الدولة في العراق اضحت ظل كاريكتيري لسوق مريدي ، الذي كان قد اشتهر في بغداد منذ سقوطها وحتى وقت قريب ، حيث يشترى فيه كل شيء ويباع فيه كل شيء وفيه تتجانس الاشياء واضدادها ، الشرطي والحرامي ، القانون والفوضى ، الضحية والجلاد ، السجين والسجان ، الصادق والكاذب ، الوطني والخائن ، العصابة والحزب ، القواد والقائد ، بالمختصر العراقي ماكو دولة ، اي ليست هناك دولة ، فالبلاد غارقة بالكذب والتزوير والسرقة والنصب ومن الذين يدعون حمايتها وقيادتها نحو بر الامان ، البلاد غارقة بالدماء التي ليس لها دية ، غارقة بالمفخخات ، والعبوات والاحزمة الناسفة ، والميليشيات ، والمحاصصات والتصفيات ، وهي غارقة بالفساد المالي والادراي والسياسي من اعلى الهرم حتى قاعدته ، 30 مليار دولار صرفت على الكهرباء منذ احتلال العراق وحتى الان والنتيجة انقطاعها 20 ساعة في 24 ساعة ، 120 مليار دولار ميزانية العراق لهذا العام فقط و35 بالمئة من السكان تحت خط الفقر ، ونسبة البطالة الفعلية تتجاوز ال 25 بالمئة ، العراق غارق بالمزابل المستوردة ومن كل الانواع ، من الاسلحة الى الاغذية والملابس الى الشعارات، اكثر من مليون عسكري وشرطي وامني حكومي ، وربع الميزانيات السنوية تذهب للدفاع والامن والمحصلة صفر ، فلا امن ولا امان ولا قدرة على حماية الوطن والمواطن ، حتى السجون لا يستطيعوا الدفاع عنها ، وفي اخر احصائية موثوقة هناك 525 قتيل عراقي خلال هذا الشهر فقط ، اما اعداد المصابين فقد تجاوز الالف ، وخلال هذا الشهر فقط اقتحمت ثلاث سجون ، سجني ابوغريب والتاجي في بغداد وسجن بادوش في الموصل !
لكل ميليشيا سرية او علنية دولتها الخاصة في العراق ، علم وجيش ونشيد وميزانية وقيادة وقاعدة ومايلزمها من مجالس شورى وامراء ووزراء وسفراء !
دولة الكتائب والعصائب والالوية والفيالق والجيوش الطائفية التي تصول وتجول من شمال العراق الى جنوبه ومن شرقه لغربه ، حتى اضحت ارض العراق غابة بنبتها الشيطاني الذي لا مثيل له الا في الخلايا السرطانية ، انها تنهش بالنسيج الوطني والاجتماعي العراقي للاجهاز عليه دون رحمة ، وجعل البلاد ارض محروقة ، والعباد في تيه لا راجعة منه !
اذا كانت تسمية دولة القانون هو الشعار الافتراضي المشمول بالتغطية عند الحزب القائد والحاكم للسلطة في العراق ، حزب الدعوة ، الذي يسعى ليكون الحاكم بأمره للدولة والمجتمع ، واذا كان دولة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي قائدا للحزب والسلطة ، فأن تسمية دولة الميليشيات السرية القائمة فعليا والغير مشمولة بالتغطية هي كلمة السر عند هذا الحزب وقائده ، وما جيوش المختار وعصائب اهل الحق ، وفيلق بدر ، ولواء غالبون ، وكراديس فيلق القدس التي تهندس استعجالا لظهور صاحب الزمان المهدي المنتظر، والتي لا تظهر حجته الا بعد ان يكون الخراب شاملا كاملا ، الا وجها اخر للسلطة الطائفية المستخلفة على حكم العراق من قبل المحتل الامريكي !!
اليست هي الكارثة بعينها عندما يخرج شاب ثلاثيني لا يجيد غير التحريض الطائفي ، واثق البطاط ، على الفضائيات ، محرضا الناس على اتباعه في نصرة مختار العصر ، ويقصد بالمختار هنا ، بن ابي عبيدة الثقفي الذي ثار على قتلة الامام الحسين واستطاع تصفية كل المشتركين بقتله وال بيته عام 65 هجرية ، اما المقصود بمختار العصر فهو نوري المالكي رئيس حزب الدعوة ورئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ، لغرض لجم كل الداعين لازاحته !
الكارثة الاكبر ان يكون رأس السلطة في العراق مستحدثا لهكذا ميليشيات ، وان بطريقة غير مباشرة ، وهو المدعي بدولة القانون وبالحكم المؤسساتي ، وبفصل السلطات ، وبالتداول السلمي للسلطة ، وهو صاحب الوعود المعسولة ، بالامن والخدمات والرفاه !
ربما يقول قائل ان هذه الجيوش والفيالق هي ردة فعل على جيوش وفيالق وكتائب طائفية مقابلة كجيش دولة العراق الاسلامية التي اقتحمت السجون مؤخرا ، وجيش العراق الحر وجيش النقشبندية وكتائب اهل السنة والجماعة وغيرها ، لكن هذا القول مردود عليه شكلا وموضوعا ، لان هناك جيشا جرارا للدولة ، والذي يفترض به ان يكون وطنيا عابرا للملل والنحل ، ووحده المسؤول عن حماية الوطن والمواطن ، وهو لا يسمح باستقواء اي جماعة على اخرى بالسلاح ، ويلاحق كل مبتز لقوى الدولة لحساب جهة دون اخرى ، والامر الاخر ان نواتات اغلب التشكيلات الطائفية المسلحة المستقوية حاليا بالسلطة كانت قد تشكلت في ايران منذ ايام الحرب العراقية الايرانية كفيلق بدر وميليشيات حزب الدعوة ، وهي مازالت تعتبر ايران عمقا وممولا لوجستيا واستراتيجيا لها ، وكانت تحت تصرف المحتل الامريكي قبيل وبعد الغزو حالها حال ميليشيات البيشمركة الكردية التي اصبحت ندا لجيش الدولة ، اما حزب الله العراقي الذي تأسس عام 2006 فقد كان حزبا طائفيا بامتياز وجعل من نفسه ورقة ضغط ايرانية على الامريكان في العراق حاله حال تنظيم عصائب اهل الحق ، وكان للتنظيمان دورا فاعلا بالاقتتال الطائفي في العراق اعوام 2006 و2007 خاصة بعد التفجير المشبوه لمرقدي الامامين العسكريين في سامراء !
كان البطاط والخزعلي وابو درع وغيرهم من امراء الميليشيات الطائفية ، يتحركون ويرهبون دون ان يعلنوا عن انفسهم وبطرق تنسيقية غير مباشرة مع حزب الدعوة الحاكم ، وبتوجيه من الاستخبارات الايرانية ـ اطلاعات ـ لكنهم ومنذ بداية العام الحالي ، تعمدوا الظهور العلني في وسائل الاعلام ، ومن قلب العاصمة بغداد يحرضون ويطلقون التصريحات النارية والتهديدات المبطنة ، واقامت تنظيماتهم العديد من الاستعراضات العسكرية والتحشيدية بالتزامن مع تصاعد حركة الاحتجاجات والاعتصامات الشعبية في المناطق الغربية والتي ايدت مطالبها اغلب قوى المشهد السياسي العراقي ، بما فيها احزاب السلطة التي اظهرت بالعلن تجاوبا مع تلك المطالب لكنها في السر عملت على الانتقام من اصحابها وراحت تتعامل معها بطريقة التفريغ والتنفيس والترغيب والترهيب ، وبالتفاف خبيث اعتبر حزب الدعوة ورئيسه نوري المالكي تحديدا هذه الاحتجاجات والاعتصامات خطرا محدقا على مخططه لقيادة السلطة لولاية ثالثة ، وتهديدا يوعد بثورة شعبية عامة تجمع السنة والشيعة وكافة طوائف الشعب التي ذاقت الامرين من سياسة فرق تسد المستخدمة من قادة العراق الجدد وعلى كل مكوناته ومن دون استثناء ، نعم فهكذا ثورة عارمة يمكنها الاطاحة بنظام الاغلبية الطائفية القائم ، وعليه فقد استخدم القوات الخاصة التابعة مباشرة لمكتبه ـ قوات سوات ـ لمحاصرتها واقتحام التجمعات الاضعف منها ، كما حصل في مجزرة الحويجة التي راح ضحيتها اكثر من 150 من المعتصمين بين قتيل وجريح !
الانتخابات العامة على الابواب ولا يفصلها عن المتحاصصين والمتنافسين على كعكة السلطة في العراق الا اقل من عام واحد وكل طرف منهم يريد ضمانا لتغيير معادلة الحكم بعدها وبما يخدم مصالحه الذاتية ، ملقين باللوم على بعضهم البعض في تدني الامن والخدمات وفي ارتفاع معدلات الفساد للحدود القصوى ، الاخطر من كل ذلك ان الاحزاب الطائفية الحاكمة لا تجد فزاعة لها للتمسك بالحكم سوى بتسعير التخندقات الطائفية ، من خلال تشغيل ماكينة الارهاب الطائفي وتغذية ادواته بما يعيد دورة الحياة لها حتى تعيد هي دورة حكمها ، والا بماذا يفسر تعاون ميليشيا حزب الله العراقي مع وزارة الداخلية باتصالات مباشرة بين عدنان الاسدي وكيل الوزارة وواثق البطاط شخصيا ؟ وبماذا تفسر التحركات الطليقة لحزب الله العراقي وتنظيم جيش المختار المستحدث منذ شباط 2013 والمسؤول حصرا عن الكثير من عمليات الارهاب الطائفي الاخيرة في بغداد ؟ وبماذا يفسر تبجح واثق البطاط ومن على شاشات الفضائيات العراقية بقصف معسكر جماعة مجاهدي خلق والمناطق السنية المناوئة للمالكي في بغداد ؟ وبماذ تفسر صراعات قوائم النجيفي وابو ريشة والمطلك على مناصب مجالس المحافظات الغربية والتي وصلت حد التصفيات ؟ اليس اصدار امر القاء القبض على البطاط هو مجرد ذر للرماد في العيون ؟ واليست المطالبة بالاقليم السني من قبل الجماعات الطائفية السنية محاولة مبتذلة لتقزيم الفحوى الوطني لاعتصامات المناطق الغربية ؟