آخر تحديث:
جمال الخرسان
تدرك القوى السياسية العراقية ان عليها هذه المرة تجربة شعارات ودعايات انتخابية مختلفة الى حد كبير عما كانت تتكيء عليه في المواسم الانتخابية الماضية، فالمواطن العراقي مصاب بالصدمة نتيجة لكثرة الخيبات التي تصدمه بعد نهاية كل دورة انتخابية وليس من السهولة بمكان تكرار اللافتات الانتخابية السابقة حيث انها لم تعد مجدية، الا ربما في الابقاء على شريحة محدودة لكل حزب سياسي تؤمن بمسار ذلك الحزب او التيار بعيدا عن النجاح والفشل.
ومع ان اغلب القوى السياسية اطلقت مشاريعها الدعائية للانتخابات منذ قرابة العام، الا ان الركيزة الاساسية للمشروع الانتخابي لقوى الاسلام السياسي السني والشيعي لا يخلو من الاستثمار في عاملين مهمين قد يبدوان مختلفين بعض الشيء في المفاهيم والادوات لكن ذلك لا يمنع اي قوة سياسية توظيفهما دعائيا في نشاطها السياسي.
العامل الاول: هو الاستثمار في انتصارات الحشد الشعبي وتوظيفها في الانتخابات المقبلة، سواء كان من خلال استثمار الانتصارات التي تحققها الاذرع العسكرية المرتبطة ببعض القوى السياسية بشكل مباشر او حتى التفاهم مع القوى المسلحة في الحشد الشعبي واستمالة جمهورها، هذا طبعا ان لم تشترك تلك القوى بشكل واضح وصريح في الانتخابات المقبلة، فهذا الملف مثار جدل في الساحة العراقية.
العامل الثاني: احد ابرز العوامل التي حاولت القوى الاسلامية التجلبب بها والاستثمار فيها هي المظهر المدني، انطلاقا من سخط الناس على القوى الاسلامية بعد فشل جزء كبير منها في ادارة السلطة بعد سقوط صدام حسين، بعض القوى السياسية دعت صراحة لاعادة انتاج الخطاب السياسي الاسلامي بمظهر مدني والتنكر للادبيات السياسية السابقة التي كانت تثقف بها كوادرها فترة المعارضة او حتى في السنوات الاولى لسقوط صدام حسين. لهذا فان القوى السياسية بدأت تحركاتها وتفاهماتها في استقطاب شخصيات بعيدة عن التوجه الاسلامي او حتى ترشيح كوادر غير اسلامية لمناصب تنفيذية مهمة، بعض القوى السياسية منخرط فعليا منذ فترة في تفاهمات سياسية مع قوى مدنية طمعا في الظهور بمظهر مختلف والالتفاف على سخط الجماهير على تجربة الاسلاميين في ادارة الحكم.
ولعل المشروع المختلف هذه المرة هو مشروع حيدر العبادي رئيس الوزراء الحالي، هذا الاخير يعتمد في استراتيجيته على نقطتين مختلفتين عما اشير لهما اعلاه، النقطة الاولى: هي التحالف والانسجام مع الجانب الامريكي والرهان على ذلك، من وجهة نظر العبادي ان الدخول في المعسكر الامريكي يجعله في منأى عن اي مفاجئات قد يقوم بها اصدقاء الامريكان في العراق او حتى القوى المناهضة لايران في المنطقة، هذا المنحى سيضع العبادي بلا شك في موقف لا يحسد عليه امام الحشد الشعبي وتياره الجارف في العراق، بل حتى امام حزبه الذي يرفض احيانا العلاقة المتشنجة للعبادي مع الحشد الشعبي.
العبادي يريد صياغة مشروعه بعيدا عن حزب الدعوة ويصر على ارتباطه حزبيا بهذه الدرجة الضعيفة لان ذلك يجعله اكثر حرية في حسم خياراته. هذه النقطة التي تمثل نقطة ضعف في وجهة نظر بعضهم تمثل نقطة قوة بالنسبة للاخرين، هذه المسافة الواضحة بين الدعوة والعبادي دفعت الصدر الى المبادرة لاجراء تحالف مع العبادي، حتى لو كان الاخير حليفا للامريكان. ان الجانبين وجدا في كليهما خيارا مناسبا في الظل المتغيرات الحالية. الصدر من جهته يعرف ان الوصول بشكل مباشر الى رئاسة الوزراء حلم صعب المنال، فلا التيار الصدري مقبول من قبل الجانب الامريكي ولا عدد المقاعد التي يحصل عليها التيار سابقا او لاحقا تسمح له بطموح من هذا النوع، لذلك وجد في شخصية تبحث عن مصادر قوة فرصة مناسبة لدعهما مقابل الانسجام مع رغبة التيار الصدري ولو ضمن سقف محدد، الصدر يعرف ايضا ان جزءا من قوة العبادي هي الدعم الامريكي له والذي تعزز بعد مرحلة تحرير الموصل، الجانب الامريكي ومن اجل دعم العبادي في معركته الداخلية اوعز الى البلدان الاخرى المنسجمة مع السياسة الامريكية الى دعم العبادي في ذلك الحراك قدر المستطاع.
اما العبادي فقد وجد في الصدر قوة جماهيرية، عسكرية، وكتلة مهمة لها نفوذ في البرلمان وبقية مؤسسات الدولة العراقية، يمكن ان تعزز قوة العبادي بمعية بعض الراغبين في الانضمام الى معسكره من نواب دولة القانون، ناهيك عن قدرة التيار الصدري على حماية العبادي من مضاعفات الشارع العراقي او اي مظاهرات قد تستهدف شخص العبادي.
ختاما لابد من التذكير بان التفاهمات الحالية ليست استثناءا مما عهدناه سابقا، التحالفات زئبقية وقد تنعرج باية لحظة يمينا او يسارا، ناهيك عن ان القوى السياسية حددت اهدافها بشكل مبدئي لكنها لم تحسم مواقفها نهائيا قبل الانتخابات البرلمانية.