باسل عباس خضير
كمواطن اولا ومتخصص واكاديمي ثانيا , فقد اقلقنا بالفعل ما اطلعنا عليه من تصريحات لبعض المسؤولين حول النوايا في كيفية معالجة العجز المالي الذي تعاني منه الموازنة الاتحادية خلال الفترة الحالية والقادمة بسبب انخفاض الايرادات وتعاظم النفقات , فاغلب التصريحات تصب نار غضبها على المواطن البسيط دون مراعاة لحالة الفقر التي تعيشها الغالبية من ابناء شعبنا الكريم , والمستغرب في الامر ان البعض يطلقون التصريحات وهم لا يميزون بين السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية فيختلط عندهم الامر ويختزلون الحلول بزيادة الضرائب والرسوم , حيث يعدونها الاكثر ملاءمة والمنقذ لمعالجة المشكلات الاقتصادية للبلد لزيادة الايرادات , ومن يتبنى هذا التوجه لم يعطي رقما واحدا لمقدار الايرادات من هذا الاجراء وانعكاسات ذلك على الاداء الاقتصادي بتفاصيل معززة بالمعطيات لكي تعطي القناعة بها من قبل الجمهور .
ولا نعلم هل ان هذه المقترحات قد تمت دراستها والتشاور بها مع المختصين ام ان اهدافها هو الظهور الاعلامي في الفضائيات , فعند فرض الضرائب والرسوم يجب احتساب مقدارها او كميتها النقدية ونسبتها الى مجمل الايرادات وتأثيرها على القدرات الشرائية للمواطنين حسب مستويات دخولهم , حيث بالإمكان ان يتم فرض رسوما وضرائب على بعض السلع والخدمات ولكنها ستؤدي الى زيادة الاسعار في السلسلة السلعية ومن اثارها , ان فرضها سيخفض من القدرات الشرائية للمتقاعد الذي راتبه الشهري 400 الف دينار لأنها ستكلفه مثلا 100 الف دينار وبذلك ستشكل 25% من مدخلاته وعندما يكون مدخول المواطن 2 مليون دينار فان نسبتها سوف لا تشكل اكثر من 10% , اما اذا كان الدخل 10 ملايين فاكثر فان تأثيرها سيكون غير ملحوظ , وفي الواقع اليومي يؤدي ارتفاع سعر كيلو الطماطة من 1000 الى 1500 دينار الى مشكلة للفقير ولكنها لا تعني شيئا لأصحاب الدخول المتوسطة والعالية .
ان الرسوم والضرائب تستخدم كأداة لتوجيه وتحفيز الاقتصاد كتشجيع الزراعة او الصناعة وغيرها , ولكن في بلدنا لا يمكن ان تؤدي هذه الادوات اغراضها لان الظروف التي نعيشها لا يمكن من خلالها تنمية هكذا قطاعات لأنها تتعلق بمخاطرات الاستثمار والتشغيل ولهذا فان زراعتنا المحلية لا يمكن ان تنافس الزراعة في الدول المتقدمة وينطبق الامر نفسه على الصناعة بسبب التباين في الظروف المحيطة وتكاليف الانتاج , ومن الناحية العملية فانه لا جدوى من زيادة فرض الرسوم والضرائب لإصلاح الخلل في الناتج المحلي والدخل القومي كما انها لا يمكن ان تعالج الاختلال في ميزان المدفوعات في الوقت الحالي , اذ يمكن الغاء فقرة واحدة في النفقات لتعطي مردودات اكثر من هذا التوجه ومنها مثلا الغاء فاتورات وكارتات الاتصال على الموبايل التي تمنح لجميع المسؤولين من مدير قسم او اقل وحتى اعلى المستويات في الدولة او نفقات تشغيل السيارات الحكومية للأغراض الشخصية .
ان معالجة العجز لا يمكن ان يأتي من خلال رمي الكرة في ملعب الفقراء , فقبل ايام صدرت تصريحات بان نقص الايرادات سببه انقطاع صادرات النفط من الشمال التي تكلف اكثر من مليار دولار شهريا , وهي تصريحات غير واقعية لان صادرات خط كركوك متوقفة منذ اكثر من سنة لتعرض الانبوب الناقل الى عمليات ارهابية متكررة اضطر الجهات المعنية لإيقافه قبل حصول احداث الموصل وصلاح الدين , والاعلام افتقر الى تصريحات دقيقة بخصوص اسباب انخفاض صادرات الجنوب التي كان من المفترض ان تكون اكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا خلال 2014 في حين انها بحدود 2,3 مليون برميل يوميا , كما انها لم تشير الى الصادرات من اقليم كردستان التي قدرت ب400الف برميل يوميا ولم تجني منها الموازنة الاتحادية دينارا واحدا بسبب الخلافات بين المركز والاقليم التي لم تجد حلولا نافعة لحد اليوم , ويعني ذلك ان زيادة صادرات النفط كافيا لتعويض الخلل الناشئ من انخفاض اسعار النفط .
فالمشكلة الحقيقة في العجز ان النفقات تتعاظم يوما بعد يوم دون السيطرة على فقراتها , والايرادات النفطية تنخفض دون معالجة لان اسبابها سياسية بامتياز , ولفقر المعالجات او الرغبة في عدم المساس ببعض النفقات يتم اللجوء الى زيادة الضرائب والرسوم التي تنهك شرائح مهمة من المواطنين دون الانتباه الى ان زيادة هذا المورد سيؤدي الى زيادة حالات الفساد الاداري والمالي في حالة عدم السيطرة على الاجراءات في المنافذ الحدودية , وفي ذلك لا نريد ان نتقاطع مع الحكومة في توجهاتها ولكننا ندعوا الى اتباع مثل هذه الاجراءات عندما يحين الوقت لتطبيقها , فالمرحلة الحالية تتطلب ضغط النفقات غير الضرورية والسيطرة على الفساد وتهريب وغسيل الاموال والعمل على محاسبة المقصرين والمتورطين بإهدار المال العام والمتسببين في الخراب , وبعد ذلك نبدأ بفرض الضرائب والرسوم عندما نضمن ذهابها للخزينة العامة للدولة وليس لجيوب السراق ومعرفة آثارها بشكل علمي وموضوعي ومدروس بشكل لا يؤدي الى التذمر وزيادة تجويع الفقراء .