حسان حيدر
فجأة تذكر رئيس وزراء العراق حيدر العبادي وحاكم دمشق بشار الأسد أن هناك «شيئاً» في تعريف الدول المستقلة اسمه سيادة. وفجأة تصاعدت حماستهما للذود عنها في ما يشبه «محاضرة في العفة»، فتناسى أولهما انه يكيل بمكيالين عندما ينتقد سلوك الأميركيين ويتغاضى عن سلوك الإيرانيين، وانه جاء الى السلطة بفضل الخرق المتكرر لسيادة العراق منذ أكثر من عقد، وتجاهل ثانيهما انه إنما ينتقد انتهاكاً لسيادة سورية في معرض الدفاع عن انتهاك آخر لا يقل فداحة.
وثارت ثائرة العبادي قبل يومين لأن باراك اوباما قرر إرسال ما يزيد على 50 جندياً من القوات الخاصة الى العراق لشن عمليات في الخطوط الخلفية لتنظيم «داعش»، وقال في بيان «لسنا في حاجة الى قوات قتالية برية أجنبية، وحكومتنا تشدد على أن أي عملية عسكرية أو انتشار لأي قوة أجنبية، خاصة أو غير خاصة، في أي مكان في العراق، لا يمكن أن يتم من دون موافقتها والتنسيق معها والاحترام الكامل للسيادة العراقية».
لكن هناك ما يقرب من أربعة آلاف جندي أميركي على أرض العراق يتولون مهمة تدريب جيشه، وإضافة خمسين جندياً لن تقدم او تؤخر، خصوصاً ان بغداد تشارك في الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة «الدولة الاسلامية»، وان العبادي نفسه طالب الأميركيين مراراً بمزيد من الدعم ضد «التكفيريين» بعدما فشل جيشه في إحراز أي تقدم حقيقي في مواجهتهم.
ولم يحتجّ العبادي، ولم يتطرق الى «السيادة»، عندما شنت القوات الخاصة الأميركية في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي عملية لتحرير رهائن من أيدي «داعش» في كركوك، او عندما انطلقت من العراق في آب (اغسطس) في غارة داخل سورية استهدفت أحد قياديي التنظيم.
كما أن العبادي الذي ورث رئاسة الوزراء من نوري المالكي بعدما وصل اليها «حزب الدعوة» الإيراني الهوى في حماية الدبابات الأميركية، لم يبدِ اي اهتمام بالخروقات التي ترتكبها ايران لسيادة العراق منذ انسحاب الجيش الاميركي غير المكتمل، ولم يتخذ أي إجراء عملي عندما عبر مئات آلاف الايرانيين قبل ايام الحدود بين البلدين من دون تأشيرات دخول، في طريقهم الى جنوب العراق، بتسهيل من سلطاتهم. ولم يلُم طهران على رعايتها تشكيل ميليشيات «الحشد الشعبي» لإضعاف دور القوات المسلحة العراقية ومشاركتها المكاسب السياسية في حال الانتصار على «داعش»، والتي تتصرف كأنها قوة احتلال عندما تدخل المناطق السنّية.
أما شريكه السوري في «الشعور الوطني»، فقد هاله أن تُسقط تركيا قاذفة روسية كانت تقصف شعبه، ووصفت وزارة دفاعه الحادث بأنه «اعتداء سافر على السيادة السورية» طاول «طائرة روسية صديقة اثناء عودتها من مهمة قتالية». فالطيران الروسي الذي ارتكب مجزرته الأخيرة بحق المدنيين في إدلب، يقصف السوريين، في عرف الأسد، في إطار «السيادة» إياها.
وإذا «صدّقنا» ان القوات الروسية الجوية والصاروخية والبرية جاءت الى سورية بناء لـ «طلب» حكومتها التي لم يعد نفوذها يتعدى ربع مساحة البلاد، فماذا يمكن للأسد ان يخبر مواطنيه عن الميليشيات الايرانية والافغانية والعراقية واللبنانية التي تقاتل في صفوفه، وكيف سيقنع السوريين بأنها منتشرة هناك في إطار «السيادة» التي يحرص عليها ويؤلمه الخرق التركي لها؟
لا يكتفي الأسد بقصف السوريين العزّل وقتلهم في أحيائهم وأسواقهم وبيوتهم بالطيران الحربي والبراميل المتفجرة والصواريخ البعيدة المدى والسلاح الكيماوي، بل يجهد حتى في ملاحقة أولئك الذين فروا من «سيادته» الى مآسي المنافي وقسوتها، فيحذر مستقبليهم من ان بينهم «ارهابيين»، في حال تساهل بعض الدول في قبولهم. ويرفع مع العبادي شعار الدفاع عن سيادة، هما وحزباهما «البعث» و «الدعوة»، أول من داسها.