منى سالم الجبوري
التقارير و الانباء التي تحدثت عن عمليات الاقالات و التنقلات العسکرية و غيرها من التي أعلنها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، والتي يرى مراقبون و متابعون للشأن العراقي، بأن العبادي يهدف الى التخلص من ترکة سلفه نوري المالکي بإبعاد الضباط المرتبطين به و سيبدأ بتنظيف المؤسسات المدنية من هذه الترکة عما قريب، لايمکن التقليل من أهميتها و ضرورتها کخطوة إيجابية ملموسة في الاتجاه الصحيح، لکن في نفس الوقت يجب أيضا الاقرار بأن عهد نوري المالکي و ماجرى فيه لايمکن حسمه من خلال الوجوه العسکرية و المدنية، فالمسألة أعمق و أبعد من ذلك.
قوة المالکي و رسوخه و فرض إملائاته على الآخرين و تحقيق الکثير من أهدافه و غاياته، کان مرتبطا و متعلقا بتحالفه الاستراتيجي مع طهران، والذي لازالت طهران و في شخص المرشد الاعلى للنظام خامنئي، تشيد و تثني على المالکي و على عهده و ترفض محاکمة او جلد هذا العهد، ولاغرو من أن إزالة ترکة و ارث المالکي لن تکون بإبعاد بعض العسکريين و المدنيين، وانما بإزالة ذلك النهج الذي أسس لتهميش الجيش و الشرطة و جعل القرار السياسي العراقي رهينا بما يناسب و يلائم طهران، بل وان إعفاء 26 من القادة العسکريين من مناصبهم من بينهم رئيس الارکان و قائد عمليات الانبار و قائد الفرات الاوسط و أمين سر وزارة الدفاع، لايعني شيئا و ليس له تلك القيمة الاعتبارية ازاء بروز قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في العراق و صيرورته ليس مجرد ظاهرة تقليدية وانما أمر واقع بحيث وصل الامر الى أن يفتي السيد السيستاني بجواز دوره في العراق، وسليماني بحد ذاته، أهم و أخطر ترکة للمالکي، وبطبيعة الحال فإنه ليس هنالك في العراق من يجرؤ على إصدار الامر إليه بمغادرة البلاد.
الولايات المتحدة و دولا إقليمية أخرى، تتطلع لإنهاء و ازالة کل آثار و معالم عهد المالکي، من الواضح انها تدرك بأن قوة المالکي کانت في تحالفه مع النظام الايراني و على اساس عقائدي، وان إزالة آثار عهده تتطلب بالضرورة إنهاء ذلك التحالف الذي لازال قائما بحکم بقاء الاسس التي کانت تقوم عليه من خلال دور سليماني و دور الميليشيات و النفوذ و الهيمنة الايرانية على الاوضاع السياسية و الامنية و الاقتصادية في العراق، وبقاء الموقف العراقي من الاوضاع في سوريا خصوصا و مناطق أخرى مطابقة للموقف و الرؤية الايرانية، من هنا، فإن إزالة هکذا أرث هو أثقل و أکبر بکثير من حيدر العبادي بأضعاف مضاعفة ولايمکن أن يستطيع تحقيقه إلا بأن يسلك نهجا وطنيا واضحا وهو يقود الى العديد من السيناريوهات المختلفة بالنسبة لحياته و مصيره خصوصا فيما لو کان جادا في إستئصال النفوذ الايراني من العراق.
زوال أرث المالکي، وکما يرى و يفکر الکثيرون، يکمن في تقديمه للمحاکمة، والتي صارت في حکم المستحيل بعد صك البراءة الذي حظي به من المرشد الاعلى للنظام في إيران، لکن، حتى لو جرى تقديمه للمحاکمة، فإنها”أي المحاکمة” لن تکون في مستوى المهمة الموکولة إليها أبدا، لأنها ستتعارض و تتناقض مع إرادة و مشيئة ولي أمر المسلمين و الذي يعتبر العراق حاليا ضمن دائرة ولايته!