شبكة أخبار العراق : أثار الإعلان عن إنتاج أول فيلم إسرائيلي حول يهود العراق باللهجة العراقيّة، تعاطفاً بالغاً بين الطرفَين. فقد تناولت الخبر عشرات الصحف والمواقع العراقيّة بإعجاب ومشاعر بالغة العطف. كذلك، فقد أثار ذلك انتباهاً واسعاً في داخل المجتمع الإسرائيلي.ويحمل الفيلم عنوان “وداعاً بغداد” وهو مقتبس من رواية “طير الحمام” للكاتب إيلي عمير.وعمير يهودي عراقي غادر العراق في العام 1950 برفقة أسرته. وتتحدث الرواية عن المحنة التاريخيّة ليهود العراق في فترة إبعادهم عن العراق في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وترسم كذلك مشهداً دقيقاً للوضع الثقافي والاجتماعي والسياسي للبلد في تلك الفترة.وقد تضمّن الفيلم إلى الموضوع الأصلي، الروابط التاريخيّة والثقافيّة ما بين يهود العراق والمكوّنات الأخرى في البلد. ومن هذا المنطلق استخدم اللهجة العراقيّة الأصليّة ليهود العراق في النسخة الأصليّة للفيلم. ومن المفلت للنظر أن هذه اللهجة هي لهجة فريدة من اللغة العربيّة تكاد أن تنقرض. فقد كان يهود العراق يتحدّثون بها منذ مئات السنين في العراق إلى أن غادروا البلد، ما أدّى إلى نسيان لغتهم تقريباً.ويعدّ هذا الفيلم استمراراً لحركة التواصل الثقافي بين يهود العراق والعراقيّين. وكانت هذه الحركة قد انطلقت قبل عقدَين، وقد حاول فيها كل من الطرفَين أن ينفتح تجاه الآخر ويتواصل معه ويعبّر عن عطفه إليه. وقد أثار هذا الفيلم قبل عرضه على شاشات السينما، الشارع النخبوي العراقي. وعلى الرغم من انشغال العراقيّين بالانتخابات والأوضاع الأمنيّة غير المستقرّة، إلا أن الكثيرين اهتمّوا بنشر تقارير عديدة عنه تظهر مشاعر الترحيب بهذا العمل. كذلك تمّ تداوله بشكل واسع على صفحات موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”. وقد أبدى عدد كبير من المعلقين على الخبر، أسفهم لما حدث لمكوّنات العراق المختلفة وما زال يحدث، وتمّنوا أن يعرض الفيلم في صالات السينما العراقيّة أو طرحه في الأسواق على شكل أقراص مدمجة حتى تتاح لهم فرصة مشاهدته. كذلك فإن بعض العراقيّين حاولوا أن يوصلوا رسالة محبّة إلى يهود العراق من خلال التعليق على النسخة العبريّة على موقع “يوتيوب”.وقال الروائي إيلي عمير إن هجرة اليهود من العراق لم تأتِ نتيجة عدم التناسق والتعايش الثقافي بينهم وبين سائر المكوّنات العراقيّة، بل حدث ذلك لأسباب سياسيّة أرغم الجميع على القبول بها. ورداً على سؤال حول إمكانيّة إيجاد جسر يربط ما بين يهود العراق والعراقيّين الآخرين، قال “تجربتي في علاقاتي الواسعة مع العراقيّين المسلمين في بريطانيا وألمانيا تقول إن هذا الأمر ممكن جداً، وببساطة بسبب وجود مساحة واسعة من الأمور المشتركة بيننا. فالمشكلة ليست إلا الخلافات السياسيّة بين الأنظمة وليست الأفراد”.وعلى صعيد رد الفعل الإسرائيلي، نشرت صحيفة “هآرتس” مقالة بعنوان “الحنين إلى الوطن طريق باتجاهَين، بالنسبة إلى يهود البلدان العربيّة”. وقد أشار المقال إلى عشرات النماذج الأخرى من إنتاجات ثقافيّة وغيرها، من الطرف العربي ومن الطرف اليهودي على حدّ سواء، ما يظهر إنشاء مسير تواصل ثقافي حقيقي بين الطرفَين. وقد صرّحت الممثلة الإسرائيليّة ميرا عوض التي أدّت أحد الأدوار الرئيسيّة في الفيلم، بأن مشاهدة الفيلم أمر ضروري لكل يهودي في إسرائيل. فهو يبيّن أنه في يوم من الأيام كان العرب واليهود يعيشون حياة طبيعيّة في البلدان العربيّة بلا تفرقة ولا تمييز. والعراق دليل على ذلك كما يؤكّد الفيلم.وما زالت عشرات القصص الحقيقيّة تربط الطرفَين ببعضهما البعض. فقد اطّلع “المونيتور” على محاولات لعوائل إسرائيليّة من أصول عراقيّة للبحث عن بعض أقارب لهم فضّلوا البقاء في العراق، وقد عمدوا إلى تغيير ديانتهم أو إخفائها طوال العقود الماضية. كذلك، فإن بعضهم تقدّم بطلبات للحصول مجدداً على الجنسيّة العراقيّة. وهذا أمر يتيحه الدستور العراقي الجديد، إذ تنصّ المادة 18 منه على أن “الجنسيّة العراقيّة حقٌ لكل عراقي وهي أساس مواطنته”، ويحظّر إسقاطها عن العراقي بالولادة لأي سببٍ من الأسباب، ويحق لمن أسقطت عنه طلب استعادتها.لقد أثبت التاريخ أن العلاقات الإنسانيّة بين الشعوب والثقافات أوسع بكثير من النزاعات والصراعات السياسيّة التي تفرّق بينها. ومهما كانت الخلافات واسعة، فستنتهي في يوم لتخلفها أواصر المحبّة والمودّة المتبادلة والتي تتجلى في الفنون واللغة والأدوات الثقافيّة الأخرى.