العراق ومشروع التقسيم الأمريكي

العراق ومشروع التقسيم الأمريكي
آخر تحديث:

 

  عبد الجبار الجبوري  

يجري في هذه اللحظات التصويت في الكونغرس الأمريكي على مشروع قرار قدمه عضو الكونغرس الجمهوري ماك ثورنبيري ،ويقضي المشروع بقطع 25% من قيمة المساعدات العسكرية الأمريكية لحكومة ألعبادي والبالغة 715 مليون دولار،وتحويلها لقوات (البيشمركة الكردية والحرس الوطني السني) ،بعد أن تيقنت إدارة اوباما والكونغرس أن هذه المساعدات تذهب إلى تسليح الجيش والحشد الشعبي فقط،وتتجاهل حكومة ألعبادي ،الأكراد والسنة العرب لمواجهة تنظيمات الدولة الإسلامية (داعش) ،علما أن القتال مع داعش يجري في أراضي المحافظات السنية تحديدا،فماذا يعني هذا القرار وما هي تداعياته وما هو موقف حكومة ألعبادي والأحزاب الطائفية المشاركة في العملية السياسية الفاشلة ،التي أوصلت العراق إلى قاع الخراب والجحيم والحرب الأهلية الطائفية من قتل وتهجير وفساد لم يشهده تاريخ العراق عبر ثمانية آلاف سنة ،وما هي خلفية وأسباب هذا القرار ولماذا في هذا الوقت بالذات ،هذا ما سنفصل الإجابة عنه في هذا المقال ،ابتداء بكل تأكيد يجيء هذا القرار الأمريكي نتيجة فشل السياسة الأمريكية في العراق طوال سني الاحتلال وبعدها ،بعد أن سلمت العراق لإيران وميليشياتها ، وأصبحت هي صاحبة النفوذ الأول فيه وفي المنطقة ،وما يجري في العراق من حرب طائفية أهلية تقودها ميليشيات إيران تحت يافطة الحشد الشعبي بقيادة قاسم سليماني، إحدى أسباب ظهور هذا القرار في هذا الوقت،بعد أن ظهرت قوة أخرى تهدد المصالح الأمريكية في العالم وأصبح لها قوة عسكرية واقتصادية وحدود واسعة جدا (بحجم مساحتي بريطانيا وفرنسا مجتمعتين)،واقصد بها الدولة الإسلامية التي تسميها أمريكا داعش ،خاصة بعد أن سيطرت على محافظات استيراتيجية في العراق والشام أهلها لإعلان (دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام)،إذن نحن أمام قوتين متحاربتين طائفيا هما الميليشيات وداعش في المنطقة وعلى أمريكا أن تظهر نفسها إنها محايدة وهي ليست كذلك ،وكلنا يعلم إنها كانت تدعم وتسلح الطرفين عسكريا ،ولكن الأمر الآن اختلف فهي تدعم حكومة ألعبادي دعما لا  محدودا وتعتبره اختيارها في العراق ومحسوب على سياستها ضد النفوذ الإيراني،ولكن بعد أن أيقنت أن ألعبادي لم يعد يسيطر على الملف الأمني والعسكري في العراق ،وضعف جيشه أمام خطر داعش ،والنفوذ الكبير للميليشيات التي أصبحت دولة داخل دولة ولا تخضع لأوامره ،بل ولاؤها لولي الفقيه وتأتمر بأوامره الدينية والعسكرية ،وضربت أوامر ألعبادي كلها عرض الحائط ،وتعمل بدفع ودعم من المالكي لإسقاطه وإعادة المالكي للسلطة ،لذلك أدركت إدارة أمريكا أن مصالحها ونفوذها (وتجربتها الديمقراطية).

 ودعمها للعبادي كله أصبح بيد الميليشيات ،وليس بيد ألعبادي ،في حين أصبحت قوة داعش تهدد المصالح الأمريكية في العراق بتمددها نحو بغداد لإسقاطها ،هنا أرسلت إدارة اوباما إنذارا مباشرا بإصدار هذا القرار،والذي يقضي بإعطاء حكومة ألعبادي مدة ثلاثة أشهر لتنفيذ وصايا الكونغرس وهي إعادة التوازن مع المكون السني والأكراد في التسليح وغيره،ودعم العشائر السنية لمواجهة خطر داعش وتحرير مناطقهم والتوقف فورا عن دعم الميليشيات الإيرانية ،وإلا ستقوم أمريكا بقطع المساعدات الأمريكية بنسبة 75% وتحويلها للأكراد والسنة العرب ،هذا القرار الأمريكي احدث زلزالا داخل حكومة العبادي والأحزاب الطائفية الحاكمة ،حيث ظهر رفض القرار وتهديد  أمريكا بالويل والثبور على لسان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وعمار الحكيم وحيدر العبادي وجوقة الحكومة والبرلمان الأعرج المعوق ،وكلهم ينددون ويستنكرون ويرفضون القرار ،وأضافوا له بهارات انه (خطوة نحو تقسيم العراق)(وتنفيذ مشروع بايدن)،وغيره من التهريج السياسي وتخويف الشارع العراقي وتحريضه على رفض القرار،فظهر الناطق باسم السفارة الأمريكية في بغداد قائلا لهم ومكذبا أطروحاتهم وتصريحاتهم (إن أمريكا وإدارة اوباما مع عراق موحد) وليس من حق احد ان يفرض التقسيم على شعب العراق،كان الرد الأمريكي واضحا وسريعا وألقمهم حجرا ،ولكن دعونا نقول أن هذا القرار جاء في الوقت المناسب ،بعد تغولت الميليشيات وأصبحت تقود انقلابا واضحا على العبادي( تصريحات وتهديدات العامري والخزعلي  ) ضد حكومة العبادي وقيادة مظاهرات كبرى يدفعها نوري المالكي من النجف لإسقاط  الحكومة علنا ،إضافة إلى أن الإدارة الأمريكية ،وهذا هو الأهم في كل مقالنا ،قد أيقنت ان المكون السني هم ضحية السياسة الطائفية التي انتهجها المخلوع نوري المالكي طوال ثماني سنوات من حكمه،و أفرزت تنظيم داعش  والميليشيات الإيرانية ونفوذهما معا، في تدمير العراق وإشعال الحرب الأهلية الطائفية،وانفلات امني وعسكري لمؤسسة عسكرية وأمنية ضعيفة ينخر فيهما الفساد كالسرطان ،وحان الوقت لتصحيح المسار الأمريكي في العراق،إن إصدار هذا القرار هو صحوة ضمير ميت لإدارة اوباما لإعادة الحقوق المشروعة المنتهكة لكون السنة العرب منذ الغزو الأمريكي للعراق ولحد الآن ،وهو ضربة قاصمة للميليشيات الإيرانية لإيقافها عند حدها في العبث بأرواح العراقيين ،وإنذار نهائي لحكومة العبادي على ضرورة إجراء إصلاحات حقيقية وإعادة الاعتبار لكون همش وأقصي وتهجر وقتل طوال 13 سنة من الاحتلال ،اعتقد أن هذا القرار ناقوس خطر بوجه حكومة العبادي،قبل أن تقوم أمريكا بالمهمة بنفسها …..

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *