عدنان حسين
لستُ محامياً عن رئيس الحكومة، لكن المنطق يحكم.. والمنطق يقول إن السيد العبادي لا ينبغي لومه على الطريقة التي اتّبعها في إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية، باعتبار أن ما فعله ليس من اختصاص الحكومة، بل رئيس الجمهورية ومجلس النواب.
نعم، السيد العبادي ليس ملوماً، فاللوم كله يقع على سلفه نوري المالكي الذي رابط في رئاسة الحكومة ثماني سنوات ولم يترك لخلفه في ديوان رئاسة الحكومة مؤسسة تعمل على وفق شروط المؤسسة المتعارف عليها حتى في الدول غير الديمقراطية والأخرى الفقيرة.
لو كان السيد المالكي قد اهتمّ على مدى ثماني سنوات ببناء مؤسسة من النوع الذي نتحدث عنه، لبادرت هذه إلى إعلام رئيس الوزراء فور انفضاض اجتماع الحكومة الذي تبنى بالإجماع خطة العبادي الإصلاحية، بأنه يتعيّن عليه في ما خصّ إلغاء مناصب نائب رئيس الجمهورية التقدم إلى مجلس النواب بمشروع قانون في هذا الشأن. ولو حصل ذلك لجرت العملية بسلاسة من دون إثارة ضغائن وطعون دستورية. كما أن أحداً من أعضاء مجلس النواب، الذين يبدو أنهم كانوا يومها دائخين تحت وقع هتافات المتظاهرين في ساحات التحرير ضد “الحرامية”، لم يقم بواجبه، عندما عُرضت خطة العبادي على المجلس، في التنبيه إلى وجوب تقديم مشروع القانون. والمجلس لم يتولَّ أيضاً اقتراح قوانين لتنفيذ خطة العبادي ولا الخطة التي اقترحها المجلس نفسه.. انتهى كل شيء في مجلس النواب في ذلك اليوم والأيام التالية، كما هي العادة، عند الكلام الذي لا يُغني ولا يُسمن.
أمضيت ثمانينيات القرن الماضي كلها في العمل في صحافة المقاومة الفلسطينية في بيروت ثم دمشق. وأتاح لي ذلك اقتراباً أكثر من ذي قبل من الشأن الإسرائيلي فضلاً عن الشأن الفلسطيني. وقد لاحظت حينها أنه على مدى سنوات عديدة متصلة كانت ثمة سيدة يتكرر حضورها في اجتماعات الحكومة الإسرائيلية، كما لو أنها وزيرة بالرغم من تغيّر الحكومات ورؤسائها والأحزاب أو الائتلافات الحاكمة، ولمّا سألت عن سرّ تلك السيدة قيل لي أنها سكرتيرة مجلس الوزراء الإسرائيلي، وهي موجودة في منصبها بناء على اختصاصها وكفاءتها وخبرتها.. أي أنها تكنوقراط لا يعني لها شيئاً إن كان الحاكم من حزب العمل أو من ائتلاف الليكود. وبالتأكيد لم تكن تلك السيدة فريدة عصرها، فلابدّ أن عشرات التكنوقراط من أمثالها كانوا يعملون معها أو تحت إمرتها في ديوان الحكومة الاسرائيلية، ولابدّ أن هذا النظام عام وشامل في سائر الوزارات ومؤسسات الدولة الإسرائيلية.
عندما يكون لدينا ديوان حكومة بمواصفات ديوان الحكومة الإسرائيلية ودواوين الوزارات والمؤسسات الحكومية الإسرائيلية سنضمن أن رئيس حكومتنا لن يقع حتى في خطأ من قبيل الغفلة عن إعداد مشروع كمشروع القانون الخاص بإلغاء المناصب الزائدة في الدولة والتقدم به إلى مجلس النواب صاحب سلطة تشريع القوانين، وسيكون منطقياً أن نلوم رئيس الحكومة إن هو إرتكب خطأً كهذا. وسيكون منطقياً أيضاً أن نلوم العبادي، بعد حين، إن هو ظلّ على نهج سلفه في هذا الخصوص وغيره ولم يبنِ في رئاسة الحكومة مؤسسة تعمل بمهنية وكفاءة ووطنية معه أو مع غيره.