قبل أيام قدمت ورقة نقدية عن الانساق الثقافية في الشعر العراقي الحديث ، كان ذلك في نادي الشعر في النجف الاشرف بصحبة الدكتور حازم هاشم ، وكنت قد هيأت أن اطرح افكارا عامة عن النقد الثقافي وعن الانساق الواضحة في الشعر ؛ لكن وأنا في الطريق ، تولدت لدي فكرة البحث المهيمنة كنسق مضمر ، وقد بدا لي هيمنة واضحة للشعر العباسي على شعر العراقيين بشكل عام ، والنجفيين على وجه الخصوص ، فإن شئت ان تبحث في فحولة الشاعر فانظر للمتنبي في شعر الجواهري ، وان شئت ان تبحث عن النسق العروبي ، فستجده عند اغلب شعراء النجف هربا من التهمة المعروفة الجاهزة ، حتى صار الشاعر النجفي بين مؤمن بالقومية العربية فكرا أو حزبا ، وبين ميوله للشيوعية . ولقد قال العلامة محمد حسين الاعرجي: ان الحبوبي في غزله أراد ان يؤكد انه شاعر في كل اغراض الشعر ولم يمنعه كونه مجتهدا في الدين من أي غرض شعري ، وأنا أرى غير ذلك ، أرى ان الحبوبي تلبس ابا نواس سنداً شرعيا ، ليقول مايريد مثلما قال ابو نواس ، ومثلما وجد شعراء المديح في المتنبي سندا شرعيا !!. ان النسق العباسي له ذلك لأن الشعر العباسي هو قمة ما وصل اليه الشعر العربي ، والناس تنظر للقمة وتفكر بها دائما ، فضلا عن ان الشعر العباسي شعر عراقي وأهل العراق أولى وأدرى به كما يقول العلامة محمد حسين الاعرجي في كتابه شذرات من العامي والمولد ، واستنادا الى عراقية الشعر العباسي واشتراك الشاعر الحديث مع الشاعر العباسي بالبيئة نفسها ، نجد ان من يكتب في رثاء الحسين يتلبس دعبل الخزاعي ، حتى اذا وصلنا الى التحديث في الشعر ، فاننا نجد العراقي الحديث متأثرا بالخروج عن العمود السابق ، فأنتج قصيدة الشعر الحر ، التي سميت فيما بعد بشعر التفعيلة ، واستمرت له الريادة حتى وصلت الى القصيدة التفاعلية ، والتحديث هو نزعة تمرد ، وهو نسق عباسي ورثه الشاعر العراقي المعاصر عن سلفه العباسي ، ولقد وجدنا قصائد من الشعر الحر عند ابن الشبل البغدادي ؛ لذلك ارى ان وقفة نقدية جادة نحن بحاجة لها للوقوف عند المضمر المشترك بين الشعر العراقي الحديث والشعر العباسي.