رواية « المضللون» واليقظة المتأخرة

رواية « المضللون» واليقظة المتأخرة
آخر تحديث:

ضحى عبدالرؤوف المل
استطاع الروائي دريد عودة  في رواية «المضللون» توسيع مساحة المخيلة، لخلق فانتازيا تحقق بأحداثها رواية تراجيدية سوداء موظفا الرؤية الفنية في حل لغز العقل الارهابي ومكوناته الحياتية، مما يسمح للقارئ الدخول في فرضيات تشويقية محركة بذلك العناصر البنائية للرواية، وبمجازية تدعو الى التحرر من قيود الفكر العقيم الذي لا يؤدي إلّا الى انتهاك الانسانية والفتك بها.  تتحول المشاهد في الرواية الى كتلة لهب وكومة دمار وخراب، لتحترق الاحلام وليصبح السلام لغة شعوب عصفت بها نيران الانفجارات الانتحارية. فالقضية الكبرى تكمن في موازين الخير والشر التي تبدأ من المعتقدات الفكرية بغض النظر عن الايمان والكفر او الضلال الذي يستثمره الروائي دريد عودة  في تكوين الحدث لتكون ضمن تقاطعات تتوالد من خلالها حكاية احمد الشاب العشريني العاشق للإله بيليه وأحفاده الشياطين ويكره أستاذ اللغة الفرنسية، وبتضاد عبثي تقود احداثه التسلسلات الحياتية بدءا من مدرسة «القلبين الاقدسين» حيث قصة عشقه لحسناء تركها بوعد أنه سيعود ليكونا معا الى الابد. فهل الاحلام المضللة هي جزء من عملية انتحارية تؤدي الى تحويل احمد الى ابي قتادة؟عبثية انسانية لا حدود لها وقتل غير محدود، وبأرقام لا تحصى ولا تصدق،  وكأنها أكذوبة عقل خرافي أصابه التخلف جراء المعاناة الحياتية التي تصيب الفرد بالفشل، لتنصهر الذات وتصبح في عقل تحجر، تم تسخيره ليكون كالأداة الحادة التي تقطع كل ما يمر أمامها، وبنسج تخيلي يرتبط بعالم الواقع الذي نعيشه ونرى أحداثه بشكل حي او على شاشات التلفاز.مصطلحات مفاهيمية معرفية تعتمد في مؤشراتها على الدلالات الواضحة «خسرت الارض ولم أربح السماء»، وسقوط مهيب يتمثل بسحب وشفط نحو الاسفل في هوة اكثر عمقا واشد ظلمة،  فالصور المونولوجية في الرواية اعتمدت على مقارنات ومصطلحات ذهنية تراود القارئ وتضعه امام محكمة من نوع آخر. محكمة تخيلية في ظاهرها وتحليلية في داخلها، ليستخرج الجوهر الروائي من فكرة واحدة هي الارهاب بمعناه ومبناه المؤدي الى هلاك النفس وخراب الارض، لإبراز الجوانب النفسية التي يتعرض لها الارهابي المبتعد عن عقلنة التلقينات التي يتلقاها كونه المريد المؤدي دوره المنوط به، وبشكل أخلاقي يضع الضمير الانساني عند المتلقي أمام أحمد وجها لوجه. ليحاكمه ايهاميا من خلال الوقائع الروائية المطروحة بأسلوب فانتازي ملحمي مجرد من التلغيز الذي كان من الممكن بثه لغة تشويقية في الرواية، مضافة الى معرفة حياة الارهابي الداخلية والخارجية وقناعاته التي تم تحويلها من دون عناء، وبخطط مدروسة تقتضي التوغل في القراءة، لمعرفة تفاصيل الحياة الماورائية التي ينشدها الارهابي معتمدا «دريد عودة « على حقن النص الروائي بمقولات وجدانية مختلفة، مؤثرة انفعاليا لتكون اقرب الى القارئ من حيث الوقائع التراجيدية القاسية في مشاهدها التي ترصد حياة احمد المتحول الى أبي قتادة. بنية روائية صريحة تقتضي مقاربتها الدخول بمقارنات قبل وبعد عملية التفجير التي تؤدي يحياة اهل حي عاش فيه احمد مع جيرانه واقاربه، لتتسع بؤرة الهوة المظلمة التي سقط فيها ضمنيا على وجهين وبوصفة سحرية، لصنع ارهابي فقر + قمع جنسي. لتكوين خلطة قاتلة تتسم بحمأة نار جهنم الانعكاسية، لفكرة الجنة مقلّبا العبارات باستبطان يعتمد على منهج التحليل النفسي الذي يقلب الاشياء، ويردها الى النوازع النفسية الداخلية للانسان المكبوت عاطفيا وحياتيا من كل النواحي حيث تبدأ الرحلة الاولى للارهابي من الفقر والحرمان، كبذرة تنمو في المجتمعات المصدرة للارهاب عبر تأثيرات مبطنة او لغة الموت الباطنية ذات المفهوم المتوحد بين الجنة والنار او السقوط او الصعود او البقاء بين أبالسة الارض او ملائكة السماء، وبين هذا وذاك عشنا مع احمد في رواية تغوص بنا نحو الاعماق الارهابية المنتجة للحقائق الملموسة على الارض فهل للمجازية الروائية بناها التخيلية التي استطاع نسجها دريد عودة بإحساسه الروائي؟صنع «دريد عودة»  منهجا سرديا مختلفا في الطرح من حيث الخطوط العامة المكشوفة في انعكاساتها الممكنة وغير الممكنة. اذ تبدو الخصائص لرحلة ما بعد الموت رحلة روح فوجئت بالثواب والعقاب غير المنتظر من شاب آمن بتفجير نفسه طمعا بالجنة دون عقاب، كصدمة ارتدادية احتجب العقل عنها اي العقل الارهابي تاركا لكلام شيخه ترجمة تتآزر مع الافعال الاجرامية غير المحسوبة عند شباب أصيب المنطق في نفوسهم الى اختلاطات عقائدية تبرز من بينها أقوالهم المبنية على الضلال عند الوصول الى برزخ اللاعودة حيث الحقيقة تتجلى والبعث عند الولادة الثانية، مما يحفز الذهن لاستكمال غياهب رحلة الموت الغامضة، وان بتخيلات مرعبة في عالم الظلام، وضمن رواية لاحقت الارهابي الى ما بعد الموت، لنكتشف الضلال الذي يمارس في لغة قتل مضللة للعقول.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *