في الوقت الذي تجتهد المؤسسات في البلدان الديمقراطية , وفي بلدان أُخرى تسعى لاعادة البناء على اُسس ديمقراطية , لتطوير القوانين والآليات الانتخابية وصولاً الى افضل الصيغ الضامنه لأضافة صوت الناخب الى رصيد مرشحه , تتفق أطراف السلطة في العراق على اعتماد قانون (سانت ليغو ) للانتخابات بعد تعديله على طريقة (عمليات الشد وشفط الدهون ) لتحسين الشكل دون المضمون , ليكون مناسباً لأجنداتها للبقاء في مواقع القرار رغم فشلها في تحقيق برامج التغيير التي بشرت بها المواطن طوال عقد مابعد الدكتاتورية .
الأطراف التي أشتكت من تأثيرات هذا القانون على استحقاقاتها في انتخابات المحافظات , عادت اليه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة دون تذمرلأنه يحقق لها ماتريد , فقد وفر القانون لها مرةً اُخرى , فتح أبواب البرلمان لمرشحيها الفاشلين في الانتخابات ليكونوا نواباً رغم أنف الشعب الذي لم ينتخبهم , وليس أدل على ذلك من اعلان مفوضية الانتخابات للاسماء ( الفائزة ) التي لم تحصل غالبيتها على عدد أصوات يتناسب مع مفهوم ( العتبة الانتخابية ) التي أسقطها القانون المذكور بحجة الحفاظ على فرص مناسبة للقوائم الصغيرة .
رغم كل ذلك دعونا نقدم قراءة أُخرى لنتائج الأنتخابات , نثبت فيها خطأ ادعاءات فوز أحزاب السلطة , استناداً الى الأرقام النهائية التي صادقت عليها مفوضية الأنتخابات , لتكون رداً قابلاً للنقاش وصولاً الى اضاءة المشهد العراقي برمته , بعيداً عن التضليل الأعلامي الضاج بالخطب الرنانه والشماته المقيته المفضية الى الاحتقان والصدام وأدامة الفوضى .
في نتائج العاصمة تبرز أمامنا (6 ) ستة أسماء فقط فائزة بأعلى الأصوات , سنعتمد منها في قرائتنا أقلها حصولاً على الأصوات , المرشح ( فائق الشيخ علي ) عن ( التحالف المدني الديمقراطي ) الذي كان عددالمصوتين له ( 24256 ) , ولانها العاصمة , مصدر القرار السياسي وقاعدته الجماهيرية , سنجد أن هناك أربعة فائزين يمثلون أطراف السلطة هم ( رئيس الوزراء نوري المالكي عن دولة القانون , أياد علاوي عن القائمة الوطنية , محمد صاحب الدراجي عن الأحرار وباقر جبر عن المواطن ) , وخامس الفائزين هو ( مثال الآلوسي ) عن التحالف المدني الديمقراطي , ولأن بغداد التي تصنف رقم واحد في عدد السكان ( 6.7 ) مليون نسمة وبعدد نواب (69 ) نائباً في البرلمان , يكون الناخبين فيها أختاروا أثنين من التحالف المدني الديمقراطي مقابل أربعة من قادة أحزاب السلطة بمافيهم رئيس الوزراء المشرف بكل سلطاته على سير الانتخابات , وقبلها على كامل انشطة السلطة التنفيذية , ومعلومٌ ماذا يعني ذلك في العراق , فهل تعبر هذه النتيجة عن فوز لأحزاب السلطة ؟ , هذه أولى الحقائق .
الحقيقة الثانية , اذا أعتمدنا نتيجة مرشح التحالف المدني ( فائق الشيخ علي ) قاعدة قياس لعموم المحافظات التي هي ( ملعب ) أحزاب السلطة دون ( محافظات كردستان ) , سنجد أن عدد الفائزين من مرشحيهم هو ( 23 ) ثلاثةٌ وعشرون فائزاً فقط ! , وهذا يعني أن هذه الأحزاب بكل ( عُدتها وعديدها ) وطوال عشرة أعوامِ من الهيمنة الواسعة على كل مفاصل الحياة في العراق , لم تستطع أن توصل للبرلمان أكثر من ( 8% ) من مرشحيها , والمثال المضاف الى هذه الحقيقة هو عدم فوز أي مرشح لهذه الأحزاب , وفق قياسنا أعلاه , في محافظة صلاح الدين ! , مع حرصنا على عدم الاشارة الى الاساليب غير المشروعة التي رافقت الانتخابات والتي لم يوجه اي اتهام منها لقائمة التحالف المدني ,ولاننا أعتمدنا على قراءاتنا هذه على النتائج التي أعلنتها المفوضية تحديداً, فماذا تعني هذه النتائج ؟, هل تعني الفوز لأحزاب السلطة ؟ .
الحقيقة الثالثة , ومن أرقام مفوضية الأنتخابات كذلك , هي أن نسبة المشاركة في الانتخابات كانت ( 62% ) , هذا يعني أن هناك ( 38% ) من الناخبين لم يشاركوا فيها , وهؤلاء لايمكن أن يكونوا من أنصار أحزاب السلطة , بقدر مايكونوا من الناقمين على أدائها ومنهم ( المستنكفين ) أصلاً من المشاركة لأعتبارات مختلفة لانريد هنا الخوض فيها , هؤلاء أقرب , ان لم يكونوا في الغالب من أنصار الدولة المدنية التي يمثلها التيار الديمقراطي , وبالنتيجة نقول , ليس مناسباً أن نتهم شعبنا بتهمِ لاتليق بمطلقيها ولابه , وليس صحيحاً أن شعبنا يطالب بالتغيير علناً ويعيد انتخاب الفاشلين لبرلمانه , ناهيك عن الاتهامات الأخرى التي لاتستقيم مع مناهج طموح الشعب للغد الافضل , دون اعتبار لانشطة الاحزاب المهيمنة على مقدراته .
لقد فعل ( جزار الانتخابات ) قانون ( سانت ليغو ) بنسخته المعدلة عراقياً مافعل , ليقدم ( شرائح شهية ) لزبائنه المفضلين على موائد الانتخابات العراقية , بروائح ستزكم انوف الشعب الذي عاقب أحزاب السلطة , عندما أسقط من قوائمهم الانتخابية أسماء كانت تصول وتجول في أروقة البرلمان بجعجعةِ لاطحين منها , ليستبدلهم بمجعجعين جدد على طريقة أسلافهم , ويعيد دورة التضليل والصفقات والتسويف مرةً أُخرى , وستفضح شاشات الأعلام نتائج عملية تسريب الفاشلين الى البرلمان , حين تكون أذرع التصويت على طريقة مسارح الدمى التي يحركها قادة الكتل لتحقيق المكاسب الضيقة على حساب حقوق الشعب وطموحاته بغد أفضل , بعد فصول الدماروالاستهتار والفساد والارهاب .
لكن في هذه المرة سيكون هناك عيوناً أُخرى في البرلمان تراقب الأداء , مع كامرات الأعلام , وتتحمل مسؤولية كشف الصفقات في الدهاليز المظلمة وتحت الطاولات , دفاعاً عن مصالح الشعب الذي لم يعد يثق بالديناصورات وأحزابها , مثلما يفترض أن تكون منظمات المجتمع المدني والأحزاب خارج السلطة وعموم العراقيين , مستعدين للدفاع عن مستقبل البلاد الذي عبثت به أحزاب السلطة الفاشلة , بالنضال السلمي المثابر والفعال لتصحيح المسار .