مضيعة الجهد والهواء والشبك

مضيعة الجهد والهواء والشبك
آخر تحديث:

 بقلم:علي علي

كثيرة هي المؤتمرات والاجتماعات الرنانة التي يعقدها أولو أمر البلاد بين الحين والآخر، وقد يظن من لا يعلم الواقع العراقي، أن تلك الاجتماعات ستمطر على العراقيين من الخيرات ما يسمن من جوع ويغني من فقر، إلا أن الحقيقة غير هذا تماما، فاجتماعات ساستنا على خوائها وخلوها من المضمون المجدي، هو دعوات عديمة التأثير والفعالية والجدوى، وهي اجترار وإعادة تدوير لكلام وأحداث وتصريحات، وبذا تكون النتائج أيضا مدورة ومعادة، ولاجديد تحت الشمس ولا تحت جنح الظلام، إذ كما قال ابن الدهان:

ألقاك كي أشكو فأسكت هيبة

وأقول إن عدنا فسوف أقول

فتحت خيمة مسميات وعناوين عديدة، يفترش ساستنا طاولات نقاشاتهم وجدالاتهم، فيتخذونها مقعدا ومتكأ يستعذبون الجلوس والاتكاء عليه كفقرة من جدول أعمالهم اليومي، فالاستجوابات والاجتماعات والمؤتمرات واللقاءات والدعوات المتكررة خلال أكثر من عقد من السنوات العجاف، أضحت نهجا وسياسة وخطة عمل يومية، تنأى عن الجدوى والمردود والفائدة، فهي أقرب لقضاء فرض شكلي منها الى أداء واجب مهني وأخلاقي ووطني. كما أن صور الشخصيات ذات المناصب القيادية التي تحشد الرأي العام والخاص على حد سواء لحضورها، باتت صورا (Negative) قابلة للاستنساخ والتكرار والاجترار مرارا وتكرارا.

وللحق فإن تلكم الاجتماعات حصيلة همم متفاوتة في صدقها الى حد ما، فمنهم من كان سعيه حثيثا أبدى فيه حرصه على حل المشاكل العالقة والمتراكمة بين الساسة وأرباب الكتل، بنيّة لملمة الشمل الذي لاينكر أحد مدى تشتته وتبدد جمعه، بما زاد من تنافر القوى الكبيرة قبل الصغيرة في عراقنا الجديد. ومنهم من كان يتأبط من دعواته تلك شرا، ويبطن تحت مساعيه اليها مكائد لايعلمها إلاه. وكلنا يذكر حتما أن أبرز الحاضرين في الاجتماعات كان شعارهم خدمة العراق والعراقيين، وانتشالهم من تداعيات الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية التي حاقت بهم، وفي حال كهذا سيصفق لهم الجميع، ويباركون لهم وطنيتهم وشعورهم النبيل تجاه أبناء جلدتهم. وسواءٌ أسلبية كانت نتائج تلك المؤتمرات والاجتماعات أم إيجابية! فإن نصيب المواطن منها السلبيات في الأحوال كلها، أما الإيجابيات فلفئات غير فئات الشعب وشرائحه.

والحال على هذا المنوال مستمر في النكوص والتردي، وإن طرأ عليه تغيير فهو لحال أسوأ، وهذا طبعا يعزز فكرة ان ساسة العراق لايريدون للعملية السياسية الاستقرار، وإن كانوا يميلون اليه في الظاهر المعلن. ومايعزز هذه الفكرة أيضا طول مدة الخلاف رغم اللقاءات التي من المفترض أنها تنشد تقريب وجهات النظر، او كما يدعون رأب الصدع او لم الشمل او رتق الفتق، وما الى ذلك من مصطلحات وعبارات أتوا بها بغية التضليل والتورية. إذ من غير المعقول ونحن في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، وفي خضم التغيرات التي تمر بها الأنظمة في البلدان المتاخمة للعراق والبعيدة عنه أيضا، أن لايتمكن المختلفون من صهر نقاط الخلاف بينهم، وحلّ العقد والملابسات والإشكالات، بشيء من التنازلات، وتفهم الرأي الآخر، ليتحرر العراق من بودقة الصراعات الداخلية التي تفاقمت وأضعفت العراق أمام دول إقليمية مستقرة داخليا، فاستأسدت عليه بعد أن صار لقمة سائغة وصيدا سهلا لمن هب ودب من حكام تلك الدول. وكيف لاتستأسد وهي ترى تفتت اللحمة الوطنية بين كبار السياسيين العراقيين، ويتبعهم الأصغر فالأصغر فالأصغر، وإذا بهم جميعا يسلمون العراق على طبق من ذهب لمن يروم احتلاله او حكمه او غزوه، او حتى ضمه الى نفوذه.

أرى أن مضيعة الجهد والوقت مضيعة للبلاد ومهلكة للعباد، وكفاكم ياحكومتنا ويانوابنا ما أنتم ماضون فيه من اجتماعات لها من الشكلية والبيروقراطية، ما لاينسجم مع وضع العراق الحرج والحساس في كل مفاصله، فقد كثرت اجتماعاتكم ومؤتمراتكم ومواثيق شرفكم ولقاءاتكم -الوطنية وغير الوطنية- والى آخره من مسميات تجمعاتكم التي تقسمون فيها وتحنثون القسم، وتتعاقدون على الوفاء وتنكلون بالعقد، وتعاهدون فيها شعبكم وتنكثون العهد، وتوعدون رعيتكم بالحسنى وتخلفون الوعد، وبهذا فإن الآتي كالماضي، واللاحق كالسابق، فكله هواء في شبك.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *