بغداد/شبكة اخبار العراق- عبد الرحمن مجيد الربيعي قاص وروائي عراقي يقيم في تونس منذ عام 1989، توزع نتاجه الأدبي بينبغ الكتابة الأدبية والنقد والسيرة.تفرّد في الكتابة السردية من حيث طرحه موضوعات حساسة برؤية مغايرة غارقة في الدهشة تارة، والغرابة تارة أخرى، نالت روايته البكر “الوشم” اهتماماً كبيراً وطبعت مراراً ودرّست في عدد من الجامعات العربية والعالمية. بحسب حوار اجرته “القدس العربي” في رصيد الربيعي اليوم أكثر من أربعين كتاباً بينها (15) مجموعة قصصية وتسع روايات أعيدت طباعة معظمها، ترجمت أدبياته إلى عدد من اللغات آخرها ترجمة مجموعة من قصصه تحت عنوان “ما دامت هناك شمس” للألمانية وروايته “الوكر” للإيطالية ومختارات من قصصه بعنوان “سر الماء” للإسبانية.
متى أصابتك لعنة الحبر؟ وهل كانت الكتابة قراراً أم قدراً؟
جميل تعبيرك “لعنة الحبر” وإن كنت أجدها قاسية، فلماذا لا تكون “رحمة الحبر” مثلاً؟ كان ذلك في أواخر الخمسينيات وكان لي أصدقاء أصابهم داء الكتابة، يومها أحسسّت أنّ إغراء الكتابة كبير بالنسبة لي. وفي عام 1961 توفيّ أستاذي جواد سليم صاحب “نصب الحرية” الشهير فوجدت نفسي أخط مرثاة نثرية له، نَشرها الطبيب توما شمَاني في مجلته الأسبوعية، لتكون أول كلمة منشورة لي، وأذكر أنني كنت أكتب اسمي عبد الرحمن الربيعي فقط ولم أضف اسم ابي مجيد إلا بعد أن ظهر كاتب تمثيليات إذاعية وتلفزيونية يحمل الاسم نفسه.
نشرت قصصي في المجلات العربية، لكني لم أصدر مجموعتي الأولى “السيف والسفينة” إلاّ بعد أن أصبح لي اسم متداول في الوسط الأدبي العراقي الشاب، الذي اخترقت نصوصه الأبواب الموصدة والتي كانت تتحكم فيها ذائقة الخمسينيات لا إبداعياً فقط، بل وحتى سياسياً. أما إن كانت الكتابة قراراً أم قدراً؟ فأظن أنها كانت مزيجاً من الحالتين، وها هي الكتابة وقد أصبحت قدري الذي عُرفتُ به.
ما غايتك للكتابة؟ وما علاقتها بالحياة؟
الكتابة هي الحياة. هذه حقيقة أؤمن بها لأنّني وصلت إلى حد لا يمكنني فيه تصوّر حياتي من دون الكتابة، صارت لي المعنى وكلّ ما تبقّى بعد الخسائر الكثيرة والأفراح القليلة. وغايتي من الكتابة هي توّثيق ما مرّ من تفاصيل التفاصيل، وما لم أحققه في القصة القصيرة قد أحققه في الرواية أو خاطرة أو زفرة من القلب أصوغها كلمات.
في كتابتي أنطلق من الواقع في تحديد المكان والمرحلة التي أكتب عنها، وبعد ذلك يأتي دور المخيال السردي لأنني لا أصور الواقع فوتوغرافياً. فجاءت رواياتي كقراءة مُسلسلة للتاريخ العراقي الذي عشته وعايشته، بدءاً من خمسينات القرن الماضي وحتى اليوم.
ما هو الهاجس الذي يحرك قلم الربيعي؟ وماذا تنتظر؟
لا أستطيع تحديّد الهاجس الذي يحركني، إلاّ أنني أكتب لكوني لا أعرف فعلاً غير الكتابة، وكل فعل أو عمل أقوم به تراني أفكر كيف يمكن أن أفيد منه كتابياً.أما ماذا أنتظر؟ أنتظر الفرح، هل يأتي؟
ما هو مفهومك الخاص للحداثة؟
أن أكون ابن عصري، وأؤمن بكل التطورات الحاصلة في هذا العالم، وأن يشغلني الحاضر ثم المستقبل أكثر من الماضي إلا المضيء منه. الحداثة بالنسبة للمبدع تتجسّد في حداثة نصّه بحسب ما أرى.
كيف تفسِّر ظاهرة قبولك في المغرب العربي، والأثر الذي تركته في النص الروائي المغاربي؟
ليس لدي تفسير جاهز، وهل هذا مطلوب مني؟ إنني منخرط في عالم الأدب المغاربي منذ سنوات طويلة بعد زيارتي الثقافية الأولى لتونس عام 1973، ثم للجزائر والمغرب عام 1976، وأنا عضو في لجنة تحكيم جائزة “مفدى زكريا” للشعر وتنظمها “الجمعية الجاحظية” التي أنشأها الروائي العربي الطاهر وطار. في المغرب أعدت نشر بعض رواياتي في سلسلة روائية عنوانها “روايات الزمن” عن “دار الزمن للنشر والتوزيع”، هل أقول إنّ كتاباتي هي التي أوصلتني؟ قد يصحّ هذا على ما أعتقد. أما ماذا تركت من آثار في النص الروائي المغاربي؟ فالجواب هنا غير موجهّ لي، بل لمن تشاء من الروائيين المغاربة.
