أين يضع المؤلف قدميه؟

أين يضع المؤلف قدميه؟
آخر تحديث:

ياسين النصير

ليست كل مسارات البحار صالحة لرحلات السفن، ولا كل مسافات الأرض صالحة للزرع، ولا كل النجوم دليل لمسار الليالي، ولا كل الأفكار أسئلة ، ولا كل الأسئلة فلسفة، هذه ليست حكمًا، إنما هي مصائر مادية  للمعرفة، مصائر لا تتحقق إلا في سياق أن تكون للبحارخرائط، ، وللأرض ما يعين خصوبتها، وللطرق مُختَبِراتَ المسافة، فالأفكار لا تتبنى كي تبني نصًا ، التوازن مبدأ الخطى.  بعد مرور العراق بأتون حروب محلية وعالمية، وانتهائها من دون نصر، ظهر الكثير من أدباء جدد، انحصرت مخيلتهم في نتائجها المربكة، في أبعادها، في ما جناه العراق منها، فيما فعلوه في مواجهاتهم لها وفي ابتعادهم عنها، صخب هي حياة الحرب، وقلق يولد كارثة البحث عن خلاص. حملت حقائبهم بعيد انتهائها، مسودات، وذكريات، والكثير من الظلام، وبقايا نور، ليجدوا أنفسهم في حمأة الكتابة، أه… كما لو كانت الكتابة دعوة للسلام، ما أجمل البحث عبر الكتابة عن السلام ، عن أمان البلاد، عن ظل دائم للجسد، وعن نغمة حبيسة لا تقال إلا بجوار وسادة الحب. 

فجاس عدد كبير من المؤلفين الشباب، أرض العراق، ليس كما جاسها من يبحث عن مكرمة أو جاه، جاسوا صحراءها ومياهها، وجبالها، ووديانها ليجدوها أرضا ملفعة بعباء الحرب السوداء، وليس كما وجدها من كان يبحث عن نص بمكرمة، فكتبوا تجاربهم الدفينة، قلقهم الوجودي، تطلعاتهم المكبوتة، تلك التي لم يوص بها مدجن ثقافة الحرب، ولا موزع مكرمة السلطان، ولا كتابة ناقد ماجور. تجارب، لا تتحدث عن موت أو نجاة، ولا عن مصير ذات او جماعة، فما بقي قليل من الحطب من دون اشتعال، وها هم يشعلونه نصوصًا، قصصية، شعرية، صورا قلمية، نصوصا تدين من مجد الحرب، ومن كسب من الحرب، ومن نظّر للحرب، ومن اشعل نار الحرب. لنجد ان ساحتنا الثقافية موطن مجاورة، لا موطن محاورة، فمن كتب عن الحرب للكسب، ينحسر الآن، منتظرا عودة الماضين علهم ينقذونه من عذاب، فما في صدورهم من أنين اصبح يقظ مضاجعهم، ويزيد انينهم، حتى وإن كابروا وادعوا، ففي خرج الصياد افاع ستخرج لا محال. 

وفي الضد من هؤلاء الكسبة والعطارين ومفترشي ساحات الأخبار، يظهر جيل جديد، عاش الحرب واكتوى بنارها، وفقد ما كان يقيه مغبة الرحلة الخاسرة، ليكتب هذه المرة، عن أنين الجماعات، عن المقابر الجماعية، عن الهجرة، عن المنافي، عن الموت في البحار، عن الشح والفقر، عن مصادر نيران الاستعمار، عن الكيمياوي والموت في الطرقات، عن داعش، عن الأيزيديين، عن الهويات، عن مدن الولادة واختلاط الأسماء، وعن المياه التي عادت إلى منابعها حين سدت سبل جريانها. يكتب هؤلاء الشباب أنينهم، ليس من أجل سلطان ما هذه المرة، أو مكرمة مال بخس، يكتب هؤلاء عن حروب اشتركت أجسادهم فيها ، وكأنهم بقايا حطب عصي على الاشتعال. ماذا نفعت تلك المدائح غير انها تحولت إلى نيران، وماذا صنع البعض بنفسه حينما رآهن أن وجوده مرتبط بوجود السلطان. فالكتابة محنة، عندما يرافقها الوعي بمصائر المجموع، وفي العراق، يصبح مادح السلطان ضحية، أتحدث عن وجع لا يهدأ، عن التباس من دون رؤية، عن خلائط ضيعت الطريق، وعن سفن لا تعرف فناراتها، وعن أسئلة لا تحمل أجوبة، أتحدث عن صوت، بين ان يكون رفيق طلقة، او هفهفة جنح.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *