آخر تحديث:
عدنان حسين
ما عاد العراقيون لا يعرفون ماجدة التميمي. الكثير منهم عرفوها عضواً نشيطاً في اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس النواب، تتابع على نحو خاص القضية الأعظم بين اهتمامات الرأي العام العراقي .. قضية الفساد الإداري والمالي التي كانت وراء استنزاف قدرات الدولة والمجتمع الاقتصادية والمالية، وتفاقم الإرهاب إلى حدّ احتلاله ثلث مساحة البلاد بمدنه الكبرى، الموصل وسواها ما تسبّب في محنة اسطورية لملايين الناس، بل لكل العراقيين.
وبخطوتها الجريئة بمساءلة مجلس المفوضية العليا للانتخابات الاسبوع الماضي واستجوابه بمهنية عالية، ازدادت التميمي (كتلة الاحرار) نجومية ومحبة لدى الغالبية العظمى من العراقيين، مقدّمة الأنموذج لنائب الشعب الذي لا يخشى حتى مصارعة ثيران العملية السياسية ومقارعة حيتان الفساد الإداري والمالي.
السيدة التميمي خطت أمس خطوة وطنية أخرى بتقديمها شكوى إلى الأمم المتحدة بشأن عمل مفوضية الانتخابات التي كانت النائبة قد اثبتت في جلسة الاستجواب، بالأدلة والوقائع، وجود نواقص وخروقات خطيرة في عملها.
التميمي قدّمت شكواها إلى رئيس فريق المساعدة الانتخابية في مكتب الأمم المتحدة في بغداد، وقالت فيها إنها استجوبت مجلس المفوضية: “بناء على ما توفّرت لدينا من أدلة وأسانيد، تثبت عدم حياديتها واستقلاليتها وتزويرها للانتخابات (….) فضلاً عن فسادها المالي والإداري وعدم تطبيقها معايير الأمم المتحدة في الكثير من إجراءاتها”، داعيةً المنظمة الدولية للقيام “بدور أكبر في مراقبة أدائها ودعم مطلبنا ومطلب جلّ الشعب العراقي في تأشير الخلل المشار إليه في أداء هذه المفوضية، الذي أدى الى إضعاف ثقة العراقيين بالعملية الانتخابية ومخرجاتها ونخشى من عزوفهم عن المشاركة فيها مستقبلاً”، و خاتمة بالقول إن “بقاء هذه المفوضية المبنية على أساس المحاصصة يعني مزيداً من التراجع على جميع الصعد، اقتصادياً وأمنياً وخدمياً، لأنها وقانونها يسمحان بوصول نسبة كبيرة ممّن لا يمتلكون الكفاءة والنزاهة إلى البرلمان ومجالس المحافظات، ومن ثم لإشغال المناصب الحكومية لينعكس سلباً على أداء الحكومة برمّتها”.
الطبقة السياسية المتنفذة في السلطة والمهيمنة على عمل المفوضية عبر ممثليها فيها (لا يوجد غيرهم في الواقع) لن تسمح بطبيعة الحال للأمم المتحدة بالتدخّل في هذا الشأن برغم أنها شريكة في العملية الانتخابية منذ بدايتها في العام 2005… هذه الطبقة سترفع شعارات السيادة والاستقلال الزائفة التي لم تكن أمينة عليها.
عمل النائبة التميمي، إن داخل مجلس النواب أو مع الأمم المتحدة، يحتاج الى استكماله بالدعم من النخب السياسية والاجتماعية والثقافية الوطنية التي يُمكنها فعل الكثير بالتحرّك تجاه مجلس النواب (على ضعف الأمل به أو انعدامه تقريباً) والحكومة والرأي العام المحلي والمنظمات الدولية.
مصير العراق ومستقبله مرتبطان بتشكيل هيئات حكم وطنية، نزيهة وكفؤة، تضمن عدم إعادة انتاج الأوضاع المزرية الراهنة. وهذه الهيئات من غير الممكن قيامها من دون عملية انتخابية عادلة ومنصفة، والعملية الانتخابية العادلة والمنصفة إنما تتحقق بمفوضية انتخابات مستقلة تماماً وقانون انتخابي يُتيح للناخبين انتخاب الأصلح إلى مجلس النواب والمجالس المحلية.نُخَب العراق الوطنية تواجه الآن اختباراً حقيقياً على هذا الصعيد.