أي واقع وأي مستقبل تراه للرواية العراقية..؟
تطوّرت الرواية العراقية كثيراً، وأفادت من وسائل الاتصال الحديثة، ومن زحام “المصائب” العراقية التي أحدثت متغيرات كثيرة. ذات يوم كان في العراق روائيون اعتبروا مُؤسسِين لحداثة الرواية العراقية وعلى رأسهم غائب طعمة فرمان وفؤاد التكرلي، وجاءت الستينيات بروائيين شكلوا المشهد الجديد في تجارب جمعة اللامي وأحمد خلف وغازي العبادي، وآخرون كُثر، وصولاً إلى وارد بدر السالم ولطفية الدليمي وهدية حسين وناصرة السعدون وحميد المختار وآخرون منهم روائيون يقيمون خارج العراق أمثال هيفاء زنكنة ونجم والي وشاكر نوري وعالية ممدوح وغيرهم. في أعمال كلّ هؤلاء الروائيين كان الواقع العراقي ومتغيراته حاضراً، ولكل منهم منطلقاته ويجمعهم طموح حداثي أصيل.
أنا معجب جداً بجيل الروائيين الجدد في العراق الذين يفوزون بالجوائز العربية، إذ يؤكدون قوة حضور الرواية العراقية، إنّ واقع هذه الرواية نابض ويعمل على إثرائها من أصبحوا شيوخاً مثلنا ومن هم ما زالوا في بداية شبابهم، وأستطيع أن أتوقع أي رواية ستكون، ومثلما اختلفنا عمن سبقونا هناك جيل حيوي اختلف عنا طبعاً لما هو أفضل وأكثر تعبيراً عن مرحلته.
يرى الناقد السوري ياسين رفاعية أنّ تقنية “خطوط الطول، خطوط العرض تقنية صعبة تحكمها قدرات المؤلف وخبرته في مجال الكتابة القصصية، حيث يعتمد على اللغة الحارة والمُسدّدة بإحكام، وعلى التلاعب بالضمائر وتداخل الأزمنة والأمكنة، بحيث يستطيع استيعاب هذا الكم الكبير من الشخوص ويصبح وجودهم فيها مشروعاً ، ماذا عن هذه الرواية المخاتلة؟
هي أحد تجاربي وفي موضوعي الأثير “التشرد” عن الوطن وتقليب صفحات الاضطهاد. إنّها رواية صعبة فعلاً كتبتها في تونس عام 1980، و»إشكالية» إذ اعتبرت رواية “معارضة” ومُنعَ توزيعها في جناح “دار الطليعة” في بيروت ورميت مع الكتب المعدة للحرق في مخزن المعرض، وقد استطاع الصديق ماجد السامرائي انقاذ النسخ العشرين، في تونس أصدرت طبعة ثانية فثالثة في دمشق.
بعد مرور أربعين عاماً على صدور الطبعة الأولى من رواية “الأنهار” التي أصدرت مكتبة “الثورة” في بغداد طبعتها الأولى عام 1974، ماذا تقول اليوم عنها وعن بطلها صلاح كامل، الذي حمل الكثير من ملامحك الشخصية؟
كأنني كتبتها البارحة، من عاشوا معي الرواية من زملاء كلية الفنون الجميلة ذهبوا، بعضهم إلى الموت والآخر إلى المسافات البعيدة، وعندما زرت العراق عام 2013 كنت أعيش هاجس ألا أحد من أصدقائي غادر مكانه، سأجدهم في مساحات التسكع ومقاهي الحلم ومكاتب الجرائد. “الأنهار” رواية عن اختلاطات الواقع العراقي وغليانه السياسي في أواخر شهور النظام “العارفي” والبحث عن المصائر. صدرت منها لاحقاً طبعتان في بيروت وأخرى في تونس وضمّتها سلسلة “روايات الزمن”.
أمّا صلاح كامل، الذي أخذ منه الزمن ما أخذ وتناهبته الأماكن والتجارب فما زال على عناده ظناً منه أنه ما زال يمتلك فتوة ذلك الفتى الجنوبي الذي اقتحم الحياة الأدبية البغدادية ليهدّد قناعاتها ويتدافع مع رموزها.
عبد الرحمن منيف، كيف كانت علاقتك به؟
كان عبد الرحمن صديقاً، وأثناء إقامته في بغداد كنت أزوره بين فترة وأخرى، إذ كان مكتب مجلة “النفط والتنمية” على مقربة من بيتي. وآخر لقاء جمعنا في باريس أثناء إقامته المؤقتة هناك. شكّلت أعمال “منيف” السردية الطويلة إضافة متميزة للسرد الروائي العربي، وما زالت تطبع وتنفد حتى يومنا هذا.
مَن مِن أبطال “الوكر”ما زال حاضراً في ذاكرتك ويعيش معك؟
“الوكر” رواية أخذتها من بداية عملي في الصحافة العراقية في سنوات حكم العارفين، وكان جل الصحافيين الشباب مسيسين لأحد الحزبين الكبيرين اللذين أثّرا في الحياة السياسية العراقية “الشيوعي” و”البعث”، كانت فترة حيوية جداً، ورغم أنّ الموت غيّب عدداً منهم، لكنهم ما زالوا حاضرين في ذاكرتي جميعاً.