بغداد/ شبكة أخبار العراق- مع فجر كل يوم تنطلق مجموعات بشرية تجوب شوارع وأحياء العاصمة بغداد وتستمر حتى حلول المساء دون توقف باحثة في النفايات عن لقمة العيش، فهم يسبقون عربات البلدية المتأخرة دوماً ويتسابقون فيما بينهم لبسط نفوذهم على ما يسمى بنفايات “الأحياء الراقية” وقمامة بيوت الأثرياء.الطبقة التي ظهرت ونمت منذ عشر سنوات من مسؤولي الحكومة والبرلمان والمقاولين وقادة الميليشيات ومهربي النفط ومكاتب الشركات الأجنبية تحولت نفاياتهم إلى كنز ثمين يتسابق جامعو النفايات للحصول عليه.أم ناظم المرأة الخمسينية ترتدي ملابس سوداء وتتسابق مع باقي جامعي النفايات الآخرين لجمع أكبر قدر ممكن من الأشياء التي تختفي بينها، فهي تنطلق فجراً في البرد القارس لنيل حصتها من القمامة وتدفع ولديها اللذين لم يتجاوزا سن العاشرة لمسك شارعين آخرين.تبرر المرأة التي التصقت القاذورات على كف يدها وذراعيها وفاحت منهما رائحة نتنة عملها بالقول “هذه هي حياتنا.. بحثنا عن عمل بديل نعتاش عليه بكرامة وبعيداً عن هذه المذلة لكننا لم نجد شيئاً، الحكومة مشغولة عنّا وما تقدمه الرعاية الاجتماعية لا يكفي معيشة أسبوع”.وتضيف “اتجهنا إلى القمامة لنبحث عن أشياء نستطيع بيعها وأخرى يمكن ان نستفيد منها في حياتنا، وقد تحسنت حالنا بعد أن سيطرنا على هذا الحي ومنعنا بقية الباحثين عن القمامة من مشاركتنا فيه”.وتقول “نتوزع أنا وزوجي وأبنائي وبناتي على ثلاثة مجاميع على هذه المنطقة من الساعات الأولى للفجر لنحصل على ما تتركه تلك العائلات من النفايات والتي نسميها بالكنز اليومي، فنحن نجد باستمرار كميات من المواد الغذائية الشهية والمعلبات التي لا نحلم بشرائها من الاسواق وكذلك ملابس مستعملة نظيفة، وأحياناً نعثر على الحلي والمصوغات الذهبية وقناني الخمور غير المستعملة كما عثرنا في أحدى المرات على سلاح (بندقية كلاشنكوف) مفككة ومرمية في برميل القمامة”.ولا يتوقف الأمر على عائلة أم ناظم، ففي بغداد التي تضم الأثرياء من “قادة العملية السياسية وتجارها كنوزاً للشريحة البائسة ووسيلة تعتاش عليها من خلال جمع ما تجده وبيعه في أسواق الخردة أو تستفيد منه في حياتها اليومية.وتسيطر عدة فرق على مساحات وأحياء الأثرياء وميسوري الحال، ولا تسمح للآخرين بالتعدي على أماكن رزقها.يقول صباح الشاب العشريني وأحد الباحثين في القمامة “أبدأ مع أخوتي الأربعة يومنا في البحث بحاويات القمامة منذ الصباح الباكر قبل وصول سيارات المكابس التابعة لامانة بغداد ، فنحن نعثر في هذه القمامة على كل شيء يديم حياتنا”.وأغرت ما تنتجه الأحياء الراقية شريحة الفقراء على تقسيم المناطق بين عائلات وأشخاص لا يسمحون لسواهم بالاستفادة من خيراتها.ويؤكد صباح أن هناك مجاميع تسيطر على أحياء الأثرياء عن طريق “الضمان”، مضيفا “هذه الكلمة تعني أن هذا الشارع بحاوياته مضمون للعائلة الفلانية من القمامين، وأحيانا يجري بيعها لعائلات أخرى بعد أخذ “سر قفلية”! كما تُباع الأرصفة لأصحاب البسطات، خاصة الأرصفة التجارية، فقيمة المكان تتمثل في ما تضمه حاوياته من مواد وأشياء نعتبرها ثمينة”.لكن المنافسة لا تتوقف على عائلات القمامين، بل يتدخل فيها مراقبو البلدية الذين يفرضون إتاوات على القمامين في مقابل غض الطرف عن نبشهم النفايات وحصولهم على “كنوزهم اليومية”.حسين عبد، وهو معوّق حرب سابق ويعتمد في حركته على امتطاء حمار هزيل يجر العربة التي يجمع فيها النفايات، يشير إلى ساقه ويقول “هل ترى هذا البنطلون الكابوي الأزرق الجميل الذي أرتديه؟ لقد وجدته في براميل القمامة وهذا الحذاء الذي انتعله من بركات براميل القمامة أيضاً، فهذه الأشياء تستعيد أعمارها لدينا، ومسؤولو البلدية يعلمون بقيمتها لذلك نضطر أن ندفع لهم (المقسوم) لكننا لا نسمح لأحد آخر بالتعدي على مناطقنا”.ويقول الناشط في حقوق الإنسان جعفر محمد أن هناك فرقاً شاسعاً في المستوى المعاشي بين المواطن والمسؤول في الدولة العراقية الحالية يصل إلى نسبة أكثر من 100%، مضيفا “لا نجد نسبة معيشية متقاربة في كل الأحوال بين الاثنين، حيث يطرح المسؤولون جميع نفاياتهم اليومية في براميل القمامة مما يجعلها سوقا مجانية للكثير من المتسولين وجامعي النفايات”.وعلى سبيل المثال يبلغ مجموع راتب عضو البرلمان 32 مليون دينار بين راتب اسمي ومخصصات الحماية والسكن، ولا تقل رواتب الوزراء والمسؤولين والقادة الأمنيين عن ذلك .صباح وجعفر وأم ناظم وآخرون من القمامين لا يكتفون بمحصولهم اليومي بل هم يتصيدون المناسبات الدينية كحلول شهر رمضان والأعياد وعاشوراء وسواها من المناسبات لاستدرار عطف الأثرياء، فبعد سنوات من نبش الحاويات باتت وجوههم مألوفة لأصحاب القصور العالية ، فلا يترددون بمنحهم إكرامية.ويقول صباح مبتسماً بفخر “بعض الأثرياء يتفضلون علينا بما لديهم من مأكل وملبس مستعمل، وأحيانا يكلفوننا بانجاز بعض الأعمال كتنظيف البالوعات. أنهم يثقون بنا”!!.