الزوبعة التي أثارها رئيس وزراء حكومة العراق حيدر العبادي حول التدخل التركي وتهديداته التي وصفها الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان بال “صراخ” لم تكن وليدة الحركة العسكرية التركية في الشمال العراقي، فالقوات التركية وضعت قواعد لها في منطقة بعشيقة بعلم ومعرفة الدفاع العراقية وكذلك مستشاري أمريكا المنتشرين في العراق بحجة محاربة تنظيم داعش ضمن تحالف دولي لا تمتلك الحكومة العراقية الاعتراض عليها، لكن ما السر وراء هذه التهديدات وفي هذا التوقيت بالذات؟
حسبما هو معلن إعلاميا ورسميا فإن الوحدات العسكرية التركية تقوم بتقديم الدعم اللوجستي وخدمات التدريب لفصائل مسلحة “سنية” استعدادا لمعركة الموصل التي تحشد لها دول التحالف الغربي وإيران والقوات الكردية، وكلا حسب مصالحه، وبالفعل تعرضت القاعدة العسكرية التركية في بعشيقة إلى هجمات عدة من قبل تنظيم داعش، الأمر الذي وضعها في موقف الدفاع في أرض ليس أرضها، والذي منحها حق البقاء ولو ضمنا، وهو ما تحاول إيران فعله في المقابل من خلال محاولة إشراك الحشد الشعبي المدعوم إيرانيا، والذي تتعالى الأصوات حول سوء إدارته للمعارك السابقة في صلاح الدين والرمادي والفلوجة بسبب الفضائع التي يرتكبها بحق سكان المناطق الملتهبة.
ترى القيادة التركية بضرورة تواجدها في المنطقة لضمان استقرار حدودها مع العراق، لكن تصريحات المسؤولين الأتراك الأخيرة جاءت بما لا تشتهي سفن العبادي وحكومته، فقد كانت تركيا صريحة لدرجة الإعلان عن هدف آخر بدد الشكوك لدى حكومة بغداد ومن خلفها إيران حول نوايا الأتراك بالمشاركة في معركة الموصل القادمة، والأخطر من ذلك هو تبرير المشاركة صراحة لضمان الوقوف بوجه التغيير الديموغرافي الذي تقوم به قوات الحشد الشعبي مع المليشيات الطائفية في كل مدينة توضع على خارطة التطهير من تنظيم داعش، ليذهب الأمر لأبعد من ذلك بكثير، حيث تهجير الأهالي ومنعهم من العودة لمناطقهم فضلا عن تدمير المدن “المحررة” وسرقة ممتلكات مواطنيها على مرأى ومسمع الحكومة العراقية التي تبرر دائما بوجود قوات غير منضبطة لا تعبر بالضرورة عن الصورة الحقيقية للجيش العراقي.
هنا كان لزاما على العبادي، الذي وافق سابقا على وجود القوات التركية، أن يكون أكثر حزما بعد التصريحات التركية التي أتهمت الحشد الشعبي نيته بالتغيير الديموغرافي في مدينة الموصل، لكنه حزم فارغ من محتواه جاء على لسان من لا يمتلك زمام أمره، فجاء الرد قاسيا من الرئيس أردوغان ليشكل سابقة في تأريخ حكومة بغداد اللاعراقية، والتي أعترفت بها كل دول العالم بالرغم من عمالتها وضعفها وانقيادها الأعمى لإيران، كما انقادت لأمريكا قبل أن تسحب قواتها لتسلم العراق على طبق من ذهب لإيران.جاء رد الرئيس أردوغان ليشكل صفعة قوية للدبلوماسية المقنعة التي يتعامل بها العالم مع حكومة منتخبة من قبل الدول المهيمنة، ويبدو إن صبر تركيا نفذ مع حكومة تدعي الوطنية هنا وتفتقدها هناك، فتتمنع عن هذا وترضى مع ذاك، فبات من الضروري وضع حد لها وإن كان خارج الأطر الدبلوماسية، وهو ما لم تفعله تركيا مع أعدى أعدائها من قبل.
مما لا شك فيه فإن تركيا قد تجاوزت في جزئية ما في هذه الإشكالية، لكن السؤال هنا هو؛ من من الدول المعنية بالشأن العراقي لم تتجاوز على العراق وهيبته وكرامته؟ ومن من الدول لم تضع بصمتها فيما يجري في العراق؟ وهذا لن يكون تبريرا لاي تدخل ومهما كان شكله، لكن مع حكومة ضعيفة تعتمد على دعم الدول عسكريا واقتصاديا وآلاف المستشارين الأجانب فلن يكون الحل سوى بلطمها على خشمها كلما رفعت صوتها، وكلما دعت الحاجة لتأديبها.
خلاصة القول إن معركة الموصل القادمة ستكون حاسمة من وجهة نظر كل الاطراف، وهي مرتبطة بشكل ما مع معركة حلب، ويعتقد جميع اللاعبين بان نهاية تنظيم داعش سيكون فيها، وإن مرحلة ما بعد داعش ستكون مخاضا عسيرا يستوجب تواجد الجميع في هذه المنطقة، والجميع يعلم بأن لا احد أفضل من أحد اليوم، فيضع الجميع مصالحه على طاولة المعركة، لأنهم يؤمنون بأن الحل ينبغي ان يكون بشرط تواجدهم جميعا، ولابد أن يعي العبادي بأنه مجرد منفذ، وليس فارضا للشروط.