العراق بلد عظيم حضاريا لاخلاف في ذلك لكن القدم الحضاري لايكون ميزة دائمة حين ينفصل عن الواقع ،فماقيمة المدن القديمة التي تحسب عمرانا تاريخيا مقدسا عندما تعمل فيها يد التغيير السياسي فيتحول المعلم الحضاري الى نوع التعبير عن إرادة سياسية تستهدف التأثير المرحلي لتحقيق مكاسب ،أو عمل خداع حسي يؤثر في سلوك أفراد ،أو مجموعات بشرية ، وهذا حصل في فترات زمنية سابقة حيث شوهت المعالم الأثرية العريقة التي تعود لآلاف من السنين بفعل محاولات قادة سياسيين توظيف تلك المعالم لحسابات سياسية ،والعراق يمثل للأسف نموذجا سيئا في ذلك حتى إن المؤسسات الدولية المعنية بالتراث الإنساني لم تدرج في قوائمها للتراث أيا من الآثار العراقية بينما إهتمت بسواها مع إنها تعود لبضع مئات من السنين بعد أن وجدت إن الشروط الموضوعية لدرجها غير حاضرة في مايتعلق بالتراث العراقي بينما تنافست دول كالأردن لوضع معالم لديها على تلك القائمة .
لاقيمة حقيقية للحضارة عندما تغطيها النفايات وعندما يكون الصراع من أجل السلطة والمال وعلى خلفية دينية وقومية فيهتك كل ماترك الأجداد والأسلاف الذين عمروا قبل أربعة آلاف سنة ، أو خمسة آلاف ويكون فعل المدفع والقنبلة حاضرا فتهوي الحضارة في ثوان بعد أن بنيت في قرون وسالت عليها دماء ودموع ونضحت الأجساد المنهكة عرقا عليها ،أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من السهو عن الحقيقة ومسايرة الظالمين ،فقد أثارت حفيظتي قائمة بالبلدان الأكثر سعادة والأقل صدرت عن معهد الأرض في جامعة كولومبيا التي رزقني الله زيارتها في يوم من الأيام وهذه القائمة تتضمن عددا من البلدان تصل الى 106 تتصدرها بالتأكيد دولا كالسويد والدنمارك والنروج وفنلندا وحتى إسرائيل ،والطريف في الأمر إن العراق يأتي في المركز 105 ولايتقدم سوى على صاحب المركز الأخير الذي لم يحصل لي شرف معرفته ولاأريد،فانا لاتنقصني الكآبة لأبحث عن البلد الأخير في قائمة السعادة .
بالتأكيد لاإعتراض لدي على القائمة ومتيقن من صحتها وأنا واحد من العينات التي أفادت منها الجامعة في إصدار قائمتها تلك ولاأقبل أبدا بتسويفات البعض من النفعيين الذين يعترضون على كل شئ حتى لو كان الحقيقة بعينها ، ومن بين الإعتراضات تلك التي تصدر بعد كل تقرير دولي عن حقوق الإنسان بالنفي والإدانة والرفض المطلق لما جاء فيه ، ففي العراق كل الأسباب التي تشير الى إن عوامل السعادة غير متوفرة ولايمكن أن تتوفر من الآن حتى سنوات طويلة قادمة للأسف ،فالوضع الأمني يمثل تحديا مؤسفا إنعكس سلبا على شعور الناس بالطمأنينة والرغبة في الحياة والحركة والإبداع وكذلك الوضع الإقتصادي والبطالة والخلافات السياسية العميقة وعدم الوضوح في السياسات فالإحباط وإنعدام الثقة بالوضع الراهن من الأسباب الموجبة لعدم توفر شروط السعادة خاصة حين يحرم الإنسان من العمل ومن الأمن ومن بقية الخدمات التي تحفظ من خلالها كرامته ومستقبله ومستقبل أسرته ..فلاتعترضوا على الحقيقة بل إعترضوا على سياستكم في منع السعادة.
ليست قائمة إنتخابية .. بقلم هادي جلو مرعي
آخر تحديث: