حمزة مصطفى
حتى قبل شهور كنا نتحدث عن موازنة انفجارية بعشرات مليارات الدولارات. وطوال السنوات الماضية كان الحديث يجري عن 700 مليار دولار هي مجموع موازنات العراق طوال السنوات العشر الماضية. وبموازاة ذلك يجري الحديث عن الفساد ومستوياته في كل مؤسسات الدولة دون استثناء. وبرغم ان الامثلة تكاد لاتحصى فان من ابرزها عشرات المليارات التي انفقت على الكهرباء بينما لاتتحسن هذه الكهرباء الا خلال نصف موسم الخريف. وهناك عشرات اخرى من المليارات انفقت على الامن والدفاع واذا بنا بين ليلة وضحاها بلا امن ولا دفاع. وهناك قصة البطاقة التموينية وفروق الاسعار في مشتريات وزارة التجارة لاسيما في مادتي الزيت والشاي وهي فروق مليارية وبالدولار عدا ونقدا. وهناك الطامة الكبرى والمتوسطة والرطوبة النسبية في قصة جهاز كشف المتفجرات. هذا الجهاز الذي هو وحده قصة من قصص الف ليلة وليلة. تبدا اولى مفارقاته بالسعر (سعر الجهاز الواحد منه 25 دولار بينما تم بيعه لنا باكثر من 50 الف دولار للجهاز الواحد).
يضاف الى ذلك المبالغ التي اختفت او المخفية عمدا او التي لا احد يعرف كيف خرجت واين اخفيت. ارقام هذه المبالغ تتراوح بين 24 مليار دولار مرة, و9 مليار دولار مرة اخرى, و13 مليار دولار ثالثة, ومليار ونصف دولار مختفية في قبو بلبنان رابعة وخامسة. اجهزتنا الرقابية تركت هذه المصائب المليارية و”التهت” بتبادل الاتهامات فيما بينها. الرئيس السابق لهيئة النزاهة يتهم الرئيس الحالي لها. والحالي يصدر المزيد من مذكرات القبض ضد السابق. اما لجنة النزاهة البرلمانية فقصتها قصة. رئيسها الاسبق منع من خوض الانتخابات فانزوى مع ملفاته. ورئيسها السابق اصبح نائبا لرئيس الوزراء و”كام يحجي بالمثاقيل” عن حكومة الوحدة الوطنية. المفتش العام الاميركي هو وحده “شبع لطم” على فلوسنا الضائعة والمضيعة.
مع ذلك فانه يحلو لنا بين فترة واخرى ومن باب التسلية الحديث عن الموازنة. فهذه الموازنة لم تقر حتى الان برغم اننا الان في الشهر العاشر من السنة. والمفروض ان هذا الشهر هو الموعد الافتراضي الذي تبدا فيه الحكومات باعداد موازنة العام المقبل. والبند الاول في اية موازنة يجري اعدادها هي اكمال الحسابات الختامية للسنة المالية المنتهية من اجل مطابقة الانفاق مع المبالغ المرصودة. لكن هذا لم يحصل عندنا منذ حوالي ثمانية اعوام. ومع كل هذه المشاكل والاشكالات ومع مرور نحو ثلاثة شهور على بدء الدورة البرلمانية ونحو شهرين على تشكيل الحكومة فان الموازنة لاتزال تدور في اروقة مجلسي الوزراء والنواب (رايحة جاية). ومع كل ما يمكن قوله بشان حديث الموازنة فان القضية التي باتت اليوم اكثر لفتا للنظر هي العجز الحقيقي الذي تعانيه الخزينة حتى قبل انفخاض اسعار النفط. فهناك من يتحدث عن عدم وجود سيولة نقدية كافية والدليل على ذلك عدم صرف رواتب موظفي اقليم كردستان. وهناك من بدا يربط هذه القصص بانخفاض اسعار النفط. وهو ربط غير صحيح لانه طبقا لفروق الاسعار بين بيع النفط (110 دولار للبرميل الواحد) وبين السعر التخميني له (80 دولار للبرميل الواحد) فان الفارق بين السعرين هو وحده ميزانية بعشرات مليارات الدولارات؟ اين اختفت؟ الجواب عند “ام اللبن”.