وطن ساخن أنهار باردة ….!؟

وطن ساخن أنهار باردة ….!؟
آخر تحديث:

 

  فلاح المشعل  

منذ طفولتنا كنا نردد ؛ أيها النهر لاتسر وانتظرني لأتبعك …!

كانت الرحلة عبر النهر ، دجلة البساتين وفرات العذوبة ،أنهار أخرى تغسل الذكريات من غبار الأزمنة ، أنهار أنتحرت أو نُحرت ، واخرى لم تزل وسادة للوضوء والتعميد والسقي والرزق ، وسلاحنا البارد لمواجهة الصحراء اليابسة والوطن الساخن …!

في طفولتنا ، كان النهر يغمر أجسادنا في لقاء يومي يبدأ مع ظهيرة حزيران نحو غروبها ، بعض الصبيان لايعودون لبيوت أهلهم ، يعشقهم النهر ..يأخذهم بعيدا ً نحو أعماقه ، لايرجعون رغم صراخ الأمهات وعويلهن وتوسلاتهن اليائسة ومراباتهن للشرائع والسماء ..!؟

 كم بكينا في طفولتنا .. عبئنا الحزن في جيوبه حين لاحقنا العمر والحكومات السافلة وفراق الأهل والذكرى ، شعب مصنوع من البكاء والدموع لايقاوم العيش دون تاريخه الغارق في أنهار الحزن ومواعيد فيضانها في حزيران ..!

 وفي طفولة العراق كان كلكامش يغسل أحزانه في الفرات ، يبكي وينوح ، كلما عصفت به ذكرى الراحلين ..!

 

ترتفع المياه في أنهر البلاد ، حين تلتمع في الآفاق حرارة لهيب الشمس ، تذوب الثلوج فوق القمم على رأس الوطن ، تبدأ تباشير الرطب في نخيل الجنوب وهي ترتوي من  العذب النازل نحو جذورها ،  فيضان الأنهر والسمك ، موعد وصول ( الخريط ) من الأهوار لضفاف المدن الباحثة عن أول حلوى في التاريخ البشري .

الصيف في بلادي يتنفس لهيب ناري مثل فرن كوني، لكنه لايجرأ ان يلامس النهر ، وتلك الأجساد اللائذة بماء النهر وغرينه .. ، لاعاصم من القيظ سوى ظل النخل وبعض السفوح الباردة .

{ حييت سفحك ضمآن الوذ به ……. لوذ الحمام بين الماء والطين }

 

لنا حكايا مع الأنهار تؤثث تاريخنا ، أحزاننا وأفراحنا ، خوفنا وشجاعتنا ، نضالنا وهروبنا ، هزيمتنا و..هزيمتنا ..! جبلنا على الهزيمة ، نحن لم نعرف نصرأ ً خارج الأشعار وقصص الخرافة والتزوير ، من يحارب لأجل قضية ما، ينتصر ..لابد ان ينتصر ، لكننا لم نحارب بل كنا نذبح بإستسلام ، ثم ننشد أجمل الأغاني للذباح ، بطلنا القومي أو الطائفي أو السرسري …!

 

يوم غنى الشاعر قصيدته الأخيرة .. ” مرينه بيكم حمد ، واحنه بقطار الليل …!”

” سقط القطار عن الخريطة ” …!؟

توارى الماضي منزويا ً خلف الحاضر المستعار من بعض الهزيمة ، والسقوط  .

 

أنا العالق بطفولتني ، تأخذني الرغبة للشط  ، لأغسل نهر العمر من أحزان لم أشتهيها ، تملؤني الآن رائحة الغريّن والعشب وأول الرطب ومذاق ” الحابسي ” والمشمش المتأخر عن صيف العراق ، يملؤني دجلة بالقصائد ، يغمرني الفرات بذكريات الدم ، ونواح صديقنا المسافر منذ زمن بعيد ..!

 ثم توقظك الحقيقة … وطن ساخن ، لاتكافحه كل أنهار الكون ..!؟

 

[email protected].

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *