آخر تحديث:
بقلم:أسعد البصري
ماذا يمثل حيدر العبادي اليوم؟ في الحقيقة هو المخلص والمنقذ لشيعة العراق والعقل البراغماتي. لقد أصبح الجيش والمخابرات والشرطة والنفط تحت تصرف الشيعة، إضافة إلى التحالف مع أميركا لمواجهة الإرهاب. عليهم الآن التخفيف من التحشيد والخطاب الديني وتسريح الميليشيات الإيرانية.
إن الانفتاح العراقي على السعودية يعني أن الحكومة العراقية لا تعادي إيران ولا السعودية. بل على العكس تماما يسعى العراق بقيادة العبادي إلى الاستثمار في التوازن السياسي من خلال إدارة الصراع بين القطبين الإقليميين. العبادي يناقش مع طهران الأخوّة الشيعية ومصير المشروع المذهبي، كما يناقش مع الرياض الأخوّة العربية ومصير المشروع القومي. يقول للطرفين بأنه معهم في قارب واحد.
لا جدوى من الخطاب القديم ومحاولة زحزحة القادة الشيعة عن وطنيتهم. لقد حذّر العبادي الرئيس الكردي المستقيل مسعود البارزاني من خطاب التخوين لقادة الشيعة. كانوا خونة أيّام الحكم السني هذا صحيح، وكان ولاء أحزابهم السياسية المطاردة للخميني وإيران.
كان ذلك في الماضي ولكن بعد استلامهم مفاتيح بغداد، وبعد حسم النزاع الطائفي على سيادة العراق وتحرير الموصل، وبعد استعادة مفاتيح كركوك بما تعنيه من صفقات طاقة مع موسكو ولندن وأنقرة وتل أبيب وطهران، يبدو شيعة العراق اليوم وطنيين بحماسة أكثر من السنة لأن هناك تفسيرا عقلانيا لهذه الوطنية.
صار عندهم دولة وسلطة وجيش وبترول ولا يريدون مشاركة إيران ولا غير إيران بوطنهم وثرواتهم وسلطانهم. صحيح أن بعضهم محرج فلإيران فضل عليهم أيام المعارضة، وفضل آخر في الاحتفاظ بالسلطة والبطش بمنافسيهم بعد الاحتلال.
مع هذا ليس من مصلحة الشيعة الآن اتّباع عقيدة أخرى غير الوطنية، وكما كانت الوطنية تعني الولاء والطاعة للسنة وعقيدتهم القومية العربية، أصبحت الوطنية العراقية اليوم تعني الطاعة والولاء للشيعة إلى درجة أن القوات الخاصة والطيارين المتخرجين من الكلية العسكرية يؤدون القسم العسكري في الضريح الحسيني.
السني بالمقابل صار يكره حتى فريق كرة القدم. فما فائدة الوطنية إذا كانت تعني فقدانه للسلطان ومنعه من دخول بغداد إلا بكفالة؟ صار يحب السعودية وتركيا أكثر من العراق، وتحول شيئا فشيئا إلى تبعية.
لم تكن لسنّة العراق مصلحة بتركيا والسعودية في الماضي وكانوا يتحدثون عن تراب الوطن الطاهر. من الواضح أن الوطنية في العراق مجرّد سلاح سياسي بيد الطائفة التي تحكم. طائفتان ماكرتان تتنافسان على السيادة والثروة وتلعبان لعبة الوطنية والتخوين.
فما هو الصراع الطائفي بالنهاية؟ إنه يعني أن طائفة تذهب إلى العمل والسعي وراء الرزق بمجملها وتترك المخابرات والجيش والسياسة والسيادة والبترول للطائفة الأخرى. هكذا العلويون في سوريا، وهكذا كان سنّة العراق قبل عام 2003.
المشكلة في التحول. كيف تقنع جماعة حاكمة بنسيان السلطان وبيع النفط والمعاهدات الدولية والخطط السياسية والأمنية والاهتمام بشؤون الزراعة والتجارة والهندسة والطب والمواصلات والطرقات فقط؟
المهم ألا تنسى السعودية دعم سنة العراق أيضا. فقد ازداد عدد المتطوعين في الميليشيات والحشد الشعبي بمحافظاتهم، وصار الحرس الثوري يتواجد بمناطقهم ويغريهم بالنفوذ
مثل هذا التحول يكون عادة دمويا ومصحوبا بالعنف. بالنهاية رأينا جماهير الموصل تضرب تحية لابن العمارة الجنرال عبدالوهاب الساعدي بعد خراب المدينة. بل رأينا في نهاية الصراع أن السعودية نفسها تتودّد إلى العراق الذي يحكمه حزب الدعوة. لقد تم حسم المعركة وحدث الاعتراف بالشيعة كسادة العراق الجدد.
لهذا السبب تزداد داخل المجتمع السني العراقي وبكل أسف ظاهرة الأسماء المستعارة على التواصل الاجتماعي، وينفضح الحنين إلى السلطة من خلال وضع صور لهتلر وستالين وترامب وأردوغان بدلا من صورهم الشخصية. بل بعضهم يضع صورة فارس تاريخي على حصانه أو أسد مفترس، إنه الحنين إلى التمكين والسلطان المفقود.
وضع العراق حساس جدا وعلى السعودية أن تدرك ذلك جيدا. فلا يمكن للمملكة المبالغة بنفي الطائفية عن نفسها على حساب سنة العراق. فكما تستقبل وتحتفي بالقادة الشيعة من الأفضل لو تستقبل قادة سنة استقبالا رسميا رفيعا.
الحل في العراق يجب أن يكون توافقيا. لا يوجد “قفز الزانة” في السياسة العراقية فالكل يريد حصة. فإذا كانت السعودية تريد كسب الشيعة وعزل إيران، فإن إيران تريد كسب السنة وعزل السعودية. لهذا على الرياض كسب الطرفين في العراق وألا تبالغ بالتودد لطرف تظنه بعيدا عنها، معتمدة على أن الطرف الآخر قريب منها تاريخيا ولا داعي لإغرائه وتقريبه. الوضع في العراق محاصصة وتوازن وأحقاد.
إن الانعطافات في السياسة الخارجية يجب أن تكون متوازنة وتأخذ وقتها وإلا تحدث الفوضى. كنا نستمع إلى الحاكم العسكري بول بريمر وهو يتحدث عن السيستاني وأهمية وجود مرجعية دينية لدى الشيعة وكأن بريمر أحد مقلدي السيد السيستاني الأكثر حماسة فهو مفتون بهذه الفكرة.
فجأة ودون سابق إنذار وبعد 14 عاما من الحكم الطائفي العراقي القائم على المحاصصة برعاية أميركية-إيرانية يخرج وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون ويقول “العراقيون عرب، وليسوا فرسا، سواء كانوا سنة أو شيعة، وأعتقد أن السعوديين راغبون في استئناف علاقاتهم مجددا مع العراقيين الذين يرتبطون معهم بأخوّة قبلية قديمة”. هذا التصريح ينسجم تماما مع غزل الرئيس دونالد ترامب في حملته الانتخابية بصدام حسين حين قال “أنا أحبه” فقد كان قادرا على ضبط هذه الفوضى.
ماذا عن “العراقيون عرب” بعد هزيمة الأكراد وطردهم من كركوك. 6 ملايين كردي عراقي ليسوا عربا بالمناسبة، ماذا سنفعل معهم؟ هل نطاردهم كعصاة في الجبال من جديد؟ وماذا عن نظام المحاصصة وقداسة السيستاني الإيراني التي تغنت بها الإدارة الأميركية سابقا؟ السيستاني مثلا ليس عربيا بل “فارسي” ولكنه مرجع مقدس للعراقيين الشيعة. كيف سيتم حل هذه المشاكل؟
هناك طموحات كبيرة. فالعبادي وعد في خطاب رائع بتدمير نظام المحاصصة الطائفية وتشجيع المواطنين على انتخاب السياسيين النزيهين بغض النظر عن المذهبية. خطابات العبادي الأخيرة مقبولة جدا وتتميز بأنها مصحوبة بالفعل والإنجازات وهو يحظى باحترام جميع الطوائف في العراق حاليا.
ومما يبعث على التفاؤل هو إصرار السعودية على الانفتاح على العراق وعدم التخلي عنه كما حدث طيلة السنوات الطويلة التي أعقبت احتلال أو تحرير بغداد 2003.
وزير الدولة لشؤون الخليج العربي بوزارة الخارجية السعودية ثامر السبهان تحدث عن قرار للمملكة بدعم العملية السياسية في العراق. وقال “حرصا على إعادة العراق إلى حاضنته الأصيلة ستدعم السعودية في الانتخابات البرلمانية العراقية التي ستجرى يوم 12 مايو المقبل تحالفين أحدهما التحالف السني بقيادة رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري وثانيهما التحالف الشيعي بقيادة نائب رئيس العراق إياد علاوي وزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر”.
ربما تستطيع السعودية فعل شيء ما فقد بدأنا نرى صراعات بين الشيعة أنفسهم على التواصل الاجتماعي بين منحاز للسعودية وآخر منحاز لإيران وهذا ممتاز وسريع في الحقيقة.
المهم ألا تنسى السعودية دعم سنة العراق أيضا. فقد ازداد عدد المتطوعين في الميليشيات والحشد الشعبي بمحافظاتهم، وصار الحرس الثوري يتواجد بمناطقهم ويغريهم بالنفوذ.
المملكة العربية السعودية دولة كبيرة وعليها احتواء الجميع بالتساوي. تصريح رسمي واحد من المملكة عن مساعدة النازحين أو علاج المصابين أو الأطفال المشردين له تأثير إنساني كبير عند العراقيين. إضافة إلى استقبال رسمي رفيع لشخصية سنية سيشعرهم بالاحترام والرضى. رجل معتدل وواقعي ممن لا يثير ريبة أيّ طرف عراقي.