واشنطن ودعم الشيعة بالمنطقة

واشنطن ودعم الشيعة بالمنطقة
آخر تحديث:

في ظل الاجواء المشحونة بالصراع في المنطقة والمحاور الاقليمية ، تقفز الى الاذهان اسئلة اقل مايقال عنها انها خطيرة جدا ، تلك التي تتعلق بالموقف الامريكي تحديدا والبريطاني والغربي عموما تجاه هذا الصراع والذي يوصف بانه صراع طائفي بحت ..ففي الوقت الذي سارع الغرب إلى وصف «جبهة النصرة لأهل الشام» من دون تردد أو تأخير بأنها منظمة إرهابية، وعدم تسمية ميليشيات حزب الله اللبناني التي ارتكبت عدوانا فاضحا بعبور الحدود الدولية وذبح الشعب السوري على أرضه بشكل علني بأنها ميليشيات إرهابية؟! هذا التساؤل لم يصدر عن رغبة في إعادة الاعتبار إلى جبهة النصرة، أو إلى أي مجموعة متطرفة أخرى، بل جاء في سياق تساؤل حول ازدواجية المعايير التي تتحكم في المواقف الأميركية والغربية في تصنيف الإرهاب. نعلم أن هناك خيطا رفيعا جدا في تصنيف الغرب لأي منظمة أو مجموعة بأنها إرهابية وأخرى بأنها منظمة مقاومة مشروعة، وهذا الأمر يعود إلى مصالح وأهداف من يقوم بالتصنيف، وإلا كيف لا يعد عبور ميليشيات مدججة بكل أنواع الأسلحة والذخائر الحدود الدولية، والاعتداء على الشعب السوري، وقتل وترويع الآلاف من المدنيين العزل في بيوتهم وقراهم داخل وطنهم إرهابا؟ المؤكد أن حزب الله هو ذراع إيران في الإرهاب والابتزاز والترويع بعد أن سقطت عنه ورقة التوت التي كان يتستر بها ويدعي أنه حركة مقاومة للاحتلال الإسرائيلي في لبنان، هذا الادعاء الذي ساندته ووقفت معه في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي دول مجلس التعاون الخليجي انطلاقا من حسن النيات، فقد عارضت هذه الدول جميع المحاولات لوصم حزب الله بالإرهاب ووقفت في ذلك معها معظم الدول العربية والإسلامية، ولذلك تغاضت عن ارتباطه العضوي بأجهزة المخابرات الإيرانية، وعن سعي قيادة الحزب لتأسيس دولة داخل الدولة اللبنانية، أو حتى فوقها، ولكن تدخل الحزب في الصراع الدائر على الأرض السورية، هو فعل إجرامي فاق جميع التصورات ويمثل نقطة تحول جوهرية في طبيعة الحزب من منظمة مقاومة إلى منظمة إرهابية. إذا كان تنظيم القاعدة قد شكل دولة في أفغانستان ما قبل اعتداءات 11 سبتمبر 2001م، فإن حزب الله الذي يشكل دولة داخل الدولة اللبنانية لا يهدد فقط أمن واستقرار لبنان فحسب بل جميع دول المنطقة، وإذا كان تنظيم القاعدة يمتلك أسلحة بسيطة، فإن حزب الله يمتلك الآلاف من الصواريخ والقذائف وأحدث ما أنتجته التكنولوجيا العسكرية، وإذا كان تنظيم القاعدة يجند بعض شباب أهل السنة هنا وهناك، فإن حزب الله يجند من الشباب الشيعي في جميع الأرجاء التي تنتشر فيها المجتمعات الشيعية سواء في لبنان، أوالعراق، أوالبحرين، وغيرها، بل من جميع دول العالم التي تحتضن طائفة شيعية مثل دول شرق أفريقيا، وأميركا اللاتينية، وأوروبا، وإذا كان تنظيم القاعدة يقوم بعمليات غسيل عقول الشباب وزرع نزعة التطرف داخلهم، فإن حزب الله يزود الشباب الشيعي بجوازات سفر إلى الجنة على حد زعمه لضمان تجنيدهم في صفوفه، وإذا كانت أذرع تنظيم القاعدة تمتد إلى دول متعددة، فإن حزب الله لا يقف بعيدا عن هذه الممارسة وإذا كان مصدر الحكم الغربي السلبي على تنظيم القاعدة مرده أن التنظيم استهل نشاطه الإرهابي بمهاجمة سفارات أميركا في نيروبي ودار السلام، فإن حزب الله بدأ نشاطه الإرهابي بمهاجمة السفارات الأميركية والفرنسية في بيروت إلى جانب مقر قيادة قوات مشاة البحرية، وله يد مباشرة في مهاجمة مقر القيادة الأميركية في مدينة الخبر السعودية. إن تنظيم القاعدة لا تحتضنه أي دولة ولا يوجد من يوفر له الغطاء، بل تحاربه جميع دول المنطقة، وعلى رأسها دول الخليج العربي، وعناصره تملأ سجون المنطقة والعالم، في حين أن حزب الله، وبفضل الدعم الإيراني يتمتع ببحر من الامتيازات بما لا تتمتع به دول، وميزانيته المالية تفوق ميزانيات عدد من الدول الأفريقية، وسلاحه يفوق قدرات عدة دول ومنها دولته لبنان، وإعلامه يصدح عاليا دون رقيب، وصناع القرار في العالم يستقبلون قياداته باعتبارهم قيادات شرعية. عند العودة إلى الموقف الأميركي – الغربي المتساهل مع الإرهاب الشيعي نجد أنه لا يتوقف عند التعامل بهذا الشكل مع حزب الله اللبناني فقط ، فالعالم الغربي يتغاضى متعمدا عن الأحزاب العراقية الشيعية التي مارست الإرهاب علانية، وكانت تفتخر بأنه يمثل جزءا من «تاريخها النضالي» ، فحزب الدعوة الإسلامية الحاكم في بغداد تحت الحماية الأميركية مارس الإرهاب بأمر قياداته الإرهابية التي تتولى اليوم زمام السلطة في بغداد، وحتى يوم وصول الحزب إلى سدة الحكم على ظهر الدبابات الأميركية كان موقع الحزب الإلكتروني يضم قائمة طويلة من الأعمال الإرهابية التي نفذها الحزب ضد أهداف عراقية وعربية خلال الحرب العراقية – الإيرانية دعما للمجهود الحربي الإيراني ضد وطنه العراق. إن التردد الأوروبي في تصنيف حزب الله بأنه منظمة إرهابية ليس مرده قلة المعلومات التي تؤكد طبيعته الإرهابية، بل الخوف من الغضب الإيراني، فهو موقف مصالح وليس موقف مبادئ، ويخلو تماما من المنطق والعقلانية، والعدالة. فمنذ ظهور تنظيم القاعدة في منتصف التسعينات، وخصوصا بعد تنفيذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، أمسى مصطلح الإرهاب في قواميس الغرب ملازما لأهل السنة وحكرا عليهم، ونحن مع إدراج جميع المنظمات الإرهابية على قائمة الإرهاب ومحاربتها دون هوادة، لأننا ننطلق من مبدأ أن الإرهاب عمل إجرامي لا دين ولا طائفة له، لكننا ضد الانتقائية، وأن تكون المصالح، وليس الحقائق هي المعيار، ومن الغريب أن موقف الدول الغربية اليوم يتبع أسس تفكير القاعدة في تقسيم الإرهاب إلى إرهاب «محمود»، وإرهاب «مذموم»، وأن الإرهاب الذي يمارسه من يدعون الانتماء لمذهب أهل السنة هو إرهاب خطير ويعد «تهديدا للأمن والاستقرار الدولي»، وإرهاب الجماعات الشيعية المتطرفة هو «تصرفات خاطئة» تستحق الإدانة وليس العقاب! ما نشاهده اليوم في السياسة الأميركية، والغربية يؤكد الاستقواء على «الإرهاب السني» والتخاذل أمام «الإرهاب الشيعي»، والكيل بمكيالين وتبني المواقف المزدوجة.

 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *