بزعامة المالكي الذي اعترف انه شيعي أولا، وثانيا ما كان ليحكم يوما واحدا لو تخلت عن إسناده الكتل الشيعية في البرلمان.
وفي سوريا يحكم حافظ الأسد وابنه منذ نصف قرن، وقد قام بصفته وزير الدفاع بتسريح أربعمئة ضابط سني عربي من الجيش بحجة أنه يخشى منهم على حكم حزب البعث الذي استلم الحكم في سوريا والأسد عضو قيادي مستنفذ فيه، ثم انقلب الأسد على قيادة الحزب في سبعينيات القرن الماضي، واعتلى كرسي الرئاسة تحت شعارات قومية زائفة، وتمترس بالطائفة العلوية وهي فرقة من فرق الشيعة، وقد احتضنته إيران واحتضنها بعد نجاح الثورة الإسلامية الخمينية وسيطرتها على إيران، وصار قطبا من أقطاب إستراتيجيتها السياسية والاقتصادية والمذهبية، ولا احد ينكر ذلك في ضوء موقف الطائفة الشيعية الداعم للنظام السوري أينما كانوا في العالم الإسلامي وحرصهم على الحفاظ عليه.
لا أريد المغالاة، فشهادتي مجروحة كوني لست شيعيا ولذلك، لا أحبذ الذهاب أكثر مما ذهب إليه السيد مقتدى الصدر زعيم اكبر فصيل عراقي شيعي بكلمة عتب وجهها في مؤتمر صحافي بمدينة النجف بشر فيها المالكي بربيع عراقي قادم، وتساءل أين حكم المالكي من توجيهات المرجعية، وكيف استشرى بظل حكمه الفساد والظلم والتفجير والقتل والاعتقال والتعذيب وتدمير العراق وتقسيمه وانهيار الأمن وإهدار كرامة الإنسان وانتهاك حقوقه، وطرح أسئلة كثيرة مفصلة في مؤتمره الصحافي المسجل على اليوتوب، وتحدث عن مآس لم يشهد العالم مثلها قديما وحديثا، وأدان الحجة على الأمين في لبنان تصرفات حزب الله وحكومة الأسد مما يجعل من العار على الشيعة أن يستظل بفيئهم أكثر نظامين فاسدين مستبدين فاشلين جارا على شعوبهم في العالم، جاروا الصفويين أعداء العروبة وهم من ينسبون أنفسهم إلى آل البيت العرب الخلص، ويظلمون الناس وهم أكثر من رفع شعار المظلومية.
ولا يسعنا إلا التساؤل، أما آن الأوان للشيعة أن يبرؤوا من حكومة المالكي والأسد معا، ويرفعوا عنهما الغطاء الشيعي بعد أن طالت جرائمهما البشر والطير والشجر والحجر، ولن يضر الشيعة أن يستبدلوا دول الظل وحرق القانون بمن يتوسم فيهم الكفاءة والعدل، وهو ما سيجب سوء الظن بشيعة أهل البيت ويرفع عنهم المسؤولية والعار؟.