بغداد/ شبكة أخبار العراق- متابعة ..قال غسان العطية ’ بان مستقبل العراق مظلم، وان ايران اذا ارادت للمنطقة وللعراق الاستقرار يجب عليها ان تجبر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على المغادرة.واضاف العطية في مجمل حديثه ’ بان الولايات المتحدة الامريكية منحت العراق لايران كما منحت لبنان الى حكومة الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد. وقال العطية ان الاكراد والاحزاب الدينية الشيعية كانت منظمة لذلك استولت على الحكم عقب الفراغ الذي ولده سقوط نظام صدام حسين، وفي ما يلي نص الحوار:
ـ من سياق التاريخ بين الامس واليوم، لماذا وصلنا الى الوضع الحالي؟
بعد 90 سنة من استقلال يعود العراق الى المربع الاول ويصير السؤال هل سيبقى العراق دولة موحدة؟ ما يربط الطرف الكردي بالعراق هو البترول، ما يربط بعضنا ببعض كعراقيين هو البترول، فلولاه لأنتهت الدولة. 90′ من ميزانية الدولة البالغة الآن 150 مليار دولار سنويا، مصدرها البترول في الوقت الذي تبلغ نسبة العاطلين عن العمل من الشباب 25%′. في السبعينات اعطي العراق جائزة اليونيسكو لمحو الامية، لدينا الآن لا اقل من 7-8 ملايين أمي.كان العراق يخرج اطباء واول جامعة للطب في العالم العربي كانت فيه، المريض العراقي الآن يسافر الى الاردن او الهند او اربيل كي يحصل على العلاج.المرارة تطغى على حديثي، يقول لي احدهم انت ابن الجنوب وتدافع عن السنة؟ اقول اني ادافع عن الانسان العراقي، لهذا السبب اشعر بالمرارة. في لقاء مع احد قياديي حزب الدعوة، قال لي ان الاكراد يحسدوننا على الحرية التي نتمتع بها في بغداد، في الوقت الذي في بغداد لا حرية غير حرية الموت والقضاء على الخصوم والاغتيالات واوامر اعتقال وملفات غريبة خلقت حالة من الرعب. اقول هذا وانا احد المطلوبين للسلطة. كردستان آمنة، حصل تفجير واحد اعتقل فاعلوه بعد ساعة فقط، في بغداد يحصل حوالي 40 تفجيرا يوميا ولا من يعتقل. القول ان الوضع في بغداد احسن محض عنجهية وما يثير الاستغراب ان الكل يرمي المسؤولية والعيب على الآخرين.الطائفية كانت موجودة حتى ابان عملية الادماج الاولى التي جرت في العهد الملكي. في اول وزارة فتشوا عن وزير شيعي ومعمم واحد ابان عام 1924، وصولا الى عام 1958 كان لدينا في العراق، 4 رؤساء وزراء شيعة. في العشرينات وانا ابن عائلة عشائرية، لم يكن احد بيننا يحمل شهادة ابتدائية، في الخمسينيات صار بيننا في المنطقة نفسها اطباء ومهندسون، الدولة هي التي قامت بهذه الانجازات. المؤشر الاجتماعي كان يشير الى المزيد من الاندماج وكان اليسار يقود المعارضة في حينه.مع الاسف المفصل الذي فجر الوضع برمته هو الثورة الايرانية. بدأت مرحلة جديدة، اذ ان حركاتنا السياسية في العراق متلقية، لم تأتنا حركة من نبتة عراقية الا في العهد الملكي، احدى هذه الحركات كان حزب الاستقلال برئاسة الشيخ مهدي كبة وهو شيعي، والحزب الوطني الديمقراطي برئاسة كامل الجادرجي. اما بعد ذلك فكانت احزابنا قاطبة متلقية، الشيوعيون موسكو قبلتهم، قامت ثورة ناصر فاصبحت قبلة القوميين، البعثيون ايضا قبلتهم في الخارج، الآن جاءت الموجة الجديدة، الاسلامية الشيعية وقبلتها طهران، الاسلام السني قبلته حركة الاخوان المسلمين. تسأل نفسك اين النبتة العراقية؟ لا وجود لها.احتلال العراق مأساة كبيرة ندفع الآن ثمنها، واليوم تسأل البعثيين هل تعلمتم من الدرس، تجد انهم ما زالوا يمجدون اخطاء صدام حسين.
كشباب كان حلمنا تحرير فلسطين وكانت عندنا فلسطين واحدة، الآن لدينا اكثر من فلسطين، سوريا، مصر، العراق، ليبيا..الخ، السؤال هو متى نراجع انفسنا، وقد مررنا بفشل بعد فشل؟
اقول البلد الوحيد الذي يمكن ان يكون منارة الامة العربية ويعيدها الى طريق الصواب هو مصر، ولكن مع الاسف يبدو انهم وجدوا حكم العسكر الاكثر صحة. ليس بالامكان احسن مما كان، وربما البصيص الايجابي الذي اراه الآن يكمن في تونس، حزب النهضة هو الوحيد الذي فضل ان يستقيل ويشكل حكومة تكنوقراط ويعيد الشعب الى لحمته عبر الانتخابات، انها بارقة أمل.
ـ انتخابات في ظل استقطاب طائفي وأثني هل هي حل للمشكلة الراهنة في العراق أم زيادة في تعقيدها؟
الانتخابات في اي بلد ديمقراطي حقيقي هي وسيلة لحل الخلافات، يحل البرلمان وينتخب الشعب وتشكل حكومة جديدة وتنتهي المشكلة. الانتخابات احدى ممارسات الديمقراطية ولكنها تحتاج الى مؤسسات ومستلزمات ديمقراطية لا وجود لها في العراق، فهي اولا بحاجة الى مواطن يقول انا عراقي، لا شيعي او سني او جبوري، او دليمي الخ …
هذا المواطن غير موجود في العراق. السبب الآخر في غياب كل هذه المؤسسات، يكمن في تهديم صرح الدولة في اجراء حصل بعد ما اسقط نظام صدام. هذا الفراغ من استفاد منه ومن ملأه؟ الاكراد والاحزاب الشيعية الدينية المحمية من ايران والتي تربت هناك، حصل هذا لكون الطرفين منظمين. بقية العراقيين من غير الاكراد والشيعة كانوا غير جاهزين للانتخابات والموقف الوحيد الذي اتخذه ابناء العرب السنة هو المقاطعة. كان القرار خطأ، ومن كان ضحية هذه العملية؟ كل الاقليات قاطبة وليس فقط السنة، فالمسيحي الذي كان يعتقد ان امريكا ستحميه صار من اول ضحاياها. الصابئة المندائيون وجودهم اقدم من اي عربي في العراق، الآن لا يزيد عددهم عن 5000 مندائي، ولا يزيد عدد المسيحيين الآن عن نصف مليون. هكذا عدنا من كوننا دولة الى طوائف.
انتخابات في حالة مثل هذه ستفرز دولة طائفية غير قادرة على الوصول الى حلول وسط. منذ 2010 لحد اليوم دخلنا مرحلة جديدة، تؤشر بوضوح على ان من يمسك بزمام السلطة سيستمر بالفوز سواء بالمال او القوة، حيث سخرها بشكل واضح لصالح بقائه، وبدأ يلعب على الوتر الطائفي والاثني، فكل معارض هو ارهابي وداعشي، فهناك الخطر الكردي والخطر السني وبالاغلبية وحدها بامكانه ان يقضي عليها.
من له الغلبة، من له المال والسلطة والسلاح، ام الاصوات الشيعية المعتدلة التي تشعر بكونها مهمشة كذلك؟ اظهر الاسلاميون الشيعة عدم كفاءة والجيد انهم ليسوا كتلة واحدة بل ان انقسامهم صار واضحا.
الانتخابات الحالية تشير بوضوح الى ان المالكي سيأتي بالكتلة الاكبر. هذه الكتلة مهما كبرت فليس بامكانه الاتيان بـ163 صوتا ليشكل حكومة، اذا فلا بد من ان يأتلف مع آخرين، القاعدة التي وضعت، هي ان رئاسة الوزراء متروكة للشيعة، والشيعة من يمثلهم بالتأكيد ليس العلماني واليساري بل الاسلامي. هؤلاء كلهم الآن يعيشون لحظات خلاف فيما بينهم، الصدريون والمجلس الاعلى ودولة القانون، الصراع سيكون كيف يختارون رئيس وزراء جديدا؟
اللعبة الآن لا يعرفها المراقب العربي، وهي انهم متمسكون بان يكون رئيس الوزراء من ‘اللمة’ نفسها، فمثلا لا يمكنهم القبول باياد علاوي. وهم يريدون الآلية التي تناسبهم. وبالتالي من يحسم الامر هو ايران، ما الذي تريده ايران، بعدما استطاعت ان تحول مع سوريا، حياة الامريكان في العراق الى جحيم. العراقيون ساروا وراء الشعارات وجرى استخدامهم من قبل النظام السوري لاخراج الامريكان وما ان خرجوا حتى اصبح العراق تفاحة سقطت في الحضن الايراني. الآن انتهى الموضوع وصار العراق حديقة ايران الخلفية. السؤال الآن هل تريد ايران العراق بقرة حلوب مستقرة ام لا؟
ان ارادت الاستقرار ستعمل على تغيير المالكي، ان لم ترد فسيبقى المالكي، من صاحب القرار في ايران؟ الجواب اكثر من مركز سياسي. القرار المعتدل الذي يتمثل بظريفي او روحاني قد يفكر بطريقة اخرى، لكن الملف العراقي ليس مسؤولية الخارجية بل الحرس الثوري، وهو المسؤول ايضا عن ملف سوريا ولبنان.
ـ أين العرب مما يحصل في العراق؟
العرب بذلوا جهدا عام 2010 بتشكيل لجنة سداسية من خمس دول عربية زائدا تركيا، وكان لها دور في تجميع المعارضة العراقية وتم اثر الاجتماع انشاء القائمة العراقية. وفي اللحظة التي لم تنل القائمة الحكم انفرط عقدهم وهم الآن مشتتون بقوائم متعددة. العرب وحسب معرفتي المباشرة اصابهم شعور بالتعب من العراقيين، اذ ان الكثير من العراقيين ممن ذهبوا الى الخليج حولوا المساعدات الخليجية الى مورد مالي تماما كما كانت المعارضة العراقية في التسعينيات تفعل لتتحول الى دكاكين للاثراء الشخصي، فخسروا الكثير من ثقة بلدان الخليج. لذا فان ابناء المحافظات السنية غاضبون ليس فقط على المالكي بل على قياداتهم التي اثرت على حسابهم وتاجرت باسمهم.
هذا الذي دفع الكثير منهم الى خيار حمل السلاح ضد الحكومة في الانبار..
الجانب الاخر ان المالكي كان يتبع سياسة فرق تسد، فيقوم بتهميش البعض وشراء البعض الآخر من القائمة العراقية وحاول لعب اللعبة نفسها مع الاكراد ولكنه لم يفلح. ولهذا السبب سنرى يوم الاثنين، ان اياد علاوي العلماني من اصول شيعية، حصل على اصوات تفوق الاصوات التي حصلت عليها قوائم سنية، لان الشارع العربي السني بدأ يشعر بان الورقة الطائفية لا تخدمه، بل الورقة المدنية او العابرة للطائفيين هي التي ستنفع، ويا ليت لو هذا التحول كان قد حصل قبل عشر سنوات.
ونقول هل يستطيع العرب مساعدة العراق؟ نعم باستطاعتهم ولكن من هم العرب، فالخليجيون انهكتهم صراعاتهم الداخلية، الخلاف القطري السعودي، الاماراتي، وعلى ماذا، الحقيقة اشعر بمرارة فلا احد منهم يستطيع ان يكون قائدا للعرب. مع الاسف الانقسام الخليجي الخليجي صب في صالح خصوم المنطقة.
ـ المالكي رئيس الوزراء ووزير الدفاع والداخلية وقائد القوات المسلحة ما هي المسافة التي تحد بينه وبين الحاكم المستبد او الدكتاتوري، وما مصادر قوته؟
سنقرأ اولا ما قاله الامريكان عن المالكي، فقد نشرت صحيفة ‘نيويوركرز′ تقول ان بوش لم يعجب بالجعفري فطالب بابداله، هكذا حصل ان بدل بالمالكي. ارادوا شخصا ضعيفا لا قويا. عاش المالكي اغلب حياته في المنافي
ولم يكن له اي دور سياسي يذكر، حتى انه عندما سئل عن طموحه قال، ان اصير موظفا او قائممقاما، تدريجيا القوة والسلطة صنعتا منه انسانا طموحا، بدأ يجمع السلطات الحساسة بيده واصبح يحكم 8 وزارات بالوكالة، وصار قائدا للجيش، ليؤسس لديكتاتورية جديدة لكنها قائمة على اسس طائفية. المالكي أخطأ، فبدلا من كسب الاعتدال السني والكردي بدأ يهمش الطرف المعتدل السني الذي لم يبق له اي دور وبالتالي حل محله التطرف السني تحت مسميات داعش وغيرها. في حديث معه قلت له بانك بحاجة الى حليف عربي سني فقال نعم ولم لا. امريكا تقول عنه انه ينظر في عينيك ويكذب عليك. كل الوعود التي اعطاها للغرب ولامريكا وللعرب لم يف بها فهل سيفي بوعده لي؟ لا يهمه كلام احد.
في تجربة اخرى زرت الانبار واقترحت عليه تشكيل لجنة للتحقيق في الاحداث هناك، فقام بتشكيل لجنة من شخصيات محسوبة عليه. فقلت له ان 80′ من طلبات المعتصمين هي حقوق انسان (وظائف، رواتب تعيينات، مشاكل انسانية)، وفي بلد ميزانيته تعادل ميزانية سوريا ولبنان مجتمعة ليس هذا بالشيء الصعب. قالت اللجنة ان الحل هو من صلاحيات البرلمان. كنت متفائلا بمجيء المالكي للسلطة، على اساس انه بدأ بعملية تشبه صولة الفرسان، حين ضرب جيش المهدي في البصرة ونال تعاطف الناس وصوت له السنة والشيعة، النتيجة بعد 4 سنوات خسر نصف الشيعة وخسر السنة واليساريين والاكراد والليبراليين ومع كل هذا الآن يبقى بالحكم، لماذا لانه يعتمد على قاعدة شيعية يمارس عليها عملية تخويف وترهيب من العدو، العدو هم داعش والسنة والاكراد وغيرهم. بهذه الروحية المالكي لا يمكن ان يحكم واذا شكل حكومة ثالثة اقولها بكل صراحة وانا مسؤول عن كلامي اننا نتجه الى حرب اهلية لا تنتهي الا بتقسيم العراق. ان أتت نتائج الانتخابات بالمالكي لولاية ثالثة بدعم ايراني، فمعنى ذلك ان العراق سينزلق الى حرب اهلية.
ـ مدى تأثير اللاعبين الاقليميين والدوليين في مستقبل العراق، امريكا وايران مثلا؟
الامريكان دخلوا الحرب من غير ان يفكر بوش باحتلال العراق وجاءت الفكرة على الرادار السياسي الامريكي بعد احداث ’11سبتمبر. ايران نفسها سهلت الاحتلال الامريكي للعراق على ان تعترف امريكا بزعامتها للمنطقة، ولكن بوش الابن رفض ذلك، وتصور بانه قادر ان يحكم العراق بدون ايران، فكانت النتيجة ان تحول الايرانيون الى اعداء مباشرين لامريكا محولين الشارع كله ضد امريكا.
الكثير من المراقبين لا يعرفون مدى الانهاك الذي اصاب الامريكان في العراق، ففي الفلوجة والرمادي قدموا ضحايا بالالاف مما دفعهم للتفكير بالخروج من العراق غير مهزومين وغير منتصرين. بذلك هبط سلم الاولويات الامريكية في العراق من نشر الديمقراطية وبناء دولة متحضرة الى عملية خروج آمنة ومحاولة ابقاء العراق بلدا مستقرا. نحن ساعدنا ايران لملء الفراغ الذي تركته مغادرة امريكا للعراق.
كانت هناك نظرة عراقية ساذجة ترى بان الحرب على امريكا لها الاولوية ومن ثم تجري محاربة ايران واخراجها. الآن ينطبق علينا المثل القائل: ‘على نفسها جنت براقش’.
ضيعنا فلسطين بشعارات قومية، رفضنا حل الدولتين، وضيعنا بذلك فرصة اساسية ولكننا وصفنا بالخيانة كل من طالب بحل الدولتين وبالنهاية ضيعنا كل فلسطين. وبهذه الشعارات القومية، اردنا تحرير فلسطين وانتقدنا العهود الملكية التي اضاعت فلسطين، فأتى جيلنا وضيع كل فلسطين. فمتى تقوم الصحوة، وهل سنظل نساق كالغنم بشعارات لا طائل منها.. لماذا لا ننقد انفسنا ونقول اخطأنا، العالم العربي تبريري هو اخطأ ولكنه يلوم غيره. المشكلة ان الزعامات العربية لم تكن ديمقراطية يوما او جامعة للكل. العهود الملكية، ان كانت في مصر او ليبيا او العراق قياسا بما لحقها كانت افضل.
ـ ما هو أثر تجارب الانتخابات الثلاثة في مسار التحول الديمقراطي، وهل هناك اي بعد ديمقراطي كأساس لبناء مستقبلي؟
لا مجال ابدا، الديمقراطية هي مجموعة مقومات، الانتخابات واحدة منها، في جو عشائري وطائفي هل يصوت العراقي كانسان ام كانتماء طائفي.
الانظمة الدكتاتورية فيها انتخابات، الاسد، صدام، مبارك ولكن لا يمكن ان نسميها ديمقراطية، والآن في الجزائر ولاية انتخابية رائعة، ولكن السؤال هل يشعر المواطن ان هذه الانتخابات تعبر عنه؟ في 2013 تقدمت باقتراح الى المالكي مفاده اذا تريد ان تمتص نقمة الناس كلها فيجب ان يصار الى حل البرلمان ومجلس الوزراء واجراء انتخابات مبكرة في ظل حكومة تكنوقراط، ورئيس الحكومة لا حق له بالمشاركة في الانتخابات وانما ادارتها فقط. عندئذ سيشعر العرب السنة بان هذه انتخابات بوجوه جديدة ونمتص الصراعات فيما بيننا، وهذا الاقتراح كان سبب غضب الحاكم علي.
ـ كيف ترى الآن طبيعة او ملامح الحكومة المقبلة أهي تنميط على ما سبق من تجارب عرفناها ام هناك جديد خاصة ان القوائم ذات الاغلبية ابان حملاتها اقترحت شعارات التغيير؟
المستقبل مظلم. قارنوا كيف سلمنا اباؤنا العراق وكيف نسلم نحن العراق لابنائنا.
الطبقة الوسطى الآن مهجرة، وكل من يملك الامكانية يترك العراق، الثقافة محدودة ومن يحكم هم ابناء الريف، من الشرهين وعمرهم لا ولاء لهم للدولة ويعتبرونها عدوة ويرون الدولة شيئا غريبا فهم غير قادرين ان يكونوا جسرا ما بين الكل. هل بامكان هذا ان يتعلم؟ اعتقد اننا نفتت العراق بين ليلة واخرى.
هناك لعبة جديدة اسمها ‘سنة المالكي’، حيث انه لا يمكنه ان يشكل حكومة لوحده، الا بشراء الذمم ودفع الاموال. فقد انتبه السنة العرب اخيرا الى ضرورة المشاركة بالتصويت واوقفوا عمليات العنف، المشاركة جاءت حتى لا يتركوا المجال لسنة المالكي. ولكن مع كل هذا فان لا اقل من 15′ من سنة المالكي سيفوزون.
ـ ما هي داعش ومن اين جاءت؟
لا احد يعرف تماما من اين أتت داعش، حتى أهل الانبار لا يعرفون ذلك. المالكي يقول حين دخلنا الاعتصامات بالقوة وجدنا 35 قياديا ضمن معتصمي الانبار من داعش. واذا بهم يسيطرون على الانبار كلها. يقول المالكي، انهم جاءوا من سوريا، لماذا اذن لم تحم نفسك من سوريا؟
الحقيقة هناك علامات استفهام كثيرة حول داعش، هناك اضافة لهم قوى اخرى هي المجلس السياسي ومجلس العشائر هؤلاء قوة فاعلة في الانبار، من سيحكم العراق عليه ان يفاوض من ليس لهم اجندة دولية منهم، بل اصحاب المطاليب، كما يفاوض الامريكان طالبان وكما فاوض الانكليز الجيش الايرلندي السري. قاتلنا الاكراد 80 سنة لم نكسر شوكتهم، بل تحولوا الى دولة مستقلة، فمن يريد مقاتلة السنة بهذه الطريقة فانه يقع في خطأ كبير.
صحيح ان الحل بيد الشيعة ولكن السنة يملكون مفاتيح التغيير. فهل من مصلحة الشيعة ان ينتهي العراق كدولة من يديهم اقصد ‘الشيعة الاسلامية’؟
المرحلة التي نمر بها صعبة جدا. ظهور داعش في سوريا خدم بشار الاسد بالتهديد بان البعبع الذي سيحل محله سيشكل خطرا على المواطنين. كذلك في العراق الناس تفضل بقاء المالكي على ان تنتهي داعش. الكثير من العرب السنة يخافون من داعش ويريدون الخلاص منها ولكن يبدو ان المالكي استعمل داعش انتخابيا ونجح في ذلك. كي تلغي الارهاب ينبغي ان تجفف حاضنته، العرب السنة هم القادرون على وقف الارهاب وليس الشيعة.
حين يقول الحاكم لا حل غير الحل العسكري فهو لم يتعلم الدرس ويعني ايضا ان بقاءه في السلطة هو الاساس، فايران مثلا تدعمه ليس حبا به بل رغبة بالمزيد من النفوذ في العراق. هنا تتحول مصالحنا الوطنية الى نوازع البقاء في الحكم من قبل سلطاتنا، وتضيع الروح الوطنية بذلك.
ـ والآن، هل من ارادة لواشنطن على العراق؟
اصر الطرف الايراني على ان يبقى الملف النووي مفصولا عن اية قضية اخرى او اي موقف اقليمي، ووافقت امريكا على ذلك. امريكا وخاصة مدرسة اوباما تعتقد بان بناء الامة الامريكية يبدأ من داخل امريكا وليس من خارجها. ومن افكارها (مدرسة اوباما) ان معارضي امريكا في المنطقة هم غير ديمقراطيين، دول الخليج ليس فيها ديمقراطية وبالتالي فان يبقى الوضع في العراق على ما هو عليه افضل على الاقل هناك انتخابات. اضافة الى ان عداءنا مع ايران ممكن حله مع مرور الوقت آخذين بالاعتبار سيادة المصلحة وعلى رأسها ان تساعد ايران امريكا في محاربة الارهاب، والارهاب محسوب على السنة، فبالتالي اثارة النعرة السنية ـ الشيعية ستساعد في الحرب على الارهاب العالمي.
كما تريد امريكا ان تلعب ايران دورا في افغانستان عقب مغادرة قواتها للمنطقة وان تسيطر على تجارة الافيون التي لها ثقل دولي. واخيرا النفط، امريكا تريد النفط الخليجي وايران ضمانة ذلك. مقابل ذلك كما سلمت امريكا لبنان لحافظ الاسد فما المانع ان تسلم العراق لايران، طالما ان مصالحها مضمونة. كل هذه المعطيات جاءت بسبب غياب الثقل العربي المركزي.
ـما الحكمة في الامر.. شعب يدين الحاكم في السر وينتخبه في العلن؟
مع الاسف الوعي السياسي في العراق بسيط ولنا في ذلك سوابق. الناس بالملايين رفعوا الملك عن الارض والشيء نفسه فعلوه مع عبد الكريم القاسم، وبالملايين ايضا صفقوا لصدام حسين، لا ألوم المواطن وانما قادة الرأي من المنافقين الدجالين الذين يكذبون ويبررون ويمارسون سياسة الانكار. تعلمنا من الثقافة العالمية احترام حقوق الانسان لكونه انسانا فقط.
ـ بخصوص الاعلام أين اخطأ او أصاب؟
الاعلام ذو وجهين. اعرف الآن وانا في لندن ما يجري في العراق من خلال الاعلام. الاعلام جعلنا اكثر وعيا بما يجري ولكنه بالمقابل سيف ذو حدين. في زمن صدام كانت الفضائية ممنوعة الآن اصبح كل حزب له فضائية، لدينا الآن اكثر من 90 فضائية، المواطن العراقي يستلم من هذه الفضائيات المعلومات ومعظمها مظللة وطائفية، فكيف سيعرف طريقه؟ وبالتالي تحول الاعلام الى ادوات عنف شحن طائفي وكراهية واذا سألتني كيف نعالج ذلك اقول لك بكل صراحة الاناء ينضح بما فيه.
الاعلام لا يستطيع ان يدعم نفسه ماليا وهو غير قادر اليوم على الوقوف على قدميه.
لا وجود لدعم من الطبقات الوسطى او الشركات وانما من الدول لذلك يبقى الاعلام بيد سلطات.
ـ هل انت في حال هجرة جديدة الآن؟
قبل اشهر قليلة هددت من قبل حكومة المالكي ما بين النفي والاعتقال، فاخترت النفي. فصلت في عام 1956 وهاجرت الى لبنان، تعرضت للملاحقة والسجن والنفي وصولا الى صدام حسين حين حلل دمي، النظام يذبحني والمعارضة تتهمني بالعمالة للنظام والآن الفورة الدينية الطائفية تعطي لنفسها الحق بان تقتل اعتمادا على نصف آية. رجل الفكر لا يصلح لان يكون رجل حزب، ان تكون في السلطة معنى هذا ان تتغير. ان تكون في عجلة كبيرة وانت مسمار صغير فانك تخدم العجلة، ليس من مصلحتك ان تكون في الحكم وهذا ليس تعففا. اعتقد ان الفكر السياسي العربي الآن هو المطالب بالمصداقية. منطقتنا تشبه رقاص الساعة، جئنا بموجة الاستقلال الاولى ثم اخذتنا الموجة اليسارية، والشيوعية، عاد الرقاص الى نقطة اخرى صرنا عروبيين قوميين وفي دورته الآن صرنا اسلاميين. بعد فشل التجربة الاسلامية في العراق وليس في العراق فقط ما هو البديل؟ الام الولادة بماذا تحمل؟ سوف نرى ذلك وربما اولادنا سيرون.
يجب ان يولد تيار انساني يرتكز على حقوق الانسان ويؤمن بالتعددية والآخر، هل سنشهد هذا الوليد، هل ممكن ان تظهر الليبرالية الجديدة؟ هذا هو التحدي الاكبر.