أخفقت كل محاولات ترويض المقاومة العراقية، كما أخفقت كل محاولات استفزازها. فلا هي ركعت، ولا هي استُدرجت، وظلت في حالتيها تتعامل مع الواقع بالممكن، وتتجنب المستحيل الذي عشنا عليه زمناً، في ظل وضع إقليمي ودولي يشلّ الجميع ويرقص بين يديه الجميع.
لقد بذلت السياسة الأميركية والإيرانية الكثير من الجهد من أجل أن تصل بالعراق إلى سلام مفروض غير عادل ولا قابل للحياة. وبالرغم من كل الوعود التي بذلت، والضغوط التي مورست، والتهديد الذي لوحوا به، فقد احتفظت المقاومة العراقية بموقفها ونجحت قيادتها في أن تتجنب السقوط في الفخين: فخ “الابتزاز” بالتهديد، وفخ “التفريط” بالوعود. فلا التهديد أجدى معها فأخذ منها ما لا تريد أو تستطيع، ولا الوعود قادتها إلى التفريط بالحد الأدنى. وبالرغم من أنها تقف اليوم وحيدة يتفرج عليها العرب ومن الأميركي والإيراني يرتجفون فقد استطاعت أن تحتفظ بكرامتها.
لسنا نزعم أنها ردت الهجمة الاستعمارية على المنطقة بمفردها، فلقد سقطت المنطقة بتلك الحرب اللعينة: حرب الخليج فغزو العراق، تلك التي نعرف اليوم يقيناً أن قاد إليها الخيانة والتواطؤ من نحو، وسوء التقدير وأخطاء الحساب من نحو آخر. ثم كانت مسيرة السلام المحصلة الطبيعية لذلك الزواج غير الشرعي بين خيانة المال وغباء السياسة. وولدت تلك الحرب هذا السلام اللقيط.
المقاومة العراقية في ظل الوضع العربي والإقليمي والدولي الذي آلت إليه المنطقة ويحيط بها من كل جانب، وفي مواجهة إعصار السلام- الفارسي والصهيوني- الذي يجتاحها مُطبِقاً عليها كليلٍ بهيم، على أن المقاومة نجحت في الاحتفاظ بهدوئها وضبط النفس، وما زالت صامدة تثير إعجاب خصومها والأصدقاء على السواء. فلقد تعاملت المقاومة العراقية مع الهجمة الأميركية- الإيرانية بمنطق الممكن بين حديه الأقصى والأدنى، لا بمنطق الأمل والحلم الذي قبرته الهزائم العربية. لم تأخذ بعد شيئاً، ولكنها لم تعطِ شيئاً أيضاً، وما تزال تفاوض على النقطة والفاصلة والحرف بصبر عجيب يشهد لها مفاوضها بالبراعة. ونحن على يقين من أنها لم تفرط بذلك الحدّ الأدنى من الممكن الذي تفاوض عليه، وأنها التي تعطي لمفاوضات السلام بموقفها نكهة الكرامة، لا الاستسلام والهوان.
المقاومة العراقية : انتصار الذئاب على غدر الكلاب..؟! بقلم د. أحمد النايف
آخر تحديث: