آخر تحديث:
بقلم :عبد الجبوري
من الأمراض التي شاعت قسراً بعد الغزو والإحتلال الغاشم للعراق 2003 ، قلبٌ تام لمعايير العِفة وحبذم الفضيلة ، وثورة وإنقلاب على جميع معاني الشرف والفروسية والرجولة والمروءة ، حتى بات الإحتلال والعدوان على العراق يُسمى تحريراً والقوات الغازية تُنعتُ بقوات التحالف الصديقة وضيوفاً على مرجعية النجف وأتباعها ، وتحوّلَ قادة ومنتسبي الاحزاب والحركات التي تشكلت وتأسست في احضان الصهاينة والفرس الى مناضلين ، لينتهي بنا الحال ويصبح من حمل السلاح وقاتل في صفوف الحرس الثوري الإيراني لثمانِ سنوات ضد العراق صاحب قرار مؤثر ومُتحكم في حاضر ومستقبل البلد ( ارضاً وشعباً ومقدرات ) .
لاشك ان ماتعرضت له ( أم الرماح ) مدينة الموصل ، من دمار مقصود حوّلَها الى مدينة اشباح لمئات الآلاف من الضحايا الذين مازالت اجسادهم واشلائهم الطاهرة تحت ركام ابنيتها ، قد أوغر النفوس وحرق قلوب الملايين من العرب والعراقيين المنصفين .
ورغمَ امتناعي عن الكتابة في شأنها ، مُكتفيّاً بالمتابعة والترقب المؤلم ، كي لا أ ُثير تحفظات البعض ممن نعتقدهم اخوة وابناء عمومة ، بانتظار قيامهم بالكتابة والإدانة والتنديد ، ولغرض عدم توشيح الأحداث بالوشاح الطائفي البغيض الذي يرفضه الخيّرون ، إلا ان الموما اليهم غرقوا في الصمت وكأنَ ثاني اكبر واهم محافظة عراقية بأهلها وحضارتها وتراثها الموغِل في عمقِ التأريخ البشري لا يعنيهم ، والأبعد من هذا وذاك تلك الدماء الزكية المراقة على أديمها ومشاهد الأجساد مقطعة الأوصال للأطفال والنساء والشيوخ لم تحرك لهم ساكنا ً .
ولا اتحدثُ هنا عمن شمرَ عن ساعدهِ مدافعاً بجلباب الطائفية ، ليُحدثنا بإسهابٍ كاذب لنصرٍ مُسربلٍ بسربالِ الزور والبُهتان ، ويُصوّرُ لنا احد أتفه الضباط على انه قائد مُحنك مُحترف للعسكرية ، وفي واقع الأمر انه ضابط ٌ فاشلٌ كغيرهِ من المشاركين في التحرير المزعوم ، ولايعدو سوى بيدق شطرنج ، بامكان اصغر عنصر من عناصر حشد السستاني ان يتجاوز على رتبتهِ ويُهينهُ ساعة يشاء .
فكيف لمثلهِ وهو متهم بتفجير ( منارة الحدباء ) بالصوت والصورة ، ناهيكم عن إستجابتهِ لأوامر قاسم سليماني في استخدام خطة الأرض المحروقة مع نينوى من أجل خمسة او سبعة آلاف من المجرمين الدواعش بحسب إحصاءات وتصريحات موثقة للبنتاغون وحتى لعناصر الحكومة وغيرها من قوى الشرِ والرذيلة .
وللأمانة : فإن ضباط الجيش العراقي الوطني الباسل الشرفاء ، يربؤن بانفسهم ان يكونوا جزءًا من هذا الجمع الموبوء الهزيل الفاقد للعزة والكرامة .
وفي ذات السيّاق ، راحَ البعض من الطائفيين ينعق مع الناعقين ليُهاجم الشاعر الكبير سعدي يوسف ، على خلفيّة هجوهِ بالمنثور لهذا الضابط القميء ، ولابد من الإشارة الى انني لا أدافع عن ( سعدي ) فهو شاعر جزيل اللغة ، عظيم البلاغة ، وقادرٌ ببيت واحد من المُقفى ان يُخرِس تلك الألسُن السليطة ، التي جلست على طرفيّ نقيض لأكثر من مليونيّ نسمة تضمُ في صفوفها أشراف العراق والأمة من علماء واساتذة ومفكرين وأعلام ، لتصطف مع ضابطٍ بائس وعناصر مارقة متمثلة بشذاذ الآفاق ، يرأسهم قائد فيلق إيراني .
لم يعد خافياً ان اعلان تحرير ( أم الربيعين ) الذي جاء على لسان حيدر العبادي رئيس حكومة الإحتلال السادسة قبل ايام ، كان مدعاة لفرح طهران وتل أبيب والمنطقة الخضراء على حدٍ سواء ، ذلك لأتحادها في المسوّغات والمرتكزات والمحاور التي اعتمدتها في خلق المبررات المخادعة الكاذبة لحربها الشعواء التي شُنت بلا هوادة على مدينة الموصل وقبلها صلاح الدين والأنبار وديالى والتي تُشن اليوم على قرى ونواحي حزام بغداد بحجة داعش وسابقتها القاعدة .
ومن مفارقات العصر سماح المجتمع الدولي للنظام الإيراني المجرم للمشاركة في مكافحة الإرهاب وغض الطرف عن اجهزة مخابراته وحرسه الثوري ومليشياته بالعبث والتخريب وتصفية حسابات هزيمتها في حربها العدوانية ضد العراق على أيدي ابناء المحافظات الغربية من قادة وأعوان ومقاتلين ، لينتهي النصر بحصدِ رؤوس آلاف الأبرياء وأضعافهم من الجرحى والمعوقين ويصبح البقية الباقية بلا مساكن وبيوت ، نازحون مشردون يعيشون في المخيّمات والمجمعات التي لاتسلم هي الأخرى من الإستهداف في الخطف والإمتهانِ والإذلال .
انهُ الحقد بعينهِ وإجترار للتأريخ الذي عفى عليه الزمن منذ الف واربعمائة سنة ، إلا ان الطبيعة البشرية للفرسِ تتسمُ بالأحقاد الدفينة ولاتعرف المروءة والعفو ، فكيف ينسى المجوس واتباعهم ، ان العراقيين هم احفاد ابا بكر وعمر وعثمان وعلي ، وهم من أزاحوا عرش كسرى وأزالوا امبراطوريته التي كانت تذل قبائل العرب وتُنَصِب الملوك وتخلعهم .
لذا تجدهم قد سّخروا لضغائنهم وعدوانهم على العروبة والإسلام معاً ( القلم والسيف والمال والبنون والفكر والعقيدة ، تسخيراً شائناً وقبيحاً ) .
وللحقيقة والتأريخ ان نظام ولاية الفقيه قد نجح في إنتزاعِ الولاء للوطن وإلغاءهِ من تفكير وممارسات الكثير من العراقيين من ذويّ الأصول الإيرانية ممن تجنسوا بالجنسية العراقية ضماناً للإبقاء على ارتباطهم بالفرس وجعلهم يعملون ، كلٌ في نطاق إمكاناته والدور المرسوم له ، من اجل خدمتها في تنفيذ مشروعها التوسعي الصفوي ونشر الدعوات الطائفية والعنصرية كوسيلة لمواجهة الحركة الوطنية والقومية التحررية وبهدف إضعاف العراقيين العرب وتفتيت وطنهم .
ولم يكُ الإصرار على مشاركة الحشد الصفوي في معركة تحرير الموصل إلا تنفيذا ً لتلك الأجندة واستجابة لتوجيهات علي خامنئي في هذا الخصوص .
ان التحرير الحقيقي لهذه المحافظة لايحتاج هذا الكم من قذائف المدفعية الثقيلة العمياء ولا لصواريخ الراجمات والقصف العشوائى بالبراميل والمتفجرات التي من المستحيل لها ان تصطاد نفرٌ ضال من أنفار المجرمين المُتحصنين بالآلاف من الدروع البشرية .
عملية إستعادة المدينة المخطوفة برمتها تَطلّبَ إنزالاً جويّاً لفِرقٍ من المتطوعين ممن يُجيدون حرب الشوارع ، وكان بالإمكان إصطيادهم والقبض عليهم بفاتورةٍ غير مكلفة الثمن ، لاسيّما وان ضباط ومنتسبي الجيش العراقي والأجهزة الوطنية السابقة من المجتثين بقرار سيء الصيت ، جُلهم موجودون في العراق ، فحريّ بحكومة المنطقة الخضراء الإستعانة بهم إذا ماكانت النوايا صادقة ومُجردة من الاحقاد والثارات .
وكان بأمكان اهلها وابنائها تحقيق تحريراً ناجزاً على أتمِ وجه من تنظيم ( داعش ) دون مشاركة القوى العدوانية الخارجية والداخلية المُبغضة الحاقدة ، إلا ان المخطط المرسوم كان واضحاً وصريحاً وأكبر حتى من العبادي وأقرانهِ المشاركين في السلطة ممن يّدعون تمثيلهم للمحافظة المنكوبة .
اخيراً اقول : نعم فليفرحوا وليرقصوا رقص القرود ، وليُطبل معهم من يُطبل على اشلاء الضحايا ودماء الأبرياء ، بيد عليهم ان يعوا ويعتبروا من دروس وعبر التأريخ التي ربما غفلوا عنها ، وتتلخص بأن هذه المدينة الشماء لن تموت فأرواح اهلها تحت الركام مازالت تنبض وستنهض بسواعد ابنائها الأماجد البرره ، وسيُعمر الأخيار مادمرهُ الأشرار .
وقطعاً سيختمُ التأريخ على جباهِ المحتفلين بالنصر البائس ، ويصمهم بوصمة عارٍ تُلاحقهم جيلاً بعد جيل وأثر بعد أثر ، وإن غداً لناظرهِ قريب .