مسرحية مجلس النواب والتفاوض مع المتظاهرين

مسرحية مجلس النواب والتفاوض مع المتظاهرين
آخر تحديث:

بقلم:الأشعث الفرزوني

تم عقد لقاء يوم السبت الخامس من شهر تشرين الأول بين رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي وعدد محدود من النواب الأعضاء مع بعض ما يُدعى بممثلين عن المتظاهرين للإستماع الى مطالبهم لمناقشتها ودراسة تنفيذها. ولا يمكن إيجاد وصف مناسب لهذا اللقاء سوى وصفه بمسرحية غبية تعَوَدَ الساسة العراقيون على إنتاجها وإخراجها في مثل هذه الظروف عندما يهتز وجودهم وكيانهم. فمن تابع ما دار بالجلسة يلاحظ بسهولة إن من حضر الى الإجتماع مجموعة لا تمثل مطلقاً المتظاهرين السلميين ، فبعض من هؤلاء هم أفراد طرحوا مشاكلهم الشخصية وليس لها علاقة بالمطالب الحقيقية للمحتجين . والبعض الآخر كان فئوياً يطرح مشكلة شريحة معينة كأصحاب الشهادات أو شريحة المدرسين المجانيين وما الى ذلك. في حين إن المطالب الرئيسية هي محاربة الفساد والعدالة في توزيع الثروات وحق العمل والسكن وتوفير الخدمات وخلق وطن من خلال إنهاء التبعية ومحاسبة جميع من سبب وساهم في جعل العراق بهذا الوضع المزري مهما كان موقعه ، وتقديم كل من إستخدم العنف وإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين السلميين أو من أعطى الأوامر الى المحاكم فوراً لمحاسبتهم على هذه الجرائم الوحشية .  ويتقدم جميع هذه المطالَب المطلب الأساسي الحقيقي ألا وهو إسقاط النظام مما يعني إستقالة الحكومة وحل البرلمان وإجراء إنتخابات شعبية نزيهة وبإشراف الأمم المتحدة . لأن جميع تلك المطالب لا يمكن تحقيقها من قبل نفس الزمرة التي تولت وتتولى الآن مسؤولية إدارة شئون البلد ونهشت ونهبت موارده وثَبّتت التبعية إلا بإزاحة هذه السلطة الحاكمة ( أي إسقاط النظام ). وهذا ما كان على رئيس النواب وكذلك رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية ورؤساء الكتل والأحزاب أن يُدرِكوا هذه البديهية .

المشكلة الأساسية الآن هي إن السلطة في العراق بأجهزتها الأمنية ومليشياتها المسلحة سوف تستمر بإستخدام كل أساليب العنف الوحشية وإطلاق الرصاص الحي وغيرها من وسائل الإبادة على المحتجين السلميين لأن السلطة وقياداتها ورموزها أصبحت مدركة تماماً بأن وجودهم وبقاءهم غير مضمون وسوف يفقدون الإمتيازات الخيالية ، والأكثر من ذلك إنهم يعلمون جيداًماهو مصيرهم عندما يسقطون ويُحاسبون ولو إنني على يقين إن معظم القيادات والمسؤولين والسياسيين والرموز والشخوص سوف تهرب ، عندما تحين الساعة ، الى البلدان المجاورة وغير المجاورة بعد أن أسست لها ولعوائلهم محلات إقامة مرفهة في الخارج من قصور وأرصدة مالية نُهٍبت من أموال الشعب ومصالح تجارية . وَمِمَّا يؤسف له حقاً إعتماد السلطة على القناصين والملثمين من المليشيات المسلحة لكي لا تُكتشف هوياتهم ، والأدهى والأخبث من ذلك الإستعانة ببعض قناصة فصائل الحرس الثوري الإيراني الذين تم إستقدامهم لقتل المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي القاتل وذلك لعدم إمكانية كشفهم وملاحقتهم ومحاكمتهم عندما تنتهي الأمور سواء بإنتصار إرادة الخير التي توجتها ألصدور العارية من الشباب الواعي والمدرك لقدسية الإنسان الحر وكرامته والتحرر من سطوة الأحزاب المتخلفة بمليشياتهم المسلحة الهمجية ، أو نجاح السلطة الشوفينية بالبقاء والإستمراء في  دورها التخريبي والتبعي والإستحواذ على ما تبقى من موارد البلد والعمل بخبث لتصفية هؤلاء الشباب الواعد الحر بشكل تدريجي دون أي مسائلة للأشخاص الذين ساهموا بقتل المتظاهرين السلميين الأبرياء بإعتبار هؤلاء القتلة عناصر مجهولة ولا تنتمي للأجهزة الأمنية العراقية ولذلك يستحيل تشخيصها ومحاسبتها فهي مدسوسة من الخارج المجهول ولكنه معروف لدى السلطات العراقية . وحتى إذا لم تودي هذه التظاهرات الوطنية العارمة ثمارها فهي بداية لطريق طويل سوف يؤرق رموز السلطة الحاكمة على مدار الأيام والشهور والسنوات القادمة .

الشيء المؤسف حقاً في ظل هذا الإندفاع الوطني الشبابي في التظاهرات السلمية دون أي إنتماء إلا للوطن  إنكشاف حقيقية بعض الفئات والشرائح العراقية ومواقفها من عدم المشاركة والمساندة الفعلية  ( بدافع الوطنية فقط لا غير ) في هذه التظاهرات التي عَبّرت عن رفض الواقع التبعي والمزري والمتخلف الذي لا يليق بأي شعب له كرامة . وأبدأ أولاً بالعشائر العراقية بأصالة تاريخها ومدى موقعها وتأثيرها في المجتمع بحكم تقاليدها وإحتوائها لأعداد وشرائح إجتماعية كبيرة العدد لو ساهم واحد بالمئة منهم إسناداً للشباب الحر المحب للحياة كإنسان حالم وأيضاً محب للموت من أجل الحرية والكرامة الذي واجه السلطة الفاشية بصدورهم العارية . العشائر العراقية ورؤسائها ووجهائها الآن لم تَعُد كما كانت في مواقفها الوطنية السابقة الرافضة للهيمنة والظلم . إن ما أثبته الواقع العشائري في هذا الظرف المصيري  الذي واجهة فيه الشباب العراقي الحر السلطة الفاشية بنفسهم الوطني المجرد والحر بقيّ معظم ما يسمونهم ” رؤوساء ووجهاء العشائر ” ساكتين غير آهبين بما يدور من أحداث مصيرية والتي سوف تحدد مصير ومستقبل العراق وأصبح ” العقال ” ، وهو الرمز الرجولي لرئيس العشيرة أو القبيلة ، عبارة عن ” شبه تاير أو إطار ” صغير موضوع على رأس صاحبه للإدعاء بوجاهة فارغة ، عدا البعض القليل جدا من رؤوساء ووجهاء العشائر والقبائل التي دعمت المتظاهرين ، وما أقدس ذلك المنظر الذي ظهر فيه بعفوية مشارك بالإحتجاجات وهو بزيه ” العُربي بالعباءة والعقال رمز الرجولة ” . تكفيكم يا عشائر العراق جميعاً ممن لم تشاركوا وتساندوا هؤلاء الشباب المحتجين سلمياً ما سيسجله التأريخ عنكم من جبن وعدم أصالة ووضاعة.

الملاحظة الثانية تتعلق بغياب العنصر النسوي تماماً في المشاركة بهذه التظاهرات الوطنية التي تواجه الظلم والإستبداد والتخلف والفساد. خلال هذه ” الملحمة الوطنية ” برز عدد محدود من النساء العراقيات  ” القديسات ” لا يتجاوز عددهم أصابع اليد يشاركون الشباب بتظاهراتهم السلمية بحيث بمواقفهن الوطنية البحتة والعفوية سيصبحون في نظر العالم ، بعد إنجلاء الموقف ، رمزاً من رموز النساء الذين لهم إسهامات وطنية وإنسانية مجردة في العالم وسوف يُكرمون خلال حياتهم أو بعد فراقهم من قبل منظمات محلية وعالمية . وستكون تلك القديسة التي تتراكض بكل الإتجاهات لتوزيع أوراق ” الكلينكس ” على الشباب المتظاهر سلمياً لمسح دموع الوطن بسبب وحشية قوات السلطة الفاشية بإستخدامها القنابل المسيلة للدموع رمزاً للوطن ، وستكون تلك القديسة التي إنشغلت بتحضير ” ساندويجات ” مجاناً للتخفيف عن جانب من معانات الشباب وحاجتهم الى الإستمرار بنشاطهم الخارق وكأنها تُطعم أطفالها رمز للوطن ، وستكون تلك القديسة التي جلبت سيارتها لتوزيع ما يمكن توزيعه على المتظاهرين السلميين ما يخفف عن معاناتهم بقنانين المياه وغيرها رمزاً للوطن . أما الشرائح الأخرى من النساء سواء الموظفات أو طالبات الجامعات أو حتى ربات البيوت ممن ليس لهم عذراً منطقياً في عدم مشاركة إخوانهم في هذه التظاهرة المصيرية فليس هناك إلا تفسيرين وهما ؛ إما هؤلاء النسوة متخلفين ثقافياً وتعليماً وهم بمثابة ” بهائم ” أو شريحة نسوية تم تثقيفها وتدجينها للقيام بمهام ” زواج المتعة أو المسيار ” وليس لها الوقت أو حتى الدافع للمشاركة في المظاهرات التي سوف تحدد مستقبل البلد ، ووجودها في الحياة أساساً هو لمتعة الآخرين وفق نظام الولي الفقيه .

الشيء الآخر المهم جداً والغريب جداً هو الغباء المطلق للمنظمات الدولية وكذلك الغباء الأكثر من الإدارة الأمريكية الذين وقفوا متفرجين على ما يحدث إتجاه التظاهرات السلمية من مآسي وقتل متعمد  وخروقات لأبسط قواعد وقوانين الأمم المتحدة منتظرين لأن يصل أعداد القتلى والمصابين لبضعة مئات أو آلاف لكي يتخذوا موقفاً دولياً أزاء ما يحدث على الساحة العراقية . ما أغبى هذه المنظمة الدولية ، وما أغبى الإدارة الأمريكية ورئيسها ترامب من إستيعاب ما يجري في الساحة العراقية . فإذا كانت الإدارة الأمريكية ورئيسها ترامب تتخبط في علاقاتها وإجراءاتها في مواجهة صراعها مع إيران ومحاولاتها من إستبعاد السيطرة الإيرانية عن العراق خدمةً لمصالحها فإن موقف الإدارة الأمريكية من الأحداث مبهم وفي غير صالحها . وهذا دليل واضح لا يقبل الشك بأن الإدارة الأمريكية ، ليست غبية فقط وغير مدركة لحقيقة ما يجري في العراق وكيفية إستثمار الأحداث ، وإنما بموقفها المحايد من الإحتجاجات يضعها في موقف متناقض في سياستها إتجاه العراق . فالإدارة الأمريكية بسياستها ضد إيران وضد سيطرة إيران على معظم مفاصل الدولة العراقية تحاول كما معلن إن تُحَيد تأثير إيران على العراق سياسياً وإقتصادياً وأمنياً في حين إن الأحداث الحالية يمكن أن تصب في صالح مخططاتها لو إُستثمرت بذكاء ولكن يبدو من مواقف الإدارة الأمريكية إتجاه ما يحدث بالعراق بإنها على أقصى درجات الغباء وعدم الإدراك الفعلي والواقعي لما يحدث.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *