تشتد الحاجة لإستحضار شخصية الإمام علي بن أبي طالب في الزمن الراهن ، وإذ يتكاثر مشايعوه في الأرض كرمز وفكرة تلتقي في حدودها مبادئ الأنسانية مع أنقى قيم الله السماوية ، فأن غالبية الجمهورالعراقي يلجأ لها بتطرف وشعارات صارخة بسبب فقدان العدالة الإجتماعية، وفائض الظلم وتنامي الإحساس بالضعف والقهر. جفاف العاطفة السياسية وتراجع القدرة على إنتاج رموز معاصرة ، يدفع الشعوب الخاوية لإستعارة شخصية تقيم بأحدى محطات التراث والذاكرة للقرن الأول الهجري، وتلك سمة بارزة لراهن الزمن السياسي العربي وفراغه المعنوي وافلاسه الأخلاقي .
وإذا ماجردنا المعادلة من هوى الطائفية السياسية البغضاءالمستفحلة على نطاق المجتمع العربي ، فأن وجود قوانين مجتمعية تغني رغبات الفرد ، كما هي الحال في الدول الاسنكدنافية مثلا ، سوف يقلب المزاج النفسي للعوام وينزل به للحاضر وليس الترحال نحو للماضي .
الذات العراقية المقهورة ، المسحوقة عادة ما تسافر مع رمزيات تأريخية في سياحة تمثل “نستولجيا “دائمة ، بمعنى طغيان الحنين للماضي ، هروبا من جحود الحاضر وتراجع القدرة على تغييره، هذه الظاهرة (الأفيونية) تتجلى في المجتمعات الشيعية على نحو أدق، وعبر تواريخ طويلة،حتى إنغلقت على معادلة (الدموع بأنتظار المنتظر)..!
المجتمعات تحتفل وتتغنى برموزها التأريخية في ميادين الفكر والدين والعلم والحضارة ، لكنها لاتضع المناسبة فوق الحاضر الأكثر رمزية و بهاءاً وتطورا ً، بخلاف مايحدث عندنا بدافع فراغ الأفق من معطيات المشاركة بالوجود ..! هنا تحضر شخصية الإمام بصورة المنقذ المنتظر، والرسالي المتخيل في اشتهاء الذات لتحريرها من مركبات النقص وشعورها الخفي بالدونية ، أفق الظاهرة التطهيرية التي صار يمارسها حتى صاحب السلطة والمستبد ، وهنا المفارقة الأعمق ..!
دراسات متعمقة وضعها مفكرون وكتاب عرب كبار، أهمها كتاب “الإمام علي” للعلّامة ابراهيم عبد الفتاح المقصود ، و”علي صوت العدالة الإنسانية” لمؤلفه اللبناني جورج جرداق ، و”علي سلطة الحق ” للمفكر العراقي عزيز السيد جاسم، كتب تنوعت عبر سياحات تاريخية واخرى تحليلية مقارنة ، وثالثة جمالية بطابع روحي .
انطوت الكتب على جهود إستثنائية بعناوين ساعية لإعادة قراءة الماضي ، والمفارقةهنا ان المؤلفين العرب وضعوها إبان أخطر أزمنة البشرية إنعطافا ًوتطورا، القرن العشرين الذي شهد ولادة فلسفات عديدة وحركات فكرية متضادة ،وصراعات كونية ،ومنهجيات جديدة مثل البنيوية والتفكيكية والحداثة ومابعد الحداثة، طروحات تفوقت على ماسبقها من نظريات وفلسفات واستحدثت قراءات مغايرة أحدثت ثورة كبرى عالم الوجود والحاضر الانساني .
بينما الكاتب العربي ظل يستنجد بالذاكرة لإستحضار رمز من الماضي البعيد لملأ فراغ الحاضر ، ومحاولة استرجاع المعاني المفقودة وتأصيلهاعلى المستويات الأخلاقية والفكرية والسياسية والإسلامية ، تلك احدى مساحات الاختلاف والتخلف، أوالعزلة والقطيعة الحضارية بين الفكرالعالمي والفكرالعربي ، ومنتجات كل منهما ..!؟تساوقا مع الذكرى فأن الأمام علي كان سلطة للحق، فهل يصغي محبوه لنداء ثورته على الظلم والفساد للطغاة الجدد ، وهذا الإستهتار بحياة الناس وكرامتهم وحقوقهم ، خصوصا دعاة الصلة بالإمام وغلاة التطرف والطائفية والفساد الإسلاموي .