آخر تحديث:
طالعنا المسؤولون الروس ووسائل إعلام غربية ببشارة ” الانفراج” في المفاوضات النووية مع إيران، واحتمال التوصل السريع لاتفاق “مبدئي غير شامل” مقابل رفع العقوبات الأقسى على إيران. ويظهر من التقارير والأخبار أن الغرب تنازل عن مطلب وجوب تصدير إيران لمخزونها من النووي المخصب، وعن مطلب وقف كامل للتخصيب، والإقرار لها بالتخصيب المنخفض على أن تعطي ” ضمانات” مطمئنة للعالم. وكان مجلس الأمن والوكالة الدولية النووية قد وضعتا شروطا محددة منذ 2006، منها وقف كامل للتخصيب وتصدير اليورانيوم المخصب للخارج مقابل تزويدها بكمية مطلوبة لتشغيل مفاعل طهران ” للأبحاث”. وفي 2009 وافقت إيران على إرسال كمية كبيرة من اليورانيوم المخصب بدرجة منخفضة لروسيا، ومنها لفرنسا، التي تعهدت بتزويد إيران بما يكفي لمواصلة “أبحاثها” المدعاة. وما لبثت إيران أن تراجعت، وانقلبت على الاتفاق. وهذا السلوك هو ما يميز نظام الفقيه، أي المراوغة والتحايل والمكر والكر والفر، مع مواصلة الخطوات التي تؤدي لما تستهدفه من هيمنة وتصنيع للقنبلة تكون أداة ابتزاز وتهديد وهيمنة.
إن الدول الغربية المفاوضة تواجه الخديعة الروسية والمناورات الإيرانية معا، ولا نعتقد أن سذاجة البارونة آشتون وكيري بمستوى التعامل مع عمليات خداع هذا الثنائي، الذي نجح في تغييب قضية الشعب السوري ومأساة المئات من الآلاف من القتلى والجرحى والمعوقين والجياع وملايين المهاجرين الذين يعيشون في أوضاع غير إنسانية.
يبدو أن هناك موقفا دوليا لتجاهل سياسات التدخل والإرهاب الإيرانية، المستهدفة نشر النفوذ الإيراني على نطاق المنطقة، والتحول لدولة نووية تشارك في تقرير مصائر العالم. إن العالم يكاد ينسى كيف قام نظام خميني على مبدأ ” تصدير الثورة الإسلامية”، والأساليب التي استخدمها، منذ قيامه ولحد يومنا، للوصول لغاياته.
في 31 مارس 1981 قرأ أحمد خميني بحضور والده تصريح الأخير التالي”: نعمل كل ما في مستطاعنا لتصدير ثورتنا لبقية دول العالم.” ومنذ قيام ذلك النظام الشمولي، وهو يمارس عمليات الخطف والقتل والتخريب وزرع الخلايا التجسسية واقتراف الاغتيالات وتدريب الإرهابيين داخل إيران وفي العالم: الخليج ولبنان والعراق ومصر ونيجيريا والأرجنتين وبلغاريا، ألخ..ألخ. ومن يوم ليوم، اكتشاف خلية إرهاب إيرانية الصنع والولاء، كان من أواخرها اكتشاف خلية اليمن وخلايا في البحرين. ولا ننسى تفجيرات بيروت في بداية الثمانينات ومقتل المارينز والجنود الفرنسيين وخطف رهائن السفارة الأميركية ورهائن بيروت. ويذكر الصحفي الفرنسي “جيرار بوفيس” في كتابه “الجميع رهائن خميني”، الصادر عام 1987 في باريس، بأن هناك معسكرات خاصة للتدريب على خطف الطائرات وعشرات أخرى من المعسكرات لتدريب الإرهابيين والإرهابيات، من إيرانيين وغير إيرانيين. وطبعا زادت المعسكرات داخل إيران وفي لبنان، وثم العراق. ومن المعسكرات التي يرد ذكرها في كتاب 1987 معسكر ” طريق القدس”، الذي كان مخصصا لتدريب عناصر حزب الدعوة العراقي على عمليات الإرهاب. ومعسكر بهشتي كان خاصا بالنساء. ومعسكر شيراز كان للتدريب على خطف الطائرات، الخ…ونظام خميني هو الذي كان ينتزع الصبية [ 12- 14 سنة] من أحضان عائلاتهم خلال الحرب لزجهم كطلائع في المناطق المشكوك بكونها ملغومة، فكانت جثثهم تتطاير وتتناثر. ورغم الاحتجاجات الدولية، استمرت تلك العمليات الوحشية. ونظام خميني اعدم عام1988 30000 سجين سياسي من منظمة مجاهدي خلق، وهو اليوم يقوم بتسميم السجناء السياسيين، ويأمر في العراق بإبادة اللاجئين الإيرانيين العزل على دفعات،وتنسق مليشياته العراقية مع القاعدة في عمليات تفخيخ البشر ولنشر الحرب الطائفية. وكان خميني من المعجبين بمنظمة “فدائيي إسلام” الإرهابية لنواف صفوي، التي اغتالت العديد من الساسة الإيرانيين في الخمسينات. وفي النجف [ سكنها منذ64 إلى أواخر 78] تعرف على أفكار الإخوان المصريين، ولاسيما أفكار سيد قطب، الذي ترجم خامنئي بعض مؤلفاته بطلب من خميني.
هناك من يريدون أن ينسى المجتمع الدولي دروس الحاضر والماضي القريب في التعامل مع إيران، والسلوك الإيراني المناور والمراوغ. نذكر أيضا حادث المباحثات السرية بين عمرو موسى، حين كان زيرا للخارجية عام 1994، وبين الوزير الإيراني ولايتي في القاهرة، على هامش مؤتمر حركة عدم الانحياز. كانت مصر قد ألقت القبض على خلية إرهابية تأتمر بأوامر طهران. وقد سربت مصادر مصرية نص محضر اللقاء السري لصحيفة “المحرر”، فنشرته في عدد 13 حزيران 1994 [ لم يصدر تكذيب مصري لصحة المحضر]. فحين يقول الوزير المصري إن إيران تدعم الإرهاب في مصر، يرد ولايتي بأن هذا اتهام باطل. ويجيب موسى بان هناك “دلائل وقرائن موجودة”، منها بعض الأسلحة. “ولكن الأسلحة الإيرانية موجودة في دول المنطقة، ويمكن لكان من كان حيازتها”- هكذا يجيب ولايتي. وهنا يواجهه عمرو موسى بواقع العلاقة الإيرانية مع” الأفغان العرب”، أي القاعدة. اسمعوا جيدا جواب ولايتي، وانتبهوا لتقييمه لحقيقة القاعدة:” سياستنا واضحة والأفغان العرب حصلوا على كل التسهيلات، لا من أجل إدارة عمليات إرهابية في مصر، ولكن للدفاع عن القيم الإسلامية، سواء في أفغانستان أو غيرها. علاقتنا مع كل المجاهدين تقوم على هذا المبدأ.”
وهكذا، اعترفت إيران بالعلاقة مع القاعدة منذ ذلك الوقت وحتى قبله، وذلك قبل حرب إسقاط طالبان في2001، ولجوء قادة وكوادر وقواعد من القاعدة لإيران التي استخدمتهم، مع سوريا، في عمليات الإرهاب بالعراق. ولما عاد فريق منهم لسوريا من العراق بعد ثورة الصحوات في العراق، وضعوا في الحجز حذرا من أن يكرروا في سوريا عمليات مماثلة، ولكن بشار الأسد أطلق سراحهم بعد عام من التحرك الشعبي السوري- الذي تحول لحرب مسلحة- مثلما سبق لصدام أن أطلق الآلاف من المجرمين قبل الحرب لينشروا الفوضى في البلاد لو سقط النظام.
اجل، مع الأسف الشديد، إن كل البوادر تشير إلى خطر إطلاق المجال للوحش الإيراني لمواصلة التخريب والتدمير والتوسع والامتداد والسير نحو القنبلة مقابل إجراءات جزئية و” ضمانات ” إيرانية، ما أسرع ما ينقلبون عليها في وقت آخر. و”التعهدات” و” الضمانات”، شأنها شأن شعارات الشوارع ولافتاتها، لا تدل على حقيقة النوايا والإرادات الحاكمة. فشعارات الموت لإسرائيل وأميركا لم تحل بين إيران وبين شراء الأسلحة من إسرائيل وأميركا في الثمانيات في فضيحة إيران غيت [*]، وقناع محمد خاتمي ” الإصلاحي” تكشف عن استمرار ذات السياسات الداخلية والنووية. فالمصالح والحسابات القومية التوسعية الإيرانية هي التي تفصل وتتحكم وتحسم، بحسب الظروف والحاجات وموازين القوى الدولية.
إن العالم سائر للمزيد من المشاكل والمتاعب الكبرى والكوارث، والفائزان، لحد اليوم، هما بوتين وخامنئي. وإذا كان الأول قد توج رجلا لعامنا الحالي، فلعل خامنئي سيتوج رجل العام القادم بعد الإعلان عن إيران القنبلة.
إيلاف في 9 نوفمبر 2013
[* بعد انكشاف فضيحة إيران غيت انتشر في الولايات المتحدة السؤال والجواب التاليان: ” ما هو الفرق بين المعتدل والمتطرف في إيران؟”الجواب:” المعتدل هو الذي يريد حلب البقرة الأميركية إلى آخر قطرة. أما المتطرف، فهو يريد أكل لحم هذه البقرة أيضا.” وحين يجري الحديث اليوم عن الصقور والحمائم في إيران، نقول إن “حمامتهم” صقر متنكر. والمطلوب ليس أكل لحم أميركا، فهو صعب، ولكن استباحة شعوب المنطقة والتحول إلى الآمر والناهي فيها، وإلى لاعب رئيسي في الساحة الدولية. ومن ناور وخدع ولعب، وله حليف كبوتين، و”خصم” صوري متردد كأوباما، فقد يصل للمرام!]