هكذا هو ديدن الأمريكيين حين يحكمهم الديمقراطيون عادة فهم أقرب الى الحلول السلمية للمشاكل دون رغبة في التوجه الى مواجهة مباشرة مع الخصوم ويكفيهم الجدال والمفاوضات عن الصدام الذي لايجدون له مبررا عادة، هذا كان حالهم من أيام كارتر وعملية السلام بين العرب والإسرائيليين، وتعاملهم مع قضية إحتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية بطهران إبان إندلاع ثورة الإسلاميين في العام 1979 ، ولم يترددوا في حل معظم الأزمات عن طريق الحوار وتوكيل آخرين نيابة عنهم، فهم مع طهران في حال من النزاع البارد، ومع الروس والصينيين في أكثر من نقطة صراع حول العالم، وتعرضوا لإنتقادات عنيفة من خصومهم الجمهوريين الذين يرون في الغلظة والشدة فرصة أكبر لتحقيق مكاسب على الصعيد السياسي، لكن ليس من الحكمة نفي العنف عن الديمقراطيين فهم أيضا مارسوه، ولكن بطريقة أقل حدة، وكانوا في العادة يعتمدون أسلوب الضربات المحدودة كما فعلوا مع نظام صدام حسين في عهد الرئيس العاشق بل كلنتون، ثم مافعله أوباما حين سحب القوات من العراق، وشرع بسحب قوات كبيرة من أفغانستان، ومارس الحصارات مع بعض الدول المتمردة كإيران وسوريا وكوريا الشمالية، لكنه لم يعبر الحد الفاصل بين النهج الديمقراطي التقليدي ونزعة الجمهوريين الى التشدد والحروب والغزوات التي حولت أمريكا الى ثور هائج يضرب بقرنيه، لكنه لايأمن طعنات الرماح من هنا وهناك.
قد يكون عنوان ( موسم الحج الى طهران) ليس بالبدعة في عناوين الكتابة لكنه موضوع يتكرر من حين لآخر وكلما حصل نزاع في الشرق الأوسط، حيث يستمر الإيرانيون في سياسة براغماتية تتجاوز العلاقة مع الجيران العرب لتكون نوعا من الصفقات مع الأبعد القوي بينما على العرب أن يوافقوا على شروط لعبة تفرضها طهران، وهذا ماحصل أخيرا بعد جملة تطورات دولية وإقليمية ونزاعات تصاعدت كانت إيران وعلى الدوام حاضرة فيها ولم تجد الولايات المتحدة والغرب بدا من التراجع عن تعنت سابق في رفض مشاركة طهران في أية فعالية لحل تلك الأزمات حتى مع ضغط السعوديين الذين أصروا على رفض حضور الإيرانيين لمؤتمر جنيف 2 حول سوريا ثم هاهم يطلبون من وزير الخارجية محمد جواد ظريف أن يشرفهم بزيارة، بينما يحج الزعماء الآخرون الى طهران بدءا من قادة الإمارات وسلطان عمان، ثم أمير الكويت الذي وقع مايقرب من ثمانية إتفاقيات في مختلف المجالات مع المسؤولين في طهران.
هذه التحولات تفرض رؤية مغايرة للأحداث ولضرورات المرحلة، ولطبيعة التعامل مع الخصوم، فمع الرفض السعودي لأي مشاركة إيرانية في موضوعة سوريا، ووضع شروط تجاهلها حتى الحلفاء التقليديين للرياض كانت طهران تمضي قدما في مشاريعها، بينما يجد العرب أنفسهم بعد مدة يتوسلون نظراءهم في طهران لفتح صفحات جديدة من العلاقات، ولايتورعون عن النظر بتعجب لنظرائهم الأمريكان، وهم يطلبون منهم أداء فريضة الحج في طهران.
أداء فريضة الحج في طهران … بقلم هادي جلو مرعي
آخر تحديث: