عاد الإمام في اليمن

عاد الإمام في اليمن
آخر تحديث:

خيرالله خيرالله 

ثمّة من لا يريد أن يصدّق أن هناك نظاما جديدا قام في اليمن. ثمّة من لا يريد أن يصدّق ما يقوله زعيم “أنصار الله” عبد الملك الحوثي الذي إعتبر منذ الواحد والعشرين من أيلول ـ سبتمبر الماضي، تاريخ سيطرة “أنصار الله” على صنعاء أنّ هناك شرعية جديدة إسمها “الشرعية الثورية”. هذه الشرعية فرضت حلول “ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر” مكان “ثورة السادس والعشرين من سبتمبر”.

في العام ١٩٦٢، حصلت “ثورة” في اليمن. حصل إنقلاب عسكري أطاح النظام الإمامي وقامت “الجمهورية العربية اليمنية” التي حلت مكانها “الجمهورية اليمنية” بعد منذ إعلان الوحدة بين الشمال والجنوب في الثاني والعشرين من أيّار ـ مايو ١٩٩٠.

في الواحد والعشرين من أيلول ـ سبتمبر ٢٠١٤، سيطر الحوثيون على صنعاء سيطرة كاملة. هناك للأسف من لا يريد أخذ العلم بذلك والتصرّف إنطلاقا من النتائج المترتبة على هذا الحدث التاريخي. المؤسف أنّ ممثل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بنعمر يتعامى عن الواقع. إحتاج مجلس الأمن إلى ما يزيد على أربعة أشهر لأخذ علم بما يجري في اليمن. لم يستوعب بنعمر حتّى ماذا يعني فرض “أنصار الله” ما يسمّى “إتفاق السلم والشراكة” بقوّة السلاح. هذا الأمر يطرح سؤالا بديهيا. هل الأمم المتحدة مع “إتفاق السلم والشراكة” أم هي ضدّه. كيف يمكن أن تكون ضدّ هذا الإتفاق، فيما بنعمر حضر الإحتفال بتوقيعه وأشرف على رعايته.

لا منطق إطلاقا يبرر تصرّفات ممثّل الأمين العام للأمم المتحدة، خصوصا أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يصدر اليوم قرارا يعلن فيه التمسّك بالمبادرة الخليجية ويطالب بإطلاق الرئيس الإنتقالي المستقيل عبد ربّه منصور هادي الموجود في الإقامة الجبرية مع شخصيات أخرى تعاونت معه، بمن في ذلك رئيس الوزراء خالد بحّاح. هل أخذ مجلس الأمن علما بقيام نظام جديد في اليمن؟ هل أخذ علما بأنّ “إتفاق السلم والشراكة” حلّ مكان المبادرة الخليجية التي صارت في خبر كان؟

عاد الإمام إلى اليمن. ليس عبد الملك الحوثي، إبن السادسة وثلاثين عاما سوى الإمام الجديد. هذا هو الواقع الذي يفترض في المجتمع الدولي، بما في ذلك أعضاء “مجلس التعاون لدول الخليج العربية” التعاطي معه. هل هناك قدرة على ذلك…أم هناك بديل يتمثّل في رفض الإنقلاب الحوثي، الذي تقف خلفه ايران، ومقاومته؟

على من في حاجة إلى التأكد من حصول الإنقلاب العودة إلى البيان الذي وزّعته وكالة “سبأ” الرسمية عن إجتماع عقدته “اللجنة الثورية” في القصر الجمهوري في صنعاء. هذه اللجنة التي شكّلها “أنصار الله” باتت الحاكم الفعلي لليمن. رئيس اللجنة ويدعى محمد علي الحوثي صار رئيسا للجمهورية اليمنية، في حين يلعب عبد الملك الحوثي، أو “السيّد” المقيم في صعدة دور “المرشد”، على غرار ما هو حاصل في إيران حيث الوليّ الفقيه السلطة العليا.

أشار الخبر الذي وزعته “سبأ” إلى أنّ “اللجنة الثورية ناقشت في إجتماعها اليوم (يوم الأحد) في القصر الجمهوري في صنعاء برئاسة رئيس الجنة محمّد علي الحوثي مشروع اللائحة المنظّمة لعملها خلال الفترة القادمة ومهامها في متابعة تسيير شؤون الدولة وفقا للإعلان الدستوري”.

هناك الآن “إتفاق السلم والشراكة” وهناك “الإعلان الدستوري”. هناك عمليا سلطة جديدة في اليمن غير معترف بها دوليا. لكنّ هذه السلطة قائمة وهي تسعى إلى التمدّد في كلّ أنحاء البلد. تحاول هذه السلطة، على طريقة “حزب الله” في لبنان وبشّار الأسد في سوريا والنظام الإيراني الذي يتحكّم بالعراق تسويق نفسها. ليس لديها ما تسوّق به نفسها سوى الإعلان عن أنّها في حرب مع “القاعدة” ومع “التكفيريين”. هل يُعتبر ذلك كافيا للحصول على شرعية ما من المجتمع الدولي في وقت أغلقت معظم السفارات الأجنبية والعربية أبوابها في صنعاء؟

كلّ ما يمكن قوله أنّ المجتمع الدولي، على رأسه الولايات المتحدة، لا  يمتلك أيّ جدية في ما يتعلّق بالتعاطي مع اليمن. الموضوع الذي بات مطروحا في غاية البساطة. هل من إعتراف دولي بالنظام الجديد الذي أقامته ايران في شمال اليمن أم لا؟

كلّ ما تبقّى تفاصيل لا أكثر. نجحت ايران في إقامة دويلة خاصة بها في شمال الشمال اليمني. تبيّن مع مرور الأيّام أن تقدّم الحوثيين في الوسط والجنوب سيكون صعبا. ما بات واقعا الآن، بعدما أكّد “أنصار الله” أنّهم ليسوا في وارد التراجع عن مشروعهم، هو نظام الإمامة في صنعاء ولكن على الطريقة الإيرانية.

هل هو نظام قابل للحياة؟ الجواب نعم، خصوصا أنّ القوى السياسية اليمنية كشفت ضعفها، بمن في ذلك الإخوان المسلمون الذين يبدون على إستعداد لمشاركة الحوثيين في السلطة نكاية بعلي عبدالله صالح الذي لا يزال يمتلك قوّة ثابتة في اليمن.

ولكن هل هذا النظام الجديد قادر على حكم كلّ اليمن؟ الجواب لا وألف لا. كلّ ما يستطيع هذا النظام عمله هو المساهمة في تسريع عملية تشظّي اليمن من جهّة والمساعدة في إيجاد حاضنة لـ”القاعدة” من جهة أخرى.

يتلهّى المجتمع الدولي في القشور ويبتعد عن الأساس. يرفض المجتمع الدولي الإعتراف بأنّ عبد الملك الحوثي شخص جدّي يعني كلّ كلمة يقولها. إنّه ليس ظاهرة عابرة في أيّ شكل، خصوصا أنّه الطرف السياسي الوحيد الذي يعرف ماذا يريد في اليمن.

ماذا يريد الحوثي؟ يريد حكم اليمن كلّه في حال إستطاع ذلك. لكنّه على استعداد لحكم شمال الشمال، بما في ذلك صنعاء، إذا وجد صعوبة في التمدّد في المناطق ذات الأكثرية الشافعية. سيرسم الحوثي خريطة لليمن الجديد. سيكون سلاحه ورقة الحرب على “القاعدة”. هل الإدارة الأميركية في وارد السقوط في الفخّ الحوثي، الذي هو فخّ إيراني؟ هل واشنطن على استعداد للإعتراف بأنّ نظاما جديدا قام في صنعاء؟

يبدو كل شيء واردا مع إدارة مثل إدارة أوباما إحتاجت إلى بضعة أشهر لتدرك أن شعارات “أنصار الله”، من بينها شعار “الموت لأميركا” يمكن أن تصبح جدّية متى دعت الحاجة إلى ذلك…

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *