عدنان الحلفي
بدأت خارطة الشرق الأوسط تتغير بشكل دراماتيكي منذ الحرب الأمريكية لتغيير النظام العراقي في نيسان عام 2003 . أحداث صاخبة غيرت الشارع العربي وقلبت تفكيره وأنظمته السياسية على عقب ورفعت طوق الدكتاتوريات التقليدية التي بالغت في تجهيل الناس ومصادرة حرياتهم وتغييب العدالة الأجتماعية لعقود طويلة . أنفجرت البيئة العربية وتقيأت سمومها التي راكمتها الدكتاتورية وحكم التقليد الديني الطوطمائي المتماهي مع الأنظمة السياسية فكانت الحركات الاسلامية المتطرفة تعلن عن وجودها .
من طبيعة البشر يعود الى جذوره في التقاتل والتقسيم العرقي والأثني في حال مروره بأزمات مجتمعية كارثية وهكذا حولت الحركات الارهابية المتطرفة من خلال الفكر التبريري بأستخدام اللعب على الالفاظ واللغة والافكار ولوي المعاني بمايخدم المنهج الأجرامي المتطرف الذي قاد الحركة السياسية وتصدر المشهد السياسي في جميع الدول التي حل بها التغيير .
للأسف جاء التطرف من أعماق الحركة السلفية التي تتخذ من دول غنية حواضن راعية لها وممول كريم فتح لها خزائن التجارة والنفط والسلاح فحلت الكارثة بكل العالم العربي وتخطته الى العالم الغربي . انقسم العالم العربي الى جذوره العقائدية سنة وشيعة ونصارى واقليات ومن ثم انقلب الى شيعٍ مسلحة متناحرة متقاتلة تنتهج الجريمة المنظمة والقتل على الهوية والتخريب وحرق المدن أشبه بطاعون اوكارثة وبائية تجتاح هذا العالم المغلوب على أمره والذي لم يرالاستقرار والنوروعرف الكوارث والذبح منذ غزوة هولاكو لبغداد عام 1258 ميلادية الى غزوة ابوبكر السفاح الى مدينة الموصل الأثرية . عاث في المدينة قتلاً وذبحاً لجنود الدولة والنصارى والشيعة والأيزيديين و السنة المعترضين تحت يافطة ملوثة بالدماء وضع عليها ختم النبي محمد وشعار الأسلام . لم يتوقف هذا الطاعون عند حدود الدول في الشرق والغرب وفي كل بقعةٍ من الأرض وُجد له اصبعُ أو يدٌ ضاربة .
مفاتيح العرب
انشطر العرب وانقسموا على أنفسهم وضيعوا بوصلتهم وحاروا في مواجهة فكر متمرد مارد كارثي تكفيري خرج من تحت عباءاتهم ورعايتهم لسنين ٍعدة . يقول الكاتب المخضرم محمد حسنين هيكل في لقاء مع جريدة الاهرام “ان مايجري في العالم العربي هو سايكس بيكو جديد سيقسم المنطقة بين الاتراك والايرانيين والمصالح الاوربية والامريكية” . ورغم أن نظرية المؤامرة بعيدة عن حقيقة صناعة داعش والقاعدة وأخواتها حيث ظهرت هذه الكوارث بأموال عربية نفطية صرفة وفكر طوطمائي جامد مستبد لايقبل النقد والحذف والشطب والتطوير بل يُفرض بقوة السيف والقانون والترهيب والترغيب على قطاعات واسعة من مجتمع العرب في دولهم الواحد و العشرين وماتبعها من العالم الاسلامي . الا أن المتآمرون ركبوا موجة هذا الوباء وحالوا توجيهه باتجاه الحفاظ على المصالح والاستفادة من الضعف العربي وهذاالطاعون المصنع اسلامياً لتغيير خارطة المنطقة .
هذه الخارطة أظهرت خلال اكثر من نصف قرن مشاكل مضنية وصداع لدولة اسرائيل (الديموقراطية) وهذا العالم اللاموحد المتخلف لايعرف الدخول الى بوابة الحضارة والديموقراطية ، ومايزيد الأمر حوافز على تغيير هذه المنطقة هي الأحتياطي الكبير من طاقة النفط الرابظ فوقها والتي زادته تخلفاً ، لا بل وُلدت فوق أراضيه نتيجةً لعشوائية الحياة والفكر المتشدد واضطهاد الأقليات والدكتاتورية ومصادرة الرأي الاخر عصابات تهدد الأمن والسلم العالميين . تنتهج هذه العصابات فلسفة غريبة مبررة افعالها باستنساخ بدايات نشر الفكر الأسلامي وسط جزيرة العرب مما أدى الى تشويه اهم مدخرات العرب وهو الفكر والدين الاسلامي .
الدول العربية منذ انفصالها عن الدولة العثمانية ومن ثم استقلالها عن الدول الاوربية لم تقدم نموذج الدولة المدنية التي تحترم القانون وتحترم شعوبها وتنشغل بالتنمية وتحسين الاداء والقانون واحترام حقوق الانسان . على العكس من ذلك قدمت تركيا وايران نماذج دولة مدنية لم تكن بمستوى الدول الاوربية الا انها أفضل من دول العرب وحققت الحد الأدنى من التنمية والاستقرار السياسي والاقتصادي . بقناعتي الدول الغربية باتت مقتنعة بفشل الدولة العربية– دول سايكس بيكو – لذلك لم تعد تنظر الى حدود سايكس بيكو كحدود مهمة وهنا تتوضح اسباب التدخل العسكري في كل من العراق وليبيا ودعم الحركات الاسلامية في تولي السلطة بعد موجة التمرد العربي مثل حركة اخوان المسلمين في مصر .
المستنقع العربي سهل غير ممتنع لنمو التيارات المتطرفة لعدة أسباب منها:1- ضعف التيار الليبرالي العربي وعدم امتلاكه لجمعيات وأحزاب عاملة داخل المجتمع العربي وجاهزة لاستلام السلطة بعد تهاوي الدكتاتورية 2- التجهيل والتخلف ومصادرة الوعي العربي من قبل الرؤساء العرب جعل الناس تتوجه الى مدخراتها الدينية بجهالة وفهم خاطيء للدين بخيارين كلاهما سيء وهما التطرف والخرافة . هنا حدث انحراف فلسفي لفهم الحياة بشكل عام وحصل انهيار فكري للمفاهيم والقيم والاخلاق واحترام القانون واحترام العمل الى حدٍ ما في عموم المجتمع العربي . من هنا نرى الحكومات التي جاءت بعد التغيير الصادم كانت فاقدة للوطنية والنزاهة في ادارة شؤون البلد ، تحول المجتمع العربي من البيئة الدكتاتورية الى البيئة الفوضوية وقدرة الحركات الاسلامية المتطرفة على اختراق الاجهزة الامنية والعسكرية للدول .
التغييرقادم
يسود في الوطن العربي وخصوصاً قبل التغيير مبدأ سيطرة شريحة واحدة من المجتمع وعادة ما تكون شريحة الرئيس وهذا ما صنع فجوة كبيرة بين الانظمة السياسية وشعوبها . الأقليات في الوطن العربي فاقدة لكل حقوقها المدنية بعد كل هذه المراحل الفوضية وطرح الوطن العربي مرة أخرى على مائدة التقسيم نرى موازين القوى السياسية والاجتماعية بدأت تتغير ، فصعود نجم الحوثيون في اليمن ، واستلام الحكم من قبل الشيعة في العراق والوزن السياسي والعسكري لحزب الله في لبنان ينذر بصعود محور سياسي كبيريضعف المحور التقليدي في الوطن العربي الذي لايعترف بالاقليات ويصادر حقوقها .
الوضع الجديد جعل الدول العربية السنية كما أسماها الرئيس اوباما أمام موقف لاتحسد عليه فهي بين خيارين أما داعش أو الاقليات الشيعية التي امتلكت القرار في الوطن العرابي وتنسيق مشاريعها مع ايران. والقضية الأخرى هي التمرد السني في العراق والذي يعتقد العالم خطأً بان سياسة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي كانت وراءه بسبب اقصاءه السنة العرب من الحكم ، لكن الحقيقة هي عدم قدرة السنة العرب على استيعاب التغيير الذي يحصل لكونهم ليسوا الاكثرية في العراق ولهذا يكون ترتيبهم الثالث في سلم التراتب السكاني بعد الشيعة والأكراد . يضاف الى ذلك ان الدفع التركي و العربي لسنة العراق جعلهم يتحالفون مع أعداء العالم من داعش وحركات ارهابية تكفيرية من أجل الأجهاز على حكومة بغداد (الشيعية) حسب تصورهم وبث الايديولوجيات المؤيدة لمنهجهم عبر الاعلام الموجه . تحطمت المدن السنية في العراق وسوريا ورزخت مدينة الموصل تحت سيطرة مجرمي داعش للشهر الثالث وتحول سكان تلك المدن الى نازحين وبهذا ساء وضع السنة العرب في سوريا والعراق بسبب تلك السياسات .
تركيا وايران ينتظران حصص التوزيع الجديد لخارطة مابعد سايكس بيكو . هذا المشهد تظهره الفضائيات من خلال الجهود المبذولة للشركاء الثلاث الغربيين والايرانيين والأتراك – الذين ينتظرون عودة الموصل بطريقة عودة الفرع للاصل – من خلال مؤتمرات وخطابات وزيارات مكوكية من والى دول القرار الدولي . لم تكن اي ارادة للشعب العربي بعد ان ورث الفوضى والفساد بعد الدكتاتورية وغاب مرة أخرى عن مسرح الدفاع عن مصالحه من خلال برلمانات منتخبة . هنا يصبح كل شيء جائز للدفاع عن وجود للدول العربية بشكلها الحالي بما فيها التنسيق والأستقطاب مع تركيا وايران ، لكن في خضم هذه الظروف ذلك سيكون مجرد أمنية لأن الواقع المرير يهدد بتغيير الخرائط بين العراق وسوريا ولبنان واليمن ومن ثم يمتد مقص التغيير لدول الخليج ومن الممكن حسب التوقعات السياسية أن تصل ايران لحدود المملكة العربية السعودية . ومن الجهة الأخرى سيكون وضع الاردن والمدن الفلسطينية المتبقية بلا عمق عربي . اماالحدود الداخلية بين العشائر الليبية المتقاتلة فسيتم ترسيمها . ولم تكن هناك اية صدمة من كثرة الصدمات التي تلقيناها خلال العقد الماضي فتوقعوا أي شيء