حميد الشاكر
يبدو ان لعبة السيد ((نوري المالكي)) رئيس وزراء العراق المنتهية ولايته ، والتي حاول فيها الانقلاب على التجربة العراقية السياسية المنبنية بعد عام 2003 م من خلال صنع الازمات لها وتوظيف المال العام لحشد الانقلابيين ضدها و ….الخ ، قد شارفت على الانتهاء بعد ان باءت (( اللعبة الانقلابية المالكية)) بفشل ذريع من خلال تماسك البنية السياسية العراقية (رغم صعوبات الضربة الموصلية ) وعودة تنسيق مفرداتها ودعائمها من جديدفي انتخاب رئاسة مجلس النواب التي عادت مشاركة فاعلة للمكون السني العراقي ومن خلال انتخاب رئاسة للجمهورية التي هي عادت ايضا لتجر
خلفها المكون الكردي كفاعل رئيس في العمل السياسي مابعد حكم الدكتاتورية البعثية، مما يعني : ان كل ما بذله الانقلابيون على التجربة السياسية العراقية قد ذهب ادراج الرياح ، وهم يحاولون خلط الاوراق وصناعة الفوضى وافشال مشروع الدولة وافراغ مؤسساتها من العمل الجماعي و…. الخ ، للاستفراد بالسلطة تحت الضغط ، والابتزاز وارهاب المجتمع العراقي !!.
نعم بعد انتخاب رئاسة البرلمان والجمهورية في العراق يمكننا القول ان اللعبة قد خرجت من يد تفرد السيد نوري المالكي وحزبه (( الذي حاول الاستئثار بها ، واقصاء الاخرين عنها ، وادخال البلد بقانون طوارئ يضمن تعطيل الدستور ……..الخ )) لتعود بتوزيعها الطبيعي للسلطة لتكون بيد اطراف متعددة هي التي ستحكم من الان فصاعدا بمشاركة الافرقاء السياسيين على : من هي الجهة التي سوف تقوم بمسؤولية تشكيل الحكومة العراقية القادمة ؟!. ،وكيف يمكن انتخاب رئاسة للوزراء (مقبولة وطنيا) ومنسجمة مع كل الاطراف المشكلين لهذا المشروع ؟!!.
والحقيقة كان ليكون شيئا مرعبا نعيشه الآن ، لو قدر للانقلابيين ان ينجحوافي عرقلة انتخاب الرئاسات البرلمانية والجمهورية فعلا ولم يزل شيئا مرعبا لو قدر ، واستطاع الانقلابيون تمرير الولاية الثالثة للمالكي تحت اي ذريعة او مبرر او خدعة او …… مع قلة حظوظهم في ذالك بعد انتخاب رئاسة البرلمان والجمهورية ، وما تفرضه من مسارات مغايرة ، لمشروع الانقلابيين، ولكن ومع ذالك ليس مشكلة العراق ، وتجربته السياسية اليوم تنحصر في مشروع انقلابي قاده رجل وحزب (خدع الشعب العراقي بشعاراته البراقة) ذهب بعقولهم وايمانهم وقلوبهم حب السلطة ،
والتكالب على مغانم ومفاسد الدنيا حتى غامروا باستقرارالعراق وشعبه وغامروا بنشر الفوضى وحتى غامروا بتسليم داعش الارهابية الموصل وماحولهامن غرب وشمال البلد املاً منهم بارغام العراقيين على تبني ، وبناء دكتاتورية جديدة توفر لهم : الاستمرار في السلطة ، والتمتع بمفاسدها والحماية من المسائلة والملاحقة القانونية على ما ارتكبوه من استهتار ، واجرام وتبذير وهدر للمال العام و .. الى ما لانهاية من الزمن والتاريخ !!.
لا طبعا الانقلابيون والفاشلون والفاسدون والارهابيون والداعشيون والبعثيون النقشبنديون …الخ ليسوا هم كل المشكلة العراقية القائمة ،بل يمكن القول انهم جزء من المشكلة العراقية القائمة منذ 2003م حتى اليوم ، اما الجزء الاخر من المشكلة العراقية ،والتي يبدوا انها الجزء الاهم فهي تلك الاخطاء التي تراكمت بشكل اصبح يهدد مصير الشعب العراقي ككل من خلال تكثيف تكراره بصورة توحي بالقصدية والعمدية لاجترار هذه الاخطاء ومن ثم تكرارها لفترة عشرة سنوات متوالية من عمر التجربة السياسية العراقية !!.
والحقيقة تنوعت الدوافع والاسباب والمبررات و……. خلف اجترار الاخطاءالكارثيةمن قبل سياسيي العراق في العشرسنوات المنصرمة ، وربما كان الفشل والجهل ، وربما كانت القصدية والعمدية لاسقاط التجربة السياسية العراقية هي التي تقف خلف اجترار ، وتكرار هذه الاخطاء القاتلة ، ولكن وعلى اي حال كانت (ظاهرة) اجترار وتكرار الاخطاء من اهم وابرز ( الظواهر السياسية ) ، التي صاحبت العمل السياسي العراقي منذ اسقاط الطاغوت صدام حسين ، حتى اللحظة الراهنة !!.
وعلى هذا الاساس لا يمكن لنا الحديث عن ازاحة كابوس الانقلابيين والفاشلين ، والمتآمرين ، ومؤامراتهم السياسية على العراق بمعزل عن الحديث عن عدم تكرار الاخطاء الماضية ، التي تسببت بهذا الكم الهائل من الاضرار للعراق في كل مفاصله السياسية ، والاقتصادية والاجتماعية …وحتى الفكرية العقدية ، بل لايمكننا الحديث حتى عن اجتثاث داعش والارهاب وصناعة الاستقرار المجتمعي واعادة لحمة العراقيين داخليا ، ودفع التدخلات الخارجية في الشأن العراقي بدون الحديث الواضح والمعمق والجدي عن الاخطاءالمتراكمة واجترارها التي ((خدمت )) الارهاب والبعث اكثر
من اي شيئ اخر !!.
والواقع ان من اهم الاخطاء ، التي مورست ، ولم تزل داخل العملية السياسية العراقية منذ 2003م ، وحتى تاريخ العراقيين اليوم يمكن تلخيصها بالمحاور او النقاط التالية :
اولا : غياب الكوادر القيادية ، والادارية ، التي تتمتع برؤية سياسية تدرك : ماهية مشروع الدولة ، وكيفية صناعة مؤسساتها القانونية التي تتمكن من النهوض ، والتحرك بشكل انسيابي وديناميكي وذاتي ديمقراطي غير معتمدة(هذه المؤسسات داخل الدولة)على الاشخاص وتوجهاتهم الحزبية الفئوية اوالقومية او الطائفية !!.
ثانيا : ما ترتب على الخطأ الاول ((غياب قيادات تعي مشروع الدولة ، وكيفية صناعة مؤسساتها )) ، وهو ان هذا الغياب وّلد حالة فقدان بوصلةعمل قيادات مؤسسات الحكم داخل هذه الدولة ماجعل السلطة التنفيذية (( مثلا )) او السلطة التشريعية او السلطة القضائية او …. والقائمين على قياداتها لايكتفون ، او يلتزمون بقيادة زمام سلطاتهم الدستورية بحدودها المنصوص عليها قانونيا بل يطمح كل منهم (( بسبب الجهل السياسي او بسبب غياب الضمائر الوطنية )) الى لعب دور (( الدكتاتور )) ، الذي يمتلك شمولية في الصلاحيات السياسية التي لاتحدها حدود ، او دور (( التابع
للدكتاتورية )) واللاهث وراء مغانمها ، مما جعل السلطة التنفيذية تتدخل بعمل السلطة التشريعية ،وجعل السلطة القضائية تابعة للسلطة التنفيذية ومؤتمرة بامرها … وجعل السلطة التشريعيةتحاول ان تاخذ دورالسلطة التنفيذية وتغادر تماما وظيفة دور الرقابة والتشريع وسن القوانين و ….هكذا ، حتى وصلنا تقريبا الى انتاج ((دمج مؤسساتي تحول الى طاغوت سياسي شخصي))استطاع خلال عشرسنوات من عمرحكم التجربة السياسية العراقية ان يخرب ويزيد المخاوف ويصنع الازمات.. اكثر من قدرته على صناعة مشروع دولة يضمن وحدة المجتمع والاستقراربداخله وقوة مؤسساته وتحصين
جبهة الوطن والشعب الداخلية !!.
ثالثا : عدم الايمان والالتزام بالدستور العراقي
وهذه ايضا من ضمن الكوارث التي لم تزل قائمة وبقوة داخل العمل السياسي العراقي الجديدفتقريباومن خلال مراقبة كل العمل السياسي العراقي على مدى عشر سنوات مضت ، لانكاد نرى قادة سياسيون مؤمنون حقا بالدستور العراقي الذي (( هو العقد الاجتماعي الوحيد بين جميع العراقيين لعيشهم المشترك من جهة ، والعقد الاجتماعي الاخير الضامن لوحدة هذا البلد )) !!.
فالدستور العراقي وخاصة بعداستفتاء الشعب وحصوله على موافقة هذا الشعب وامضائه له لم يعد هو الوثيقة ، التي بالامكان الاختلاف عليها ، او تعطيل تفعيل موادها سياسيا من قبل قادة البلاد وان كان هناك الكثير من الملاحظات على بعض فقرات الدستور هنا او هناك لكن هذا لايعني مطلقا ان ياتي صاحب السلطة التنفيذية (( كما حصل بالفعل في ولاية السيد المالكي الذي ينظر للدستور على اساس انه مؤامرة على وحدة البلادعندما تتضمن فقراته حق اقامة الاقاليم لكل ثلاثة محافظات )) ، او عندما يعطي الدستور حق الحكم الذاتي لهذا الاقليم داخل الدولة العراقية او ذاك !!.
فمثل هذه الاجتهادات ( قبالة نص الدستور ) يعتبر خطأ لا يغتفر ابدا لاسيما من قبل السلطة التنفيذية((مثلا)) باعتبارها سلطة قائمة على وظيفة التنفيذ اكثر من اعتبارها ممتهنة لوظيفة تشريعية او افتائية تفسيرية قضائية في هذه الفقرة او تلك !!.
رابعا: من الاشكاليات والاخطاء القاتلة التي اجترتها حكومة المالكي المنتهية ولايتها هو((اللعب بالنار الطائفية وامتهان الخطاب الطائفي للكسب السياسي والحزبي )) !!.
والحقيقة ان في كل الدول الحديثة ، وحتى في تلك الدول التي اعلنت تجاربها السياسية من منظورات اسلامية حداثوية كالتي قائمة اليوم في جمهورية ايران الاسلامية تجرّم او تحرّم هذه الدول مطلقا تبني اي قيادي داخل منظومات مؤسسات هذه الدول لاي خطاب طائفي او قومي داخل الدولة !!.
وهذا نابع طبعا من ادراك هذه الدول الحديثة ، لمشروع الدولة مابعد العصر الصناعي ، وكيفية صناعة خطاب المواطنة فحسب داخل هذه المؤسسات في الدولة الحديثة !!.
وعلى هذا الاساس((تجرّم)) هذه الدول على المنظوين داخل خدمتها السياسية او الاقتصادية او التربوية او الاجتماعية او …. ان يطلقوا اوينطلقوا من اي خطاب اواسلوب تفكير متاثرباي عنوان غيرعنوان الدولة ومواطنيها لان هذا الخطاب سواءكان قوميا اوطبقيا او طائفيا او فئويا اوحزبيا او… هو بالنتيجة مناقض لروح الدولة الحديثة من جهة ، وضد كل اهداف هذه الدولة في وحدة الاوطان ، والمجتمعات داخلها من جانب اخر ثانيا ، ولهذا فكل خطاب باسم مكون ينطلق من داخل الدولة العراقية اليوم او غدا او ينطلق باسم قومية ، او طائفة او… هو خطاب ينبغي ان يجرّم لتهديده
للسلم الاهلي الداخلي ووحدة المجتمع داخل هذه الاوطان !!.
ولا يمكن ، لاحد من العالمين ان يقيم مشروع دولة حداثوية عصرية ناجحة وهو ينطلق من اساليب تفكير مدمرة لروح الدولة !!.
فالحذرالحذرمن خطاب يغامربنجاح مشروع دولةهي الضامن الوحيد اليوم لاستقرار بلد ، وشعب كالعراق في سبيل كسب حزبي او طائفي بغيض لايجلب للعراقيين غير الانقسام ، والضعف وانتصار حركات وتيارات الارهاب والتطرف عليه !!.
خامسا : من الاخطاء المميتة للتجربة السياسية العراقية ، هو التلكؤ المتعمد عن بناء مؤسسات الدولة والاكتفاء بادارة السلطة السياسية من خلال الافراد !!.
وهذا ايضا خطأ لايمكن تجاهله ، اذا اردنا للتجربة السياسية العراقية ان تنهض باعبائها السياسية ، والعسكرية ، والامنية ، والاقتصادية والاجتماعية و ….. وغير ذالك !!.
فمؤسسة كالمؤسسة العسكرية( مثلا ) ، او الاقتصادية او الامنية او ….الخ اذا ما اُريد لها ان تقوم بوظائفها الدفاعية او الامنية الوطنية فسوف لن يكون حليفها الا الفشل حتما ، اذا لم تتحرك ، وتنطلق من خلال قواعدها المؤسساتية (( المرتبطة بالدولة )) وشرعيتها وليس بالافراد ومايمثلونه من مكون او طائفة او دين او طبقة او حزب !!.
وهذا طبيعي في سياسةاي مؤسسة حديثةوارتباط نجاحها بالشرعية وليس بالافراد او الجهات فلايمكن لشعب ان يقبل بمؤسسة عسكرية او امنية او اي مؤسسة تريد ان تزاول عملها المهني وهي منضوية تحت اي عنوان سوى عنوان المؤسسة والدولة ، والعراقيون ربما يدركون الان لماذايسمى جيشهم البطل والمضحي ب((جيش المالكي )) ؟، وكيف ينبغي عليهم ان يعالجوا((هذا الخلل)) ليس في مؤسسة الجيش فحسب ، بل بجميع مؤسسات الدولة التي يُراد لها ان تستقل بعملها المؤسساتي عن الافراد ، والاشخاص ، والاحزاب ، والهيئات والطائفيات والقوميات و ……. اولا ، ولتحظى بالشرعية والمقبولية
الاجتماعية والنجاح والقوة والتماسك و …. ثانيا !!.
انه لضعف كبير وعظيم وخطأ جسيم التلكؤ وعدم الاسراع في انجاز بناء المؤسسات (( المنفصلة )) عن كل العناوين سوى عنوان دولة المواطنة داخل التجربة العراقية القائمة ما بعد 2003م ، وانه لخطأ لايدرك بشاعته وخطورته وكارثيته ، الا المدركون لماهية الاشكالية العراقية السياسية القائمة تاريخيا وحتى اليوم الابطاء في بناء هذه المؤسسات العاملة بالدفع الذاتي داخل الدولةالعراقية والاعتمادعلى مفردات الدولة التقليدية الاكلاسيكية المعتمدة على الفرد او المكوّن او الطائفة او القومية او الطبقة !!.
نعم كارثة ستحل بالخراب على جميع مكونات ، وطوائف ، وقوميات الشعب العراقي وتجربته السياسيةاذا بقي مفهوم الدولة ومؤسساتها رهن الشعارات اوالمحاصصات الطائفية والقومية لانه لايمكن قيادة بلد متنوع ومتناشز ومتخاصم و…..وضبط امنه والدفاع عنه وتنمية اقتصاده والنهوض بتعليمه و ..الخ بدون ان يكون على راس قيادته مؤسسة تحمل عنوان الدولة ولا تحمل اي عنوان اخر !!.
يمكننا في الواقع كعراقيين ومهماتنوعت انتمائاتنا القومية والطائفية والحزبية ، والطبقية …، ومهما تنافرت مصالحنا وتناشزت رغباتنا وتطلعاتنا ، وتناقضة سياساتنا ان نتفق على شيئ لا يمكن الاختلاف عليه ، وهو قيام مؤسسات دولة حديثة تحكم من خلال نظام ودستور وقانون ( يجرّم ) دخول اي لغة لقيادة مؤسسات هذه الدولة غير لغة ((مشروع الدولة ، واهدافها الحديثة ))في الدفاع عن الوطن وتنمية وعمران بنيته الاقتصادية ، والتطلع لتماسك وحدة مواطنيه الفكرية والاجتماعية !!.
هذه بعض الاخطاء ، التي تكررت ، ولم تزل قائمة في تجربة العراق السياسية بعد الدكتاتورية ، نتامل في الدورة السياسية القادمة مابعد ازاحت المالكي وحكومته الفاشلة ان تؤخذ بنظر الاعتبار كي لاتتكرر الاخطاء ، ويبقى العراق وشعبه ممزقا ضعيفا تائها لايدرك مشروعا ولا طريقا نحو المستقبل !!.
اولا : قيادة تعي وتفهم وتدرك كيفية صناعة مشروع الدولة .
ثانيا : فصل سلطات مقنن ومحدد .
ثالثا : احترام دستور باعتباره (( وثيقة عقد اجتماعي مقدس)) غير خاضع لاي اجتهاد سياسي كان ، ويمكن تغييره او تعديل فقراته من خلال ارادة شعب ، وليس من خلال اجتهاد فرد ، او حزب او فئة او مكون !!.
رابعا : تجريم الخطاب الطائفي ، والقومي ، والطبقي ، والفئوي و… ((داخل مؤسسات الدولة قانونيا )) ، وترك حرية التعبير ، والانتماء الطائفي والقومي والطبقي والايدلوجي ……الخ للحياة المدنية خارج مؤسسات الدولة !!.
خامسا :(بناء المؤسسة) السياسية والعسكرية والامنية والاقتصادية والتربوية والتعليمية والاجتماعية و… لقيادة المجتمع داخل التجربة العراقية السياسية والاطاحة بكل عناوين والوان التسلق الدكتاتورية الفردية للاستحواذ على هذه المؤسسات داخل الدولة !!.