عدنان حسين
مباشرةً، من دون مقدمات، من دون تزويقات لفظية، من دون لفّ ودوران، نقول للمستشارين الإعلاميين والناطقين الرسميين في دواوين الحكومة والوزارات إننا قد شبعنا حدّ التخمة، بل حدّ الاختناق، من الكلام العمومي عن العزم الأكيد لرئيس الحكومة والوزراء على مكافحة الفساد المالي والإداري واجتثاث جذوره وملاحقة المتورطين فيه.
على هؤلاء المستشارين والناطقين أن يدركوا أننا كسائر الناس نعاني من صداع قاتل بسبب الأوضاع المأساوية المديدة في بلادنا، وان كلامهم العمومي في ما خصّ الفساد ومكافحته يزيدنا وجعاً ويفاقم من غضبنا عليهم وعلى رؤسائهم، لأننا بكل بساطة لا نحتاج إلى كلمة واحدة ولا حتى إلى حرف واحد من كلامهم العمومي هذا.. اننا، وسائر الناس في هذه البلاد معنا، نريد الأفعال، أما الأقوال فليحتفظ بها المستشارون الإعلاميون والناطقون الرسميون لأنفسهم ولرؤسائهم.
مناسبة هذا الكلام التصريح الصادر أمس الأول عن المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة القائل بان السيد حيدر العبادي “ماض بإجراءاته الإصلاحية لمكافحة الفساد الإداري والمالي في مؤسسات الدولة”!
كيف السيد العبادي ماض في إجراءاته؟.. وما هي هذه الإجراءات؟ .. ومن هم الذين ستطالهم هذه الإجراءات؟.. لا جواب في تصريح المكتب الإعلامي، فمما جاء في التصريح: “هناك إجراءات اُتخذت للحدّ من هذه الظاهرة التي باتت تشكل خطراً كبيراً على البلد وثرواته ولا تقل خطورة على الإرهاب الذي نسعى للقضاء عليه ليعيش البلد بأمن وأمان وينتقل الى مصاف الدول المتقدمة في جميع المجالات”، مع التعهد بأن “نكون اليد الضاربة للفساد والإرهاب”!!
بصراحة شديدة هذا الكلام لا يساوي ثمن الورقة التي كُتِب أو طُبِع عليها.. انه خال من أي مضمون ذي قيمة أو معنى، لأنه أولا لم يورد واقعة واحدة ولا يتضمن اسماً واحداً، ولأنه ثانياً قيل مثله وأبلغ منه في الماضي ما يملأ فضاء مجرة درب التبانة بكل نجومها وكواكبها وتوابعها، أو ما يسوّد كل الورق المنتج منذ اختراع الطباعة حتى اليوم… قاله كل السابقين من رؤساء الحكومات والوزراء وأعضاء البرلمان والمفتشين العامين ورؤساء وأعضاء هيئة النزاهة، وسواهم، وها هي دولتنا اليوم أكثر فساداً مما كانت عليه في السابق، لأن الإجراءات التي تحدثوا عنها وتعهدوا بها لم تشمل الا بعض صغار الفاسدين، بل بعض تلك الإجراءات طال أبرياء من موظفي الدولة النزيهين والشرفاء والوطنيين الذين لُفّقت التهم في حقهم لحماية الفاسدين الحقيقيين.
ما نريده، والناس معنا، أن نرى رؤوساً فاسدة، وهي كثيرة للغاية، قد تطأطأت أمام قضاة نزيهين ومتحلّين بالمسؤولية الاجتماعية والوطنية (بعض قضائنا موبوء بالفساد أيضاً).. وما نريده، والناس معنا، أن يُجلب إلى العدالة فاسدون كبار ظلّوا طلقاء داخل البلاد وخارجها برغم الحكم على بعضهم، لأنهم قياديون في أحزاب وكتل حاكمة أو على صلة قرابة بقياديين في هذه الأحزاب والكتل.
فقط إجراءات من هذا الطراز هي الكفيلة بانطلاق عملية حقيقية ومجدية لمكافحة الفساد المالي والإداري.. وفقط الكلام عن هكذا إجراءات سيكون ذا مضمون ومعنى وقيمة.. أما سوى ذلك فلغو فارغ وثرثرة مزعجة لا نحتاج اليهما، لأن ما فينا يكفينا.