رسالة إلى مالك الحزين

رسالة إلى مالك الحزين
آخر تحديث:

 بقلم:إبراهيم الزبيدي 

يقول العرب والأجانب عن العراقيين إنهم ذوو طباع حادة، متمردون، مشاكسون، لا يصبرون على حاكم، ولا يقدر على قيادتهم سوى دكتاتور.وهذه حقيقة. ويضاف إليها أنهم أنهوْا حياة حكامهم، جميعا، إما شنقا وإما دهسا وإما خنقا وإما إعداما بحبل أو برصاص، سواء منهم الذين استُقدموا من الخارج، أو الذين ولدوا في أحضانهم من أبنائهم العقلاء والمجانين.

لقد سبقوا غيرهم في تدبير الانقلابات العسكرية وتنفيذها، من أيام بكر صدقي 1936، ثم رشيد عالي الكيلاني 1941، والضباط الأحرار 1958، وأحداث الموصل وكركوك 1959، وبعث 1963، و“ردّة تشرين” 1963، وبعث 1968، ثم بعث 1968.

نعم. كل هذا صحيح وثابت بالتواريخ وبالأرقام. ولكنه صار ماضيا لا رجوع إليه. فالواقع الذي أنشأه الغزو الأميركي والاحتلال الإيراني في العراق يقول إن العراقيين تغيروا كثيرا، وصاروا أكثر شعوب الأرض سكوتا، هم الظلم والظالمون والفساد والفاسدون.

والدليل على هذا أن ما كنا نسمعه ونقرؤه ونراه من شعارات ووجوه ووعود في انتخابات 2005، وفي انتخابات 2010، وانتخابات 2014 ها نحن، في 2018، نسمع ونقرأ ونرى نفس الشعارات ونفس الوجوه ونفس الوعود التي لا تُنفذ، والعراقيون لا يصمتون فقط، بل ينتخبون نفس الجهلة والأميين واللصوص والمهربين والمهرجين، ولا يستحون.

مثالي على ذلك الآتي. منذ عام 2006 وحتى اليوم لم يستطع أحد أن يُسقط واحدا اسمُه نوري المالكي، أو حتى إخراجه من القصر الجمهوري، ومن المنطقة الخضراء، ناهيك عن مساءلته عن مسؤوليته المباشرة عن المظالم والهزائم التي قصمت ظهور العراقيين، طيلة سنوات رئاسته الأولى والثانية، وحتى وهو خارج الرئاسة، لا أميركا، ولا المرجعية، ولا المحتجون كل يوم جمعة في ساحة التحرير، ولا المتظاهرون الذين قذفوه بالحجارة والنعال في محافظات الجنوب.

وعلى امتداد ثلاث عشرة سنة لم تستطع الدنيا كلها أن تقنع القيادة في طهران بأنه ليس الحصان الرابح الذي يُعتمد عليه، وبأنها تخسر كثيرا حين تحمل على ظهرها تاريخه الملطخ بكل أنواع المثالب والغرائب والعجائب.

منذ 2006 حتى اليوم لم يستطع أحد أن يسقط نوري المالكي، أو حتى إخراجه من القصر الجمهوري، ومن المنطقة الخضراء

وعجزت الدنيا كلها عن جعلها تُصلح ذات البين بينها وبين الشعب العراقي، وبالأخص منهم الغاضبين عليه من أبناء المحافظات الجنوبية التي تتشدق بأنهم خاصرتُها وحـزام ظهـرها المتـين. ولأن النظـام الإيراني لا يحب الفضيلة ولا يكره الرذيلة، ولا يرفض الظلم ولا يقدس العدل، ولا يأنف من السـرقة، ولا يحتقر المـرتشي، ولا يرفض الطائفية والتعالي والغرور فلم يقم برمي نوري المـالكي في أقرب سلـة مهملات، من زمن طويل، من أول يوم له في الرئاسة.

ولكن لا ضمان ولا أمان لمن يجعل نفسه خادما لمحتل. وها قد جاءت الساعة، وصدر قرار الآمر الناهي وراء الحدود بأن يتبدل عليه الحال، وبأن يتركه رفاقه الأقربون والأبعدون، وبأن تنتهي دولته، لتقوم على أطلالها دولة أخرى، يقودها هادي العامري الأكثر قوة وسطوة، والأعمق ولاءً لولاية الفقيه. لم تشفع له خدماته التي لا تقدر بثمن. فقد سرق لها، وقتل أعداءها وخصومها، وخان وكذب وتآمر واحتال وجعل أعداءه عددَ الرمل والحصى، والمتربصين به أكثر.

ومؤكد جدا أن سقوطه سيريح كثيرين، ولكن المؤكد أكثر أنه هو لن يعرف طعم النوم إلا إذا أخذ ملياراته وهرب إلى أحضان الحبايب. ففي انتظاره ملفات لا تعد ولا تحصى عن مخالفات مالية وإدارية، وقرارات مجحفة ظالمة، وعن إهدار ثروات طائلة، وقتل كثيرين عمداً أو عن غير عمد.

لقد جعل العراق حديقة خلفية لإيران تتصرف بها كما تشاء، فتنشئ الميليشيات، وتسلح العصابات، وتفتعل الحرائق، وتفجر المراقد الشيعية والسنية معا، لإحداث الفتنة وتعميق العداوات بين مكوّنات الشعب العراقي، خدمة لأهدافها التوسعية. وغض النظر عن تهريب السلاح والمسلحين من إيران إلى سوريا، وأرسل الميليشيات الطائفية إلى سوريا لحماية عرش حليفه وحليف ولي نعمته الإيراني، الأمر الذي أطال أمد الحرب وزاد من تعقيدها، غير عابئ بما يشكله ذلك من مخاطر مستقبلية على أمن العراق نفسه في الغد القريب والبعيد.

وأخيرا هذه رسالتي إلى مالك الحزين. لن نقول لك اللهم لا شماتة، بل نقول هنيئا لك المذلة، ومريئا لك الهوان.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *