متابعة شبكة أخبار العراق / شهادة مطولة كتبها واحد من صناع السياسة الأميركية، عمل لسنوات في كواليس المنطقة الخضراء والسفارة ببغداد،واستقال كما يذكر، بعد شهر من حصول نوري المالكي على ولايته الثانية. أنها تعتبرها واحد من أبرز الأوراق الأميركية التي جرى إفشاؤها في ملف العراق الجديد. وهي تستوعب أبرز مفاصل الجدل المثار حول نهج المالكي، وتقدم تفاصيل مهمة حول الطريقة التي ينظر عبرها الأمريكان
إلى الأمور، وكيف يختلفون، والعوامل التي تفرض الرأي النهائي داخل صراع مؤسسات القرار”.عرفتُ المالكي، أو أبو إسراء كما يناديه المقربون إليه،. عندما كان المالكي عضوا غير معروف في البرلمان، كنت أنا بين الأميركيين القلائل في بغداد الذين يتلقون اتصالات هاتفية منه. في 2006 ساعدت في تقديمه إلى السفير الأميركي وأوصيت به كخيار واعد لرئاسة الوزراء. في 2008 قمت بترتيب إخلائه الطبي عندما أصيب بمرض ورافقته للعلاج في لندن وكنت أقضي معه 18 ساعة يوميا في مستشفى ولنغتون. في 2009 ضغطت على الأسر الحاكمة المتشككة في المنطقة من أجل دعم حكومة المالكي .
ولكن بحلول عام 2010 ، كنت أحث نائب الرئيس الأميركي وكبار مسؤولي البيت الأبيض على سحب دعمهم للمالكي، حيث أدركت أن بقاءه في السلطة سيخلق حكومة استبدادية و طائفية ومثيرة للانقسام تمزق البلاد و تدمر المصالح الأميركية، إلا أن أميركا تمسكت به، وكانت النتيجة أننا نواجه اليوم اندحارا استراتيجيا في العراق وربما في الشرق الأوسط كله .
.و كان المالكي أحد الأصدقاء. كان يختبرني بشأن الخطط الأميركية للشرق الأوسط، و يتزلف إلي من أجل معرفة المزيد عن دهاليز المنطقة الخضراء . كانت تلك الأيام المبكرة منهكة
ثم وقعت الكارثة، فخلال ولاية الجعفري القصيرة تصاعدت التوترات العرقية الطائفية بشكل كارثي. فقد كان القادة الشيعة الجدد يعدون خطط الانتقام من السنّة، ما نتج عنه قصص مرعبة عن التعذيب والاغتصاب وغيرها من الانتهاكات
بعد تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء في شباط 2006 ،. رفض الجعفري مبدئيا مقترحات الأميركان بفرض حظر للتجول بعد تفجير سامراء، و أصر على أن المواطنين بحاجة إلى التنفيس عما يكبتونه، ما سمح بحرب أهلية و تطهير عرقي على نحو فاعل . قررت واشنطن أن تغيير القيادة كان ضروريا. بعد الاستفتاء على الدستور في كانون الأول 2005 ، دقق مسؤولو السفارة الأميركية في النخبة العراقية بحثا عن قائد يمكنه سحق المليشيات الشيعية المدعومة من ايران، ومحاربة القاعدة وتوحيد العراقيين تحت راية وطنية وحكومة جامعة. كان المالكي الشخص الوحيد الذي كنا نعتقد بأن لديه فرصة لكسب دعم جميع الفصائل العراقية ، و كان يبدو لنا قائدا حيويا . اعتقدنا بأنه سيكون مقبولا من الإسلاميين الشيعة ، و من نصف السكان تقريبا؛
قمت أنا وبيلز و زملاء آخرون بمناقشة الخيارات مع السفير الأميركي زلماي خليلزاد الذي قام بدوره بتشجيع القادة الوطنيين المتشككين اليائسين على دعم المالكي . في البداية تفاجأ المالكي الذي كان يرأس كتلة صغيرة من البرلمانيين بالمناشدات الأميركية لكنه انتهز الفرصة واصبح رئيسا للوزراء في 20 مايس 2006 ، و تعهّد بأن يقود عراقا قويا موحدا .كان المالكي الحاكم الرسمي للعراق، لكن مع إدامة زخم القوات الأميركية في 2007 ووصول السفير رايان كروكر والجنرال ديفيد بترايوس إلى بغداد، لم يعد هناك شك في من يحفظ الدولة العراقية من الانهيار . كان كروكر وبترايوس يلتقيان كل يوم بالمالكي لعدة ساعات على مدى سنتين تقريبا. بعكس منافسيه،
بعد أن عارض المالكي في البداية تسليح و تمويل المقاتلين السنة ، فانه رضخ بعد ضغط شديد من كروكر وبترايوس ، لكن بشرط أن تسدد واشنطن الفاتورة. بعدها وافق على توظيف وتمويل بعض مقاتلي العشائر إلا انه لم يف بالكثير من وعوده لهم حيث تركهم عاطلين عن العمل وساخطين وعرضة للتطرف .بعد أن استقر في السلطة بحلول 2008 ، و مع هدوء النصف الشمالي من البلاد ، كان المالكي يتقدم في عمله و يعقد اجتماعات مع الرئيس جورج دبليو بوش عبر دائرة تلفزيونية مغلقة. خلال تلك اللقاءات الحميمة التي كنا نجلس خلالها بهدوء أمام الشاشة، كان المالكي غالبا ما يشتكي من عدم امتلاكه ما يكفي من الصلاحيات الدستورية ومن برلمان معاد له، بينما كان بوش يحثه على الصبر و يوضح له أن التعامل مع الكونغرس الأميركي لم يكن سهلا .
مع ذلك، لم يكن المالكي ييسر الأمور دائما، فبعد أن كان مشحوناً بنظرية المؤامرة خلال عقود ملاحقته من قبل مخابرات صدام ، صار مقتنعا بان منافسه الشيعي مقتدى الصدر كان يسعى لتقويضه..مع تعهد إدارة أوباما بإنهاء حرب بوش “الغبية “، ومع إيلاء الاهتمام المستمر للأزمة الاقتصادية العالمية، انتهز المالكي الفرصة وبدأ بحملة منسقة لتدمير الدولة العراقية واستبدالها بمكتبه الخاص وحزبه ، حيث قام بطرد القادة العسكريين المحترفين واستبدالهم بآخرين موالين له، وأجبر رئيس القضاء العراقي على منع منافسيه من المشاركة في انتخابات آذار 2010 . وبعد إعلان النتائج و خسارة المالكي أمام التحالف المعتدل المدعوم من الغرب ( العراقية) الذي كان يضم ممثلين عن كافة المجموعات العرقية – الطائفية الرئيسية ، أصدر رئيس القضاء حكما منح المالكي فرصة أخرى لتشكيل الحكومة، ما زاد من التوترات والعنف .
خلال لقاء في بغداد مع وفد من مجلس العلاقات الخارجية بعد انتخابات 2010 بوقت قصير ، أصر المالكي على أن الانتخابات قد تم تزويرها من قبل الولايات المتحدة و بريطانيا والأمم المتحدة والسعودية. أثناء خروجنا من جناح رئيس الوزراء قال لي أحد المدراء التنفيذيين – ووالد أحد رجال المارينز – متسائلا: “هل تضحي القوات الأميركية بنفسها ليبقى هذا (….) في السلطة ؟
مع امتداد الأزمة السياسية لعدة أشهر، طلب مني السفير الجديد ، جيمس جيفري ، العودة إلى بغداد للتوسط بين الفصائل العراقية . حينها أصبت بصدمة عندما رأيت أن معظم النجاح الذي تحقق عن إدامة الزخم قد تبدد على يد المالكي وغيره من قادة العراق . من جانبهم تساءل الكرد كيف يمكن أن يبقوا جزءا من عراق عاجز تسبب في مقتل مئات الآلاف من أبناء شعبه منذ الثمانينات ؟
شعر العرب السنة، الذين تجاوزوا الانقسامات الداخلية لتشكيل ائتلاف العراقية العلماني مع الشيعة و الكرد والتركمان والمسيحيين، بالغضب عند الطلب منهم التنازل عن رئاسة الحكومة بعد تهاوي القاعدة والفوز في الانتخابات . حتى القادة الإسلاميون من الشيعة عبروا عن عدم ارتياحهم من مسار العراق في ظل المالكي، مع إطلاق الصدر لقب “الطاغية “عليه، و ربما الأسوأ من كل ذلك أن الولايات المتحدة لم تعد تنظر إليه كوسيط نزيه .
. عن: “واشنطن بوست”