عراك عادل عبد المهدي

عراك عادل عبد المهدي
آخر تحديث:

 بقلم:ابراهيم الزبيدي

يحاول البعض من زملائنا الكتاب والمحللين والمعلقين والمفسرين أن يقرأ الرسالة الحالية في العراق بالمقلوب، كما فعل حجي راضي في مسلسل (تحت موس الحلاق). ​

ففي أعقاب انتهاء المناكفات والمعارضات، ثم المفاهمات والتراضيات، وفور إعلان الاتفاق على الرئاسات الثلاث ظهر لدينا فريقان لكلٍ منهما موقف صلب وثابت وغير قابل للنقاش. إما أسود فاحم أو أبيض ساطع البياض، ولا شيء بينهما.

الأول يرى أن الوليد الجديد خرج فاسدا من بيضة فاسدة، ويؤمن، بقوة، بأن العملية السياسية التي قام بتوليفها وتقنين قواعدها وقوانينها وتثبيتها الخصمان المتلازمان المتفاهمان الأمريكي والإيراني، مباشرة أو بالواسطة، أصبحت هي الوطن والوطن هي، وبالتالي فإن كل ما ينبت في تربتها، ويُسقى بمائها، ويحيا على هوائها، فهو منها وإليها، بما يشبه لعبة الأطفال العراقيين المعروفة (بيني وبينك ضيعناها).

أما الفريق الآخر فمتفائل جدا، ويجزم بأن العراق اليوم، بمجيء الرئيس المعتدل الليبرالي العلماني برهم صالح وزميله المتحرر من سطوة العمامة السياسية الحاكمة، رئيس الوزراء المكلف، عادل عبد المهدي، قد دخل، قلبا وقالبا، مرحلةً جديدة سوف تنتزع الدولة العراقية من أيدي الذين اختطفوها وحبسوها في قصورهم ومقارِّ مليشياتهم وشركاتهم ومخابيء زيتونهم وزيتهم وطحينهم.

والمشكلة الحقيقية هي أن أيا من الفريقين صاحبُ حق ومصيب دون ريب.فالتشاؤم واقعي وصحيح في ظل هيمنة السفارتين الأمريكية والإيرانية على مفاتيح الحل والربط في العراق.

والتفاؤل، هو أيضا، واقعي وصحيح. فإن هناك تعييرا حدث، في داخل قشرة البيضة الفاسدة ذاتها، ربما بفعل انتفاضة البصريين، رغم أنه قليل وبطيء ومتواضع ويخطو بحذر شديد خوف أن يصطدم، من البداية، مع أرباب السوابق الحكومية المتربعين على عرش الوطن منذ خمسة عشر عاما، والخائفين على العملية السياسية التي يأكلون خبزهم بها، والمتحفزين للموت في سبيل حمايتها من أي تغيير جدي في موازينها، من أي نوع.إذن ففي العراق اليوم عراقان، حي من الميت وميت من الحي، ومن العقل والحكمة والنباهة أن نفرح بربع الكأس الممتليء عسلا، ونحزن لأن ما بقي منه ما زال مملوءا بسمٍّ زعاف.

ولكن انشغال عادل عبد المهدي، هذه الأيام، باللقاءات والبيانات والتسريبات، لا يدخلنا مدخل صدق، ولا يخرجنا مخرج صدق، بل يتركنا غابة من ضباب في حيرة وعذاب.فتارة يبدو لنا أنه لا يريد أن يخفض لهم جناح الذل من الرحمة، وتارة أخرى يُوحي لنا بأنه لا ينوي أن يعوم عكس تيارهم ويخرج عن طوعهم، فتذهب ريحه، ويستقيل.

ألم تره كيف يقدم رِجلا ويؤخر أخرى، يذهب شمالا ثم يعود جنوبا، يرتدي ربطة عنقه يوما، ويرميها يوما آخر، يجعل ذقنه حليقا مرة، كأي ليبرالي وعلماني، ثم يُبقيه، مرة أخرى، كأي إسلامي ملتزم بآداب الانتماء الديني الطائفي إلى المدرسة العامرية المالكية الحكيمية التي اختارته من بين عشرات المرشحين لوراثة حزب الدعوة في رئاسة الوزراء؟.

وهو في غمرة انشغاله بلعبته الإلهائية الإنترنيتية التي اخترعها للبحث عن وزراء متطوعين غير مسلحين ومن خارج دوائر القوة الحاكمة صعقته رسالة نصية على هاتفه الجوال يقول له مرسلها: ” لا تصدق أنك رئيس.عد إلى حجمك قبل أن يعيدوك. والسلام ختام”. ثم يفهم الرسالة ويستدير ويعود أدراجه إلى مبنى البرلمان ليتفاهم مع نوابه غير المستقلين، ويحاول اقتسام الوزارات معهم بالتراضي، وبالتي هي أحسن، تماما كما فعل عادل إمام في مسرحية شاهد ما شفش حاجة، (خذوا إنتو الكيس وأنا آخذ خيارة وحدة).

فهل تكون خيارة عادل عبد المهدي الواحدة دليل انتصار أم هزيمة؟. والجواب هو أنه في عراك مع غده أولا، ومع أمسه الديني الطائفي ثانيا، وثالثا مع حاضره المرتدي عباءة الرجل الجديد. فأي عادل من هؤلاء الثلاثة سوف ينتصر، وأي عادل سوف ينهزم ويستقيل؟.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